أعلن رئيس البرلمان التونسي، محمد الناصر، الشروع في عملية انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وسط تواصل أزمة المجلس الأعلى للقضاء وتفاقم عجز السلطة القضائية.
ويمر اليوم أكثر من عام ونصف على انقضاء الأجل الدستوري الموجب لتنصيب المحكمة الدستورية.
وبالرغم من تنصيص الدستور التونسي على إرساء هذه الهيئة في أجل سنة من تاريخ الانتخابات التشريعية التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول عام 2014، إلا أن النواب اعتبروا تلك الآجال غير ملزمة، ولا يشكل تجاوزها خرقا لبنود الدستور الجديد.
ولتنصيب المحكمة الدستورية ينبغي على البرلمان انتخاب أربعة أعضاء في جلسة عامة، فيما يعيّن رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، أربعة أعضاء، وكذلك بالنسبة للمجلس الأعلى للقضاء، لتكتمل تركيبة المحكمة المكونة من 12 عضوا يشترط فيهم الكفاءة والنزاهة والاستقلالية والحياد والخبرة، التي لا تقل عن عشرين عاما، مع التأكيد على عدم انتمائهم إلى أحزاب سياسية، أو ترشّح لرئاسة الجمهورية أو مسؤوليات نيابية.
وتبدو مهمة تشكيل المحكمة الدستورية صعبة المنال، لارتباطها الوثيق بتواصل أزمة المجلس الأعلى للقضاء العاجز حاليا عن الانطلاق في أعماله، مما يستحيل معه ترشيح ثلث أعضاء هذه الهيئة الدستورية.
ويأمل رئيس البرلمان أن يبعث شروع البرلمانيين في انتخاب الثلث الأول من أعضاء المحكمة الدستورية برسالة تستنهض بقية الأطراف.
وقال الناصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "مجلس نواب الشعب سيقوم بدوره بانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، حتى إن لم يتمكن المجلس الأعلى للقضاء من تعيين أربعة ممثلين كما ينص عليه الدستور"، مشيرا إلى أن "هذه الخطوة قد تكون محفزا نحو تجاوز الأزمة وحل الخلافات الراهنة".
وأضاف أن "العملية الانتخابية ستنطلق إثر اقتراح رؤساء الكتل البرلمانية ثلاثة أعضاء مختصين في القانون، وعضوا رابعا من غير المختصين في القانون، شرط أن يكون حاصلا على شهادة الدكتوراه في اختصاصه"، مؤكدا "ضرورة تنصيب المحكمة الدستورية في أقرب وقت ممكن، بهدف استكمال بناء دولة القانون".
وتعد المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة تسهر على ضمان سمو الدستور وحماية النظام الجمهوري الديمقراطي، والحقوق والحريّات، في نطاق اختصاصاتها وصلاحياتها المقررة بدستور الجمهورية الثانية.
وتختص المحكمة الدستورية بمراقبة دستورية القوانين والقرارات الكبرى، كتعديل الدستور أو حلّ البرلمان أو إعلان الحرب، أو تعطيل قرارات جمهورية.
وفي السياق، شدد عميد كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية، لطفي الشاذلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، على "ضرورة الإسراع في تنصيب المحكمة الدستورية، لأنها الجهة الوحيدة المختصة بتأويل الدستور"، مشيرا إلى "التجاذبات التي تعطل استكمال بناء المجلس الأعلى للقضاء، وتعطل بدورها مسار تنصيب المحكمة الدستورية".
وأضاف الشاذلي أن "هناك فراغا دستوريا يجب تجاوزه، فلا توجد هيئة مختصة بقبول الطعون في دستورية القوانين، بعد أن انتهت وظيفة الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بانتخاب المجلس الأعلى للقضاء، الذي مازال معطلا بسبب الشغور الحاصل في رئاسة هذه الهيئة الوقتية وفي عضويتها".
وبيّن المتحدث ذاته أن "هناك عدة أسئلة يطرحها السياسيون والرأي العام، وحدها المحكمة الدستورية قادرة على تأويلها والبتّ فيها، على غرار تعديل الدستور لجهة سحب الجنسية عن الإرهابيين التونسيين المتواجدين في بؤر القتال، ومسألة تعديل الدستور لإعطاء اختصاصات جديدة للسلطة التنفيذية".
ويرى مراقبون أن تواصل أزمة المحكمة الدستورية يترجم بوضوح "تفاقم أزمة السلطة القضائية من جهة، والاختلال في طبيعة نظام الحكم في تونس من جهة أخرى"، ويعود ذلك إلى الخضوع لمنطق الحسابات والموازنات السياسية في جميع القرارات التي عرفتها البلاد منذ اندلاع شرارة الثورة وتعززت خلال المجلس الوطني التأسيسي أول برلمان منتخب، الأمر الذي عمّق الارتباك بين مختلف السلطات، وجعل قيادة الدولة عاجزة عن حلّ القضايا الراهنة، وغير قادرة على إدارة الأزمات.