أصبح الأخير مضرب مثل، إلا أنّ الطاقم السياسي اللبناني ليس بعيداً عنه كثيراً لجهة القمع السياسي وخنق الحريات وتسجيل التجاوزات بحق القانون وعلى حساب المواطنين. الفرق البسيط بين الطرفين: نظام الأسد يقول لضحاياه إنه يقتلهم ويعذبهم، أما الثاني فلا يعترف بأي خطأٍ ولا تنفع معه الاتهامات ولا الوقائع.
كل ذلك تحت غطاء ديمقراطي لكن بمفعول معارض يوازي الصفر. بإمكان الناس أن تصرخ بوجههم وتظهر تجاوزاتهم وتبيّن عمليات النصب المالي والسياسي، لكن صدى الإعلام يأكل صوتهم حيناً والحجج الميثاقية حيناً آخر. وفي جديد تلك الحجج، "الأمن"، أي نفس الخطاب الرسمي لأنظمة القمع العسكري العربي. أي أن النظام اللبناني والمسؤولين فيه وعنه، يتخطون حدّ الجرأة إلى الوقاحة في عملية مصادرة السلطة، وفي الوقت عينه يحافظ جميع من في البلد على عبارة "لبنان، بلد الديمقراطية الأول في المنطقة".
كان يكفي لكل النواب الآسفين للتصويت لصالح التمديد (31 نائباً صرحوا بعد جلسة التمديد)، أن يغيبوا عن الجلسة، في حال لا يستطيعون التصويت ضد قرار قياداتهم. أو بإمكان هؤلاء تقديم استقالاتهم، ليكونوا منسجمين أكثر مع ذواتهم. الأمر الذي ينطبق بشكل كامل على النواب الرافضين للتمديد الذين قاطعوا الجلسة، أي تكتل التغيير والإصلاح وكتلة حزب الكتائب. لكن على ما يبدو قرّر نواب عون السير في الشكوى الشكلية للطعن بالتمديد أمام المجلس الدستوري. في حين يحصد الكتائبيون النقاط الإعلامية والشعبية على حساب حلفائها في القوات اللبنانية (صوّتوا مع التمديد)، من خلال معايرتهم واتهامهم بتعطيل سير القانون.
تمّ التمديد الأسبوع الماضي لمجلس اجتمع طوال العامين الماضيين ست مرات فقط. طوال عام 2013، التأمت الهيئة العامة في المجلس النيابي مرتين فقط، الأولى في أبريل/نيسان لتعليق المهل في قانون الانتخابات النيابية، والثانية في مايو/أيار لإقرار قانون معجل مكرر للتمديد لأنفسهم حتى نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
أما هذا العام، فانعقد المجلس أربع مرات أعاد خلالها تعليق المهل وإصدار قانون التمديد، وأصدروا عدداً قليلاً من القوانين، وكان لافتاً أن موقع مجلس النواب لم يُدرج هذه القوانين بعد. وهذا يعني أنّ التمديد تمّ لنواب شرّعوا ما يُقارب "لا شيء" من القوانين طوال العامين الماضيين: قانون العنف الأسري وقوانين أخرى.
وفي الحساب المالي لهذه العملية، يبلغ الراتب الشهري لكل نائب في البرلمان هو 12 مليونا و750 ألف ليرة لبنانية (8500 دولار أميركي)، ما يوازي سنوياً 153 مليون ليرة لبنانية (102 ألف دولار أميركي). أي أنّ كلفة المجلس النيابي من الرواتب سنوياً (127 نائباً لأن هناك نائب متوفٍ) 12 مليونا و954 ألف دولار أميركي. يُضاف إليها الراتب السنوي لرئيس المجلس، قيمته 212 مليونا و844 ألف ليرة، أي 141 ألف دولار أميركي، فتُصبح الكلفة السنوية للمجلس النيابي: 13 مليونا و95 ألف دولار أميركي سنوياً، وهو ما يكفي لإحداث تغيير اقتصادي جدي في منطقة مثل التبانة في طرابلس شمالي لبنان. وكل هذه الملايين يدفعها اللبنانيون لنواب يجتمعون بمعدل ثلاث مرات في العام، دون تشريع ولا رقابة ولا أي عمل يساهم في تحسين واقع العيش في لبنان.
طال التمديد الجميع، منهم عقاب صقر، المتغيّب عن لبنان منذ منتصف عام 2012. عمل صقر نائباً في البرلمان ممثلاً دائرة زحلة (شرقي لبنان) بين أعوام 2009 و2012، ثم اختفى بين تركيا وبلجيكا بحجة مساعدة الثورة السورية. لكنّ زملاءه لم ينسوه، فمددوا له أيضاً. وتماماً هي حال كل من الرئيس سعد الحريري الذي غادر البلد عام 2011 بعد إسقاط حكومته (زار لبنان لأيام قليلة هذا العام)، وأيضاً النواب نضال طعمة وعصام صوايا وغيرهم الذين يمضون أغلب وقتهم في الخارج.
أراد بعض من في المجلس الممدد لنفسه أنّ يعبّروا عن تعاطفهم مع اللبنانيين ورفس المائة ألف دولار التي يتقاضونها سنوياً. فتبرّع النائب سامي الجميل براتبه لمساعدة الجيش، في حين منح النائب روبير فاضل مرتبه لفقراء طرابلس. الأول "شيخ ابن شيخ" ورئيس سابق للجمهورية، والثاني صاحب أكبر المجمعات التجارية في البلد. يرفسان النعمة الصغيرة الخارجة من أموال المجلس، كأن سائر مصادرهم المالية الشخصية لم تصنعها مراكزهم في الدولة والسلطة
.
قيصر صور
يغيب عضو كتلة التنمية والتحرير، النائب عبد المجيد صالح، عن الساحة الإعلامية والسياسية منذ زمن على الرغم من دخوله الندوة البرلمانية منذ 2005. نجح في دورتين متتاليتين ليمدّد له كما سائر زملائه حتى 2017. وعلى ما يبدو يمضي صالح أغلب وقته في مدينة صور (جنوبي لبنان)، في منزله المشرف على الملعب الروماني الأثري، مع العلم أنّ النائب متّهم بالاعتداء على أملاك هذا الحرم وبالبناء غير الشرعي على مساحة أثرية وسياحية.
نائب الشتم
رياض رحال، عضو كتلة المستقبل، هو صاحب التعبير المسيء بحق الحراك المدني المعارض للتمديد النيابي، ولن تفلح حصانته النيابية في حمايته من دعوى قضائية بجرم القدح والذم لإقدامه على إهانة اللبنانيين وموقعه في المجلس النيابي في آن. لذا يواظب رحال من مكتبه في مستشفى "رحال إخوان" (شمالي لبنان)، على الاتصال بمجموعة من الناشطين والمحامين لثنيهم عن متابعة الدعوى. أما كتلة المستقبل فلم تحرك ساكناً ولم توجه أي إدانة لنائبها.
مملكة الصمت
تعيش النائب جيلبيرت زوين (تكتل الإصلاح والتغيير) في مملكة الصمت، ويعود التصريح الأخير لها إلى 17 مارس/آذار الماضي على الرغم من الصخب السياسي والأمني المستمر منذ أعوام. أما آخر إطلالاتها الإعلامية فكانت في سبتمبر/أيلول 2013. تعترف بأنها تحب لقب "سيّدة المجتمع" فكان لا بد أن تدخل البرلمان لإضافة لقب النيابة إلى سجلها البكوي. ويعزو بعض العارفين استمراها في هذا المنصب بمصالح مالية تجمع زوين بمسؤولين بارزين في التكتل.
ملء الفراغ
بلال فرحات، عضو كتلة حزب الله، هو النائب الأهدأ في البرلمان. يعود التصريح الأخير لفرحات إلى 2 يناير/كانون الثاني الماضي، عقب تفجير وقع في ضاحية بيروت الجنوبية. الرجل الآتي من مسيرة ناجحة في مجال الطب، يكتفي فقط في ملء الفراغ المطلوب منه من قيادة حزب الله. فدخل فرحات الندوة البرلمانية بعد خلاف بين حليفي الحزب، الرئيس نبيه بري والنائب ميشال عون، على المقعد الشيعي في قضاء بعبدا، وحسم الحزب الخلاف باسم فرحات.
وصية الكنيسة
يستمرّ المحامي فؤاد السعد في الحياة السياسية منذ 1991، نائباً عن قضاء عاليه. تبدّلت الأهواء والظروف السياسية لدى رئيس كتلة اللقاء الديمقراطي، وليد جنبلاط، لكن السعد ثابت على لوائحه على الرغم من كونه لا يحمل إلا تاريخ جدّه، حبيب باشا السعد (رئيس سابق للجمهورية). ومن يعرف جنبلاط جيداً يقول إنّ "البيك يحافظ على وصية الكنيسة المارونية وتحديداً البطريرك بطرس صفير"، فيمدّد اللقب النيابي للسعد عند كل دورة انتخابية.
نشاط إلكتروني
أطلق عضو كتلة القوات اللبنانية، النائب جوزف المعلوف، موقعاً إلكترونياً يحمل اسمه، وعدا ذلك لم يقدم شيئاً للقوات ولا لأبناء زحلة (شرقي لبنان). وبحسب الموقع، يعود التصريح الأخير له إلى 23 أبريل/نيسان الماضي وما قبله إلى 3 ديسمبر/كانون الأول 2013. كما يتضمن أيضاً زاوية باسم "فرص عمل"، فيها إصدارات الجريدة الرسمية وإعلانات مباريات الدخول إلى وظائف القطاع العام. والأهم يتصدر اسم المعلوف لائحة النواب المتغّيبين بعذر عن جلسات البرلمان.
تمثيل عن بعد
لم يتفقد عضو كتلة الكتائب، النائب سامر سعادة، مدينة طرابلس (شمالي لبنان) التي يمثلها في البرلمان إلا ثلاث أو أربع مرات، على الرغم من الأوضاع الرديئة في المدينة على المستويات كافة. انضم سعادة إلى لائحة التضامن الطرابلسي في انتخابات 2009، لكنه لم يلتق بزملائه من حينها. وكانت الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى طرابلس في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2013، مع العلم أنّ سلفه النائب السابق إلياس عطا الله لم يزر المدينة قط.
لعب على الحبلين
يحاول ممثل "الجماعة الإسلامية" في البرلمان، النائب عماد الحوت، اللعب قدر المستطاع بين حبال فريقي 8 و14 آذار. حضر الحوت جلسات تكتل "لبنان أولاً"، المحسوب على تيار المستقبل، وفي الوقت عينه منح حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (حكومة حزب الله) الثقة. لكن الأهم يبقى في تغيّب النائب عن حضور جلسات لجنة الدفاع النيابية خلال مناقشتها أحداث عبرا (2013)، على الرغم من إمساكه بتفاصيل وأحداث كثيرة تدين أطرافا لبنانية بالتدخل في المعركة.
فشل نيابي وسياسي
انتقل النائب عن قضاء الشوف دوري شمعون، نجل الرئيس الراحل كميل شمعون، من رئاسة بلدية دير القمر إلى مجلس النواب على حصان تحالف قوى 14 آذار والنائب وليد جنبلاط. لم يتميّز شمعون عن غيره من النواب المستقلين في هذا الفريق، فظلّ يخضع للتبعية إلى رئيس تيار المستقبل سعد الحريري. وإذا كان النائب شمعون غائباً كلياً عن النشاط النيابي، فيسجّل له أيضاً فشله على مستوى قيادة حزب الوطنيين الأحرار على المستوى التنظيمي والتمثيلي.
صحافة ضائعة
تتذمر النائبة نائلة تويني (ابنة الشهيد جبران تويني) من كون العمل النيابي كبّل حريتها الصحافية (المديرة العامة لصحيفة النهار اللبنانية)، ولو أنها لم تبد أي حركة على المستوى النيابي طوال السنوات الخمس الماضية. واقتصر حضورها في المجلس بالدخول والخروج إليه برفقة جدها النائب ميشال المرّ، واكتفت برفع يدها تصويتاً دون أن يكون لها أي نقد أو عمل أو تشريع. ورغم تذمرها، قدمت تويني ترشيحها للانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها.