في ختام جمعة الغضب الأردنية من أجل القدس المحتلة، المتوقع تكرارها، حيا الملك عبد الله الثاني تحرك مواطنيه، مغرداً على صفحته على موقع "تويتر" بأن "الأردنيين على الدوام نبض هذه الأمة، وما أظهروه من مشاعر جياشة تجاه القدس، قضيتنا الأولى، بتلاحم وتآخٍ لا مثيل لهما، يعكس مقدار شموخ شعبنا ورقيه، وهو مصدر فخر لي ولكل عربي". وعلى نحو غير مسبوق تذوّق الملك مرارة "الخديعة المتوقعة"، وهو الذي سجل رقماً قياسياً في عدد الزيارات الرسمية والخاصة وغير المعلنة للولايات المتحدة منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً، "ناضل" خلالها لثني ترامب "المندفع" عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
تعني القدس للملك، صاحب الولاية على المقدسات الإسلامية فيها، الذي تتأثر مملكته بشكل مباشر بمستقبل القضية الفلسطينية، ما لا تعنيه لغالبية الزعماء العرب، وهي تعني للأردنيين على اختلاف أصولهم، لاعتبارات تاريخية وسياسية وجغرافية وديمغرافية، ما لا تعنيه لغيرهم من الشعوب العربية، لذلك يكون للتعامل الأردني مع الاعتراف الأميركي خصوصية عن تعامل الآخرين.
وغابت عن التظاهرات الانقسامات والمماحكات السياسية التي عكرت صفو الاحتجاجات الشعبية خلال السنوات الأخيرة، وبدت المعارضة إسلامية ويسارية وقومية منصهرة في هدف واحد، حتى المعارضون والموالون انخرطوا بتحرك موحد من دون أن تثير الهتافات المتنوعة والمواقف المتباينة تجاه السياسية الرسمية حساسية تترجم خلافات على الأرض. والمؤكد أن الغالبية الساحقة من الأردنيين نزلوا إلى الشارع بدافع ذاتي، من دون أن تكون الدعوات الرسمية وحتى الحزبية والنقابية محدداً لحركتهم، لكن ذلك لم يمنع أن من بين المتظاهرين من نزل إلى الشارع إرضاءً للسياسة الرسمية الساخطة حالياً على الإدارة الأميركية، ومنهم من نزل إرضاءً للقصر الملكي، وانتصاراً لـ "الملك الغاضب".
عاجلاً أم آجلاً، ستصبح الاحتجاجات، خاصة تلك المتركزة في محيط السفارة الأميركية في عمّان، عبئاً على الأردن الرسمي، خصوصاً في حال نجاحه في استثمارها لانتزاع قرار سياسي/ تسوية يعتبرها مرضية، لتصبح وقتها الرهانات على المواصلة أصعب، وأصعب منها حدوث انعطافة حقيقية باتجاه حلفاء جدد.