جدل كبير لا زال يحيط بعملية الحوار الوطني السوداني الذي أنهى أعماله في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وعلى الرغم من تشكيل الحكومة الجديدة بمشاركة كافة القوى التي انتظمت في الحوار ووقّعت على مخرجاته، إلا أن أصواتاً من داخل الحوار ارتفعت منتقدة له بعد أن كانت دافعت عنه بشكل مستميت.
الأمين السياسي السابق لحزب "المؤتمر الشعبي" وذراع الأمين العام الراحل للحزب حسن الترابي، وأحد أهم قادة لجنة السبعة الخاصة في الحوار، كمال عمر عبدالسلام، يُعدّ أحد تلك الأصوات التي وجّهت سهام الانتقاد للحوار ونعته، إذ ظل يؤكد انتفاء الحوار ودفنه مع الترابي عند وفاته قبل ما يزيد عن العام، معتبراً أن الضامن الوحيد للحوار كان الترابي، ومع وفاته ذهبت مخرجات الحوار أدراج الرياح.
يقول عبدالسلام في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الترابي كان الضامن بعقليته وفكره، وكان يدفع "المؤتمر الوطني" و"المؤتمر الشعبي" نحو التزام سياسي كان سيكسب منه السودان، معتبراً أن "ضعفاً حل في ظل القيادة الجديدة للحزب التي خلفت الترابي ولم تستطع أن تنهض بعده".
قبيل وفاته، كتب الترابي ورقة لرؤيته ورؤية حزبه للحريات العامة، وتمت الموافقة والتوقيع عليها ضمن مجريات الحوار الوطني، ودُفعت ضمن حزمة تعديلات دستورية أحدثت جدلاً كثيفاً، خصوصاً أن البرلمان عمل على تفريغ الورقة من مضمونها تماماً وقام بتعديلها بشكل جذري. وهو ما قاد لتحوّل كامل في مواقف كمال عمر عبدالسلام نحو الحوار، إذ يرى أن البرلمان ارتكب مجزرة بورقة الحريات والحوار عموماً وبطريقة استفزازية.
ويرى عبدالسلام أن مخرجات الحوار انتهت تماماً، كما ضاعت معالم ورقة الحريات التي خطّها الترابي بيده وبذل فيها جهداً، مضيفاً: "المؤتمر الوطني قضى على الحريات ولم ينتظرنا لندخل البرلمان ونقول كلمتنا، فهمّشنا وتركنا على قارعة الطريق وارتكب مجزرة في حق الحوار، باعتبار أن الحوار هو التعديلات الدستورية وما دون ذلك مجرد كلام".
يقول عبدالسلام إن ما يحركه "لقول الحقائق بشأن الحوار هي المسؤولية التاريخية"، موضحاً: "شاركتُ بقوة في الحوار وفي إقناع عدد من القوى المعارضة للانضمام إليه، وجلت في معظم ولايات البلاد للتبشير به والحديث عنه ووقّعت على وثائقه المختلفة باعتباري مندوب الحزب في لجنة الحريات، وأنا مسؤول أمام الله وأمام الترابي عن تنفيذ مخرجاته"، مشيراً إلى أنه وجّه ورقة رسمية للأمين العام الحالي لحزب "المؤتمر الشعبي"، علي الحاج، تتضمّن "الأسباب التي تؤكد أن الحوار انتهى، ولكن لم يعرني أحد اهتماماً أو يسمع مني".
يشرح عبدالسلام أنه كان يرى في الحوار "مشروعاً وطنياً ودستورياً، ودافعتُ عنه حتى أنني توجّهت لأصدقائي في المعارضة بشيء من الإساءة لمواقفهم السلبية تجاه الحوار، ولكن اكتشفت بعدها أن الحوار قد سُرق وأنه كان مسرحية سيئة الإخراج، لذلك أحسست بالغبن لتبخّر الأحلام بتحوّل السودان إلى دولة ديمقراطية ذات حريات وتحترم التنوع، لذلك لن أصمت وسأكشف سيئاته". ويضيف: "أعلم أن هناك من يرى أن السبب هو رغبتي في تقلّد منصب وزير العدل تتويجاً لجهودي في الحوار، ولكن ذلك غير صحيح".
ينظر عبدالسلام بنوع من الأسى والحزن لحال حزبه بعد وفاة الترابي، ويرى أنه أصبح مضطرباً، على الرغم من إظهاره حالة تماسك. ويعتقد أن حزبه تجاوز توجيهات الترابي، قائلاً: "الترابي أحس بأن أيامه قليلة فعمل جاهداً وأورد رؤى واضحة لما بعده وما بعد الحوار والمشاركة في السلطة، لكن تمت مخالفة ذلك منذ اختيار خليفته عبر تجاوز النظام الأساسي للحزب واختيار نائب الأمين العام إبراهيم السنوسي خليفة له، وحتى قرار مشاركة الحزب في الحكومة".
ويشير إلى أن "رؤية الترابي والتي صدر بشأنها قرار مكتوب من الأمانة العامة للحزب، هي عدم المشاركة في السلطة حتى لو نُفذت مخرجات الحوار بما فيها الحريات"، موضحاً أن الترابي استند في ذلك لسببين، الأول حتى لا تُفسر المشاركة على أنها جزء من مسرحية للوحدة الإسلامية، والثاني لأنها فترة انتقالية وبمطالب كبيرة فلا يتحمل الحزب نتائجها السلبية. ويعتبر أن "ما حدث انقلاب على القرار بسبب شهوة السلطة لدى القيادة"، مضيفاً: "حتى التصويت بشأن المشاركة الذي اتُخذ أخيراً كان ضعيفاً لأنه جاء بقرار من 30 في المائة فقط من قيادة الحزب، إذ إن عدداً كبيراً من القيادة غادر الاجتماع الخاص بالمشاركة والذي استمر لثماني ساعات وانتهى عند الساعة الرابعة صباحاً".
اقــرأ أيضاً
ويؤكد أنه كان الأقرب إلى الترابي وآخر شخص غادر منزله عشية وفاته، "وهو عاود الاتصال بي فور وصولي للمنزل وطلب مقابلتي مرة أخرى، واستمر لقاؤنا حتى الثانية صباح اليوم الذي توفي فيه، وكل ذلك بشأن قضايا الحريات وملف الحوار، كما اتصل بي الترابي مرة ثانية صباحاً قبل وفاته بساعات ليؤكد لي أنه خطّ بيده رؤيته حول ورقة الحريات"، مضيفاً: "لكن على الرغم من توقيع حزب المؤتمر الوطني على الورقة من قِبل نائب الرئيس، إلا أنه عاد وتراجع عنها".
وعن مشاركة حزبه في البرلمان والحكومة، يرى عبدالسلام أن هذه المشاركة صُورية ولن يستطيع معها فعل شيء، معتبراً أن حزبه شارك من دون برنامج وأن وزراءه حالياً ينفذون برنامج الحزب الحاكم، عازياً ذلك "لعدم تقديم الحزب برنامجاً واضحاً بسبب الضعف الفكري والسياسي". وينصح الأمين العام لحزبه علي الحاج بالانسحاب من الحكومة، معتبراً أنه "أمام الحاج الآن خيار واحد وهو أن يخرج من هذه المهزلة كي يعود الحزب إلى ألقه".
ويوجّه عبدالسلام انتقادات لاذعة لرئيس البرلمان إبراهيم أحمد عمر، واصفاً إياه بالمستبد، وبأنه "يتعامل مع النواب أثناء الجلسة كطلاب المدارس"، معتبراً أن عمر "يفتقر لفهم الحوار ومخرجاته كمعظم أعضاء المؤتمر الوطني، فضلاً عن إدارته للبرلمان بعقلية حزبه، وهو شخص غير مناسب للمرحلة"، مشدداً على ضرورة إجراء إعادة هيكلة للبرلمان، معلناً أنه يدرس كافة الخيارات بشأن استمراره ضمن عضوية البرلمان من عدمها.
ويرى أن حزبه بعد وفاة الترابي بات مضطرباً على الرغم مما يبدو عليه من تماسك، مشيراً إلى المبادرة التي أطلقها الحزب من دون أن تُقر من أجهزته المختصة أو تتم كتابتها والعمل على تسويقها بين القوى السياسية، متسائلاً كيف يطلق الحزب مبادرة للسلام وهو جزء من الحكومة ولا يشاورها فيها، معتبراً أن "إطلاقها يأتي في إطار العلاقات السياسية والدعاية الإعلامية، ووفق تلك المعطيات فإن نسب نجاحها ضعيفة جداً".
ويكشف عبدالسلام أن أعضاء الحزب متململون وهم يراقبون موقف الحزب، مرجّحاً في حال استمرار الوضع على ما هو عليه أن يقود إلى ثورة داخل الحزب تطيح بالقيادات التي حادت عن توجيهات الترابي واختيار قيادات جديدة، فـ"للمؤتمر الشعبي قواعد منتشرة في كل الولايات وهي لن تصبر على القيادة، التي عليها أن تُنقذ الحزب وتماسكه بقرار مفصلي من المشاركة أو تُواجه ثورة"، مشدداً على أن "الشعبي لن ينشق".
وعن الأنباء التي تحدثت عن تخوّف "المؤتمر الشعبي" من دفعه ثمن رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عن السودان، يكشف عبدالسلام أن لدى حزبه معلومات أن "ثمن رفع العقوبات الاقتصادية سيكون استهداف التوجّه الإسلامي في شخص المؤتمر الشعبي، كما لدينا معلومات بأن عدداً من الدول طلبت من النظام استبعاد الشعبي من الحكومة والحوار معاً".
اقــرأ أيضاً
الأمين السياسي السابق لحزب "المؤتمر الشعبي" وذراع الأمين العام الراحل للحزب حسن الترابي، وأحد أهم قادة لجنة السبعة الخاصة في الحوار، كمال عمر عبدالسلام، يُعدّ أحد تلك الأصوات التي وجّهت سهام الانتقاد للحوار ونعته، إذ ظل يؤكد انتفاء الحوار ودفنه مع الترابي عند وفاته قبل ما يزيد عن العام، معتبراً أن الضامن الوحيد للحوار كان الترابي، ومع وفاته ذهبت مخرجات الحوار أدراج الرياح.
قبيل وفاته، كتب الترابي ورقة لرؤيته ورؤية حزبه للحريات العامة، وتمت الموافقة والتوقيع عليها ضمن مجريات الحوار الوطني، ودُفعت ضمن حزمة تعديلات دستورية أحدثت جدلاً كثيفاً، خصوصاً أن البرلمان عمل على تفريغ الورقة من مضمونها تماماً وقام بتعديلها بشكل جذري. وهو ما قاد لتحوّل كامل في مواقف كمال عمر عبدالسلام نحو الحوار، إذ يرى أن البرلمان ارتكب مجزرة بورقة الحريات والحوار عموماً وبطريقة استفزازية.
ويرى عبدالسلام أن مخرجات الحوار انتهت تماماً، كما ضاعت معالم ورقة الحريات التي خطّها الترابي بيده وبذل فيها جهداً، مضيفاً: "المؤتمر الوطني قضى على الحريات ولم ينتظرنا لندخل البرلمان ونقول كلمتنا، فهمّشنا وتركنا على قارعة الطريق وارتكب مجزرة في حق الحوار، باعتبار أن الحوار هو التعديلات الدستورية وما دون ذلك مجرد كلام".
يقول عبدالسلام إن ما يحركه "لقول الحقائق بشأن الحوار هي المسؤولية التاريخية"، موضحاً: "شاركتُ بقوة في الحوار وفي إقناع عدد من القوى المعارضة للانضمام إليه، وجلت في معظم ولايات البلاد للتبشير به والحديث عنه ووقّعت على وثائقه المختلفة باعتباري مندوب الحزب في لجنة الحريات، وأنا مسؤول أمام الله وأمام الترابي عن تنفيذ مخرجاته"، مشيراً إلى أنه وجّه ورقة رسمية للأمين العام الحالي لحزب "المؤتمر الشعبي"، علي الحاج، تتضمّن "الأسباب التي تؤكد أن الحوار انتهى، ولكن لم يعرني أحد اهتماماً أو يسمع مني".
يشرح عبدالسلام أنه كان يرى في الحوار "مشروعاً وطنياً ودستورياً، ودافعتُ عنه حتى أنني توجّهت لأصدقائي في المعارضة بشيء من الإساءة لمواقفهم السلبية تجاه الحوار، ولكن اكتشفت بعدها أن الحوار قد سُرق وأنه كان مسرحية سيئة الإخراج، لذلك أحسست بالغبن لتبخّر الأحلام بتحوّل السودان إلى دولة ديمقراطية ذات حريات وتحترم التنوع، لذلك لن أصمت وسأكشف سيئاته". ويضيف: "أعلم أن هناك من يرى أن السبب هو رغبتي في تقلّد منصب وزير العدل تتويجاً لجهودي في الحوار، ولكن ذلك غير صحيح".
ينظر عبدالسلام بنوع من الأسى والحزن لحال حزبه بعد وفاة الترابي، ويرى أنه أصبح مضطرباً، على الرغم من إظهاره حالة تماسك. ويعتقد أن حزبه تجاوز توجيهات الترابي، قائلاً: "الترابي أحس بأن أيامه قليلة فعمل جاهداً وأورد رؤى واضحة لما بعده وما بعد الحوار والمشاركة في السلطة، لكن تمت مخالفة ذلك منذ اختيار خليفته عبر تجاوز النظام الأساسي للحزب واختيار نائب الأمين العام إبراهيم السنوسي خليفة له، وحتى قرار مشاركة الحزب في الحكومة".
ويشير إلى أن "رؤية الترابي والتي صدر بشأنها قرار مكتوب من الأمانة العامة للحزب، هي عدم المشاركة في السلطة حتى لو نُفذت مخرجات الحوار بما فيها الحريات"، موضحاً أن الترابي استند في ذلك لسببين، الأول حتى لا تُفسر المشاركة على أنها جزء من مسرحية للوحدة الإسلامية، والثاني لأنها فترة انتقالية وبمطالب كبيرة فلا يتحمل الحزب نتائجها السلبية. ويعتبر أن "ما حدث انقلاب على القرار بسبب شهوة السلطة لدى القيادة"، مضيفاً: "حتى التصويت بشأن المشاركة الذي اتُخذ أخيراً كان ضعيفاً لأنه جاء بقرار من 30 في المائة فقط من قيادة الحزب، إذ إن عدداً كبيراً من القيادة غادر الاجتماع الخاص بالمشاركة والذي استمر لثماني ساعات وانتهى عند الساعة الرابعة صباحاً".
ويؤكد أنه كان الأقرب إلى الترابي وآخر شخص غادر منزله عشية وفاته، "وهو عاود الاتصال بي فور وصولي للمنزل وطلب مقابلتي مرة أخرى، واستمر لقاؤنا حتى الثانية صباح اليوم الذي توفي فيه، وكل ذلك بشأن قضايا الحريات وملف الحوار، كما اتصل بي الترابي مرة ثانية صباحاً قبل وفاته بساعات ليؤكد لي أنه خطّ بيده رؤيته حول ورقة الحريات"، مضيفاً: "لكن على الرغم من توقيع حزب المؤتمر الوطني على الورقة من قِبل نائب الرئيس، إلا أنه عاد وتراجع عنها".
وعن مشاركة حزبه في البرلمان والحكومة، يرى عبدالسلام أن هذه المشاركة صُورية ولن يستطيع معها فعل شيء، معتبراً أن حزبه شارك من دون برنامج وأن وزراءه حالياً ينفذون برنامج الحزب الحاكم، عازياً ذلك "لعدم تقديم الحزب برنامجاً واضحاً بسبب الضعف الفكري والسياسي". وينصح الأمين العام لحزبه علي الحاج بالانسحاب من الحكومة، معتبراً أنه "أمام الحاج الآن خيار واحد وهو أن يخرج من هذه المهزلة كي يعود الحزب إلى ألقه".
ويوجّه عبدالسلام انتقادات لاذعة لرئيس البرلمان إبراهيم أحمد عمر، واصفاً إياه بالمستبد، وبأنه "يتعامل مع النواب أثناء الجلسة كطلاب المدارس"، معتبراً أن عمر "يفتقر لفهم الحوار ومخرجاته كمعظم أعضاء المؤتمر الوطني، فضلاً عن إدارته للبرلمان بعقلية حزبه، وهو شخص غير مناسب للمرحلة"، مشدداً على ضرورة إجراء إعادة هيكلة للبرلمان، معلناً أنه يدرس كافة الخيارات بشأن استمراره ضمن عضوية البرلمان من عدمها.
ويرى أن حزبه بعد وفاة الترابي بات مضطرباً على الرغم مما يبدو عليه من تماسك، مشيراً إلى المبادرة التي أطلقها الحزب من دون أن تُقر من أجهزته المختصة أو تتم كتابتها والعمل على تسويقها بين القوى السياسية، متسائلاً كيف يطلق الحزب مبادرة للسلام وهو جزء من الحكومة ولا يشاورها فيها، معتبراً أن "إطلاقها يأتي في إطار العلاقات السياسية والدعاية الإعلامية، ووفق تلك المعطيات فإن نسب نجاحها ضعيفة جداً".
وعن الأنباء التي تحدثت عن تخوّف "المؤتمر الشعبي" من دفعه ثمن رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عن السودان، يكشف عبدالسلام أن لدى حزبه معلومات أن "ثمن رفع العقوبات الاقتصادية سيكون استهداف التوجّه الإسلامي في شخص المؤتمر الشعبي، كما لدينا معلومات بأن عدداً من الدول طلبت من النظام استبعاد الشعبي من الحكومة والحوار معاً".