لا أحد يعرف بالضبط ما الذي قصدته نبوءة دونالد ترامب، بعد اعتداء الشانزيلزيه وقبيل انتخابات الدورة الأولى، ولكن المهم هو أن الاتحاد الأوروبي، وقائدته ألمانيا، استقبلا النتيجة، أي فوز المرشح إيمانويل ماكرون، بارتياح وغبطة كبيرين، وهو ما عبّرت عنه الصحافة الألمانية، الداعمة في غالبيتها للمرشح ماكرون بهذا التلخيص: "إنها مبارزة حول أوروبا، ومن أجل أوروبا". وهو الارتياح نفسه الذي صدر عن الأوساط المالية الآسيوية.
وعلى الرغم من أن ماكرون يمتلك حظوظًا كبرى للفوز في الدورة الثانية؛ إلا أن الدعم الذي حظي به لم يكن كله تلقائيًّا. فإذا كان مرشّح الحزب الاشتراكي، بونوا هامون، يعتبر أنه "يجب التمييز بين الخصم ماكرون وعدوّ الجمهورية"، في إشارة إلى مارين لوبان، إلا أنّ الكثير من الاشتراكيين يرون في ماكرون الشخص الذي قصَم الحزب الاشتراكي وأوصله إلى أسوأ مستوى عاشه منذ سنة 1969.
كما أن اليمين الفرنسي التقليدي، ليس موحدًا في موقفه، فإلى جانب شخصيات تطالب بالتصويت لصالح ماكرون، من بينها مرشّح اليمين فرانسوا فيون؛ ثمة شخصيات، مثل هورتوفو، تطالب بالتصويت ضد مرشّحة "الجبهة الوطنية"، مارين لوبان، في حين أن حركة "حسّ مشترك"، المعروفة مواقفها المحافظة والتقليدية، والتي عارضت بقوة "قانون الزواج للجميع"، وساهمت بفعالية في حملة فيون، أكدت أنها لن تدعو إلى التصويت على أي من المُرشَّحَيْن، وهو أيضًا موقف القياديين في حزب "الجمهوريون"، جان فريدريك بواسون، ونادين مورانو، وكثيرين آخرين من يمين الحزب.
كما أن موقف مرشّح "فرنسا المتمرّدة"، جان لوك ميلانشون، ليس واضحًا، فهو لم يُعلن عن موقفه في الدورة الثانية، وإن كان قد خاطَب أنصاره بالقول: "كل واحد منكم يعرف واجبَه، في انسجام مع ضميره"، وهو ما رأى فيه بعضهم دعوة للوقوف في وجه مارين لوبان، والتصويت لإيمانويل ماكرون، رغم أنه أضاف: "لم أتلقَّ من 450 ألف شخص (هم أعضاء حركته) أي إذن بالتحدث عن الموقف من الدورة الثانية".
ولكن رغم كل شيء، يبقى الهاجس الأكبر لماكرون، ليس الدورة الثانية، التي تحتاج لوبان لمعجزة ضخمة حتى تفوز بها؛ بل هو كيفية حصوله على أغلبية مريحة في البرلمان الفرنسي تضمن له تطبيق برنامجه الانتخابي، من خلال تقديم 577 مرشحًا في كل التراب الوطني، وهو عدد نواب البرلمان.
في حين أن مارين لوبان تستطيع أن تفخَرَ بتصويت 7 ملايين و643 ألف شخص لها في الدورة الأولى، وهو ما يعني أنها تجاوزت والدها، بنحو 3 ملايين صوت.
وتراهن مارين لوبان، التي حظيت بمصالحة والدها، وبدعمه القوي لها، على أصوات كثيرة صوتّت للمرشح جان لوك ميلانشون، كما تراهن على أصوات المرشح نيكولا دوبون إنيان، عن حزب "انهضي فرنسا"، والذي يدافع عن مواقف قريبة من مارين لوبان، بخصوص السيادة والعلمانية والعداء للأحزاب التقليدية، من اليسار واليمين. وفي هذا الصدد، وجّه الرجل الثاني في "الجبهة الوطنية"، فلوريان فيليبو، نداء حارًّا إلى نيكولا دوبون إنيان للحاق بحملة مارين لوبان.
وليس مستبعدًا أن تركز مارين لوبان في حملتها على اتهام ماكرون، من جديد، باعتباره مرشح الخارج، ومرشح الاتحاد الأوروبي، ومرشح ألمانيا، ومرشح المصارف وعالم المال. وقد أعلنت مارين لوبان، التي دانت هذه "الجبهة القومية العجوز والفاسدة"، التي تتكون ضدها، قبل قليل، عن تركيزها، في حملتها للدورة الثانية، على قضايا الهجرة، وأيضًا على ما تسميه "الإرهاب الإسلامي"، ساخرة من ردّ فعل إيمانويل ماكرون بعد اعتداء الشانزيليزيه، حين قال "لن أعبّر عن رأيي في ليلة واحدة"، وساخرة من الرئيس فرانسوا هولاند، الذي يعود، من جديد، في شخص إيمانويل ماكرون.
كل تلك الأمور ستكون محاور ساخنة في المناظرة التي ستجمع بين المرشحين في الثالث من مايو/أيار المقبل.
أزمة تعصف بالحزب الاشتراكي و"الجمهوريون"
ما الذي سيحدث في الحزب الاشتراكي؟ هل سيقود بونوا هامون، حملة الانتخابات التشريعية، ويكون رئيس الحزب القوي؟ وما هو الموقف من "الخونة" الذين صوّتوا لصالح ماكرون، والذين يريدون تزكية حزبية، مثل مانويل فالس وغيره؟ وهل يستقيل بونوا هامون، بسبب هزيمته، كما هو معمول به في بعض الديمقراطيات الغربية، ومن بينها بريطانيا العظمى؟ لا أحد يعرف الجواب، بعد.
وفي هذا الصدد، فإن لقاء اليوم في مقر الحزب، هو من أجل تدارس الهزيمة الكبيرة، ومحاولة تدارك ما يمكن تداركه، لتحقيق بعض المكاسب في الانتخابات التشريعية المقبلة، على الأقل، خصوصًا أن بونوا هامون، وخلافًا لفرانسوا فيون، لا يَعتبر نفسَه الوحيد المسؤول عن الكارثة.
الموقف الصعب ذاته، بل وأكثر، يعرفه حزب "الجمهوريون"، حيث ارتفعت أصوات تطالب، علانية، مباشرة بعد ظهور نتائج أمس، برحيل فرانسوا فيون، من بينها أعضاء الحزب نادين مورانو ورشيدة داتي وآخرون، وهو ما يعني، أنه في حالة إقصاء فرانسوا فيون، الذي اعترف أمس بمسؤوليته الرئيسية في الكارثة، فلن يقود هذه الانتخابات التشريعية لشهر يونيو/حزيران، التي لا يزال اليمين يمتلك، رغم خسارته لرئاسة الجمهورية، حظوظاً كبيرة للفوز فيها، باعتراف قياديين كثيرين.