وافق الفاعلون الرئيسيون في الأزمة الليبية، الحاضرون في مؤتمر باريس، اليوم الثلاثاء، على مسوّدة اتفاق في باريس، تتضمن بندًا رئيسا، وهو إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2018، وهو ما يمثّل أفق حلّ جديد للأزمة التي تعصف بليبيا منذ سنوات.
وضمّت قائمة الحاضرين كلًّا من فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية، والجنرال المتقاعد خليفة حفتر، إضافة إلى عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، وخالد المشري، رئيس مجلس الدولة الليبي.
وتضمّن اتفاق الأطراف الليبية ثماني نقاط حول برنامج وشروط إجراء انتخابات حرة في ليبيا مقررة في نهاية سنة 2018، وهي ثمرة مجهودات بذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة، غسان سلامة، في ليبيا، بتنسيق مع رئيس الحكومة فائز السراج.
ويشدد نصّ الاتفاق على وجوب انخراط الأطراف الليبية في ضمان سلامة المسار الانتخابي، تحت طائلة فرض عقوبات دولية، في حال إعاقة هذا المسار.
وتشدد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على أن الانتخابات هي الحل الوحيد الممكن للخروج من الأزمة الليبية المستدامة.
ويقدّم النص دعمه لبعض المبادرات، ومن بينها الحوار الذي جرى في القاهرة، من أجل توحيد الجيش الليبي. كما أنه يدعم توحيد كل مؤسسات الدولة، بما فيها البنك المركزي.
كما أنه، وباقتراح من الحكومة الفرنسية، ستحصل حكومة الوحدة الوطنية على الدعم حتى تشرف على إجراء انتخابات عامة في البلد.
ومن أجل تعزيز المشاركة الشعبية في الاستحقاق الانتخابي، ينص الاتفاق على إعادة فتح مكاتب التسجيل في القوائم الانتخابية، خلال فترة إضافية تصل إلى ستين يوما. وتجدر الإشارة إلى أنه، إلى حد الآن، تمّ تسجيل نحو 2.7 مليون في القوائم الانتخابية.
وفي ما يخص الاستفتاء على الدستور الليبي الجديد، فقد تقرر إجراؤه بعد الانتخابات المزمع إجراؤها، وهو ما يفرض على الأطراف الحاضرة الاعتراف بالدستور الحالي.
وحتى يتم تنفيذ اتفاق باريس، يوم 29 مايو/أيار، فمن المقرر عقد اجتماع جديد بعد ثلاثة أشهر.
ويأتي لقاء باريس في ظل حضور دبلوماسي دولي وازن، إذ يحضر عشرون بلدًا ومؤسسة، ومن بينها بريطانيا والصين وروسيا والولايات المتحدة، التي مثّلها سفراؤها، في حين أن البلدان الأفريقية بعثت بممثلين رفيعين، كرؤساء تشاد والنيجر والكونغو وتونس، ورئيس الحكومة الجزائري، ووزير خارجية المغرب، ومستشار الرئيس المصري في الملفات الاستراتيجية.
وعلى الرغم من التفاؤل الفرنسي، الذي كرره الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي استطاع للمرة الثانية، أن يجمع بين زعماء الحرب في ليبيا، إلا أنّ الوضع الحقيقي في ليبيا لا يزال مقلقًا للمجموعة الدولية.
وهنا تنقل إذاعة "إر إي في" تصريحات للباحث الفرنسي المتخصص في الشؤون الليبية والدبلوماسي السابق في طرابلس، باتريك حاييم زاده، يرى فيها أن "لقاء باريس منقطعٌ عن الواقع الليبي، وأنه لقاء يجمع بين سياسيين، مثل حفتر والسراج، فَقَدَا كلّ مصداقية في الداخل الليبي". ويرى أنه "يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن القسم الأكبر من الرأي العام الليبي، الآن، فاقد للبوصلة، بشكل كامل، بسبب كل هذه المبادرات. والناس لا يفقهون شيئًا، والفكرة السائدة هي أنّه توجد قوى خارجية تتدخل في الشؤون الليبية، وأن كلَّ هذه اللقاءات في الخارج يشارك فيها أناسٌ فقدوا الشرعية، كما أنهم فاقدون للمصداقية لدى قسم كبير من الليبيين".
والشيء الآخر الذي يقلل من أهمية اتفاق باريس، رغم فتحه كوّة أمل، هو تأكيد صحافي راديو فرنسا الدولية، جان-جاك لْوَارن، على أنّ "هذه المبادرة الفرنسية ومسار الأمم المتحدة في ليبيا لا يتكاملان"، بل ويضيف، مرتكزًا على العديد من المراقبين، بأن فرنسا "تشوّش على محاولات الخروج من الأزمة، من خلال تنظيم لقاءات بين حتفر والسراج، في الوقت الذي تغيّب فيه الفاعلون الليبيون الأساسيون، وأيضًا المجموعات المسلحة التي رفضت هذا اللقاء قبل انعقاده، ومن دون مشاركة هذه المليشيات لا سلام ولا استقرار ولا انتخابات".
ويعود الباحث حاييم زادة للتأكيد على أنه "من دون مشاركة مجموعات مسلحة ومسؤولي بلديات، وأيضًا زعماء القبائل في بعض المناطق، كما هو الشأن في الجنوب، فالفشل سيكون مصير الاتفاق، كما فشل طيلة 7 سنوات في ليبيا"، وعبّر عن القلق من أن "يكون لقاء باريس مجرد بهرجة دبلوماسية".
وأكد الباحث الفرنسي على أنه يجب إفساح المجال أمام مبادرة غسان سلامة والسماح له بالوصول حتى نهاية حركته، من دون تدخل أجنبي، ومن دون إطلاق هذا البلد أو ذاك لأي مبادرة. وهذه المبادرات لا تسهّل عمل الأمم المتحدة، الذي يجب أن يظلّ فاعلًا رئيسيًّا في ليبيا.
ورغم كل شيء، يبقى هذا الاتفاق بين الفاعلين الليبيين بخصوص تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية، رهيناً بموافقة الأطراف الليبية الأخرى، ومن بينها جماعات مسلحة عديدة، والتي لم تقتنع بهذا اللقاء، ولم تكلف نفسها عناء الانتقال إلى باريس، وهي الطرف الرئيس الذي يستطيع التأثير على الأرض.