وآخر التهديدات تولى وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان، عضو المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، تردادها بقوله، أمس الخميس، إن "إسرائيل تسير بخطى كبيرة نحو شن حملة عسكرية في قطاع غزة"، مهدداً بأن "العملية ستهدف إلى جباية ثمن من حركة حماس على غرار ما قامت به إسرائيل خلال حرب 2014".
وما زاد حدة الحديث عن حربٍ متوقعة، إعلان كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، أخيراً، حالة الاستنفار للدرجة القصوى في صفوفها كما لدى جميع فصائل المقاومة، بعد استشهاد ثلاثة من مقاتليها بقصف إسرائيلي على نقطة رصد شرقي مدينة غزة، يوم الأربعاء، بعد ادّعاء الاحتلال إصابة جندي إسرائيلي قنصاً على حدود غزة.
وسبق ذلك، مسلسل قصف إسرائيلي لمناطق عدة في غزة على مدار الأيام الماضية، تبعه ردٌ من فصائل المقاومة بقصف المستوطنات. وهو ما شكل تهديداً صريحاً بإمكانية نشوب حرب رابعة في وقت قريب في ظل التوتر الحالي.
كما تزامن ذلك مع تحذيرات عدة أطلقها منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ميلادينوف، من انفجار الأوضاع في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، خلال زيارته للقطاع في منتصف يوليو/ تموز الحالي، محذراً من أنه "كنا على وشك مواجهة جديدة، ونبعد خطوة واحدة عن حرب كبرى". وفي خطوة غير مقررة سابقاً، زار غزة، أمس، وسط ترجيح ارتباطها بمساعيه لخفض مستوى التوتر القائم ومنع انزلاق الأوضاع إلى حرب رابعة.
غير أن هذا المشهد بات مألوفاً للفلسطينيين في غزة، الذين عاشوا ثلاث حروب إسرائيلية أعوام 2008 و2012 و2014، والتي دمرت القطاع وأنهكت الأوضاع المعيشية والاقتصادية ولا يزال سكانه يعيشون ويلات هذه الحروب حتى اللحظة، من دون أن يلمسوا أي تغيير إيجابي يرقى إلى مستوى التضحيات التي خاضوها.
ووصل القطاع إلى حالة انهيار كارثي مع تشديد الحصار الإسرائيلي المطبق منذ 12 عاماً، والإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية ضد غزة منذ أكثر من عامٍ. وبات الفلسطينيون لا يخشون ما هو أسوأ، إذا فرض الاحتلال عدواناً جديداً ضدهم، وهو ما يترجم الحركة الاعتيادية في الشارع الغزّي رغم الأوضاع الساخنة الأخيرة.
ففي الأسواق والمراكز والجامعات والشوارع يمكن بكل سهولة تلمس حركة نشطة من الفلسطينيين رغم كل أخبار التصعيد وأحاديث الحرب، حتى التعاطي مع أصوات القصف وأزيز الطائرات بات في خانة "اللامبالاة" لديهم، فالمقبل ليس أسوأ من الحاضر، خصوصاً أن الأزمات تعصف على مدار 12 عاماً من الحصار.
البطالة، والفقر، وانقطاع الكهرباء، وتلوث المياه، وانعدام الأمن الغذائي، والمعابر المغلقة، والقطاع الصحي المنهك، جميعها أزمات في مسلسل واحد يتابعه الغزّيون على مدار السنوات الماضية من دون حلحلة، والسوء وصل أخيراً إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي باتت تُنهي بعض خدماتها في غزة وتنهي عقود عددٍ من موظفيها. وجاءت تقليصات "أونروا" كي تضع الفلسطينيين في نقطة ما تحت الصفر في ظل تشديد الاحتلال الإسرائيلي حصاره عبر إغلاق معبر كرم أبو سالم، المنفذ التجاري الوحيد لغزة، وتقليص مساحة الصيد أمام صيادي غزة، ليكون الحصار من البحر كما البر؟
وعلى الرغم من كل ذلك، لا يجري الحديث دولياً إلا عن معالجة أوضاع قطاع غزة إنسانياً، وهي مسألة وإن كان يعتريها الغموض أو الرفض الفلسطيني، فلا زالت غزة أبعد من أن ترى ذلك، في ظل غياب أي تنفيذ واقعي على الأرض لإنقاذ أكثر من مليوني مواطن يعيشون في القطاع، وهو ما يبرر وصول الفلسطينيين إلى حالة من التعاطي مع أوضاعهم بلا اكتراث، فلا شيء مفهوماً لديهم بعد.