للعام الثاني على التوالي، تحل ذكرى نكبة فلسطين على اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وهم في وضع كارثي، فرحلة العذاب التي بدأت قبل 66 عاماً، لا تزال متواصلة نتيجة استمرار الحرب السورية التي لا تلوح في الأفق نهاية لها.
وعلى الرغم من إدراك اللاجئين الفلسطينيين في سورية، منذ بداية الثورة السورية لمخاطر الاصطفاف إلى جانب أي من أطرف الصراع، ومحاولاتهم الحثيثة للوقوف على حيادٍ يجنبهم أهوال تغريبة جديدة، إلا أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل.
في السنة الأولى من المأساة السورية، نجح اللاجئون الفلسطينيون، في جميع المدن، في تجنب كارثة يدركون سلفاً نتائجها التي ستلحق بهم، رغم محاولات استخدامهم من قبل النظام عبر تنظيم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القيادة العامة"، كما حدث في ذكرى النكسة يوم 4 يونيو/حزيران والنكبة 15 مايو/أيار 2011، حين زجّ بالفلسطينيين لاجتياز الحدود عبر الجولان المحتل، ما أسفر عن مقتل واصابة العشرات منهم برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ومع دخول النصف الأول من السنة الثانية للصراع، بدأت المخيمات الفلسطينية في سورية تشهد أولى بوادر دخول الاشتباكات إلى أراضيها، بعدما كانت ملجأ آمناً للنازحين السوريين، ودُفع بالفلسطيني السوري من جميع الأطراف السورية ليكون وقوداً في نيران صراع مفتوح على المجهول.
ومنذ ذلك الحين، عاش أهالي المخيمات الفلسطينية في سورية، البالغ عددها 13 مخيماً تعترف الأمم المتحدة بـ 10 منها، تغريبة جديدة، لم تقتصر على البلدان المجاورة لسورية، وإنما امتدت لتصل إلى أصقاع المستديرة في السويد والدنمارك وألمانيا وماليزيا.
وبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في سورية قبل الأزمة، نحو 600 ألف فلسطيني، توزعوا في مخيمات اليرموك، وسبينة، وخان دنون، وخان الشيح، وجرمانا في ريف دمشق، والنيرب، وحندرات في حلب، والنازحين، والطورائ في درعا، والرمل في اللاذقية، والعائدين في حمص وحماة، وغيرها.
ومنذ شهر يوليو/تموز 2012 حتى عام 2013، أجبرت الحرب السورية أكثر من 100 ألف فلسطيني على الهجرة خارج البلاد، باتجاه لبنان ومصر وتركيا، وبلدان اسكندنافية فضّل الفلسطينيون اللجوء إليها بما تحمله رحلة اللجوء من مخاطر حقيقة في عرض البحار، هرباً من جحيم الموت مخلفين وراءهم كل ما يملكون.
وجاءت سلسلة المضايقات التي تعرض لها الفلسطيني ــ السوري في عدد من البلدان العربية، لتضفي صورة مأساوية لنكبة متجددة، فلم يعد الفلسطيني السوري مرحباً به في أي من البلدان الخليجية ودول شمال أفريقيا، باستثناء مصر. لكن الأسوأ أن الفلسطيني السوري لم يعد بمقدوره اجتياز الحدود براً إلى أي من دول الجوار، إذ إنه غير مرحب به في تركيا والعراق والأردن، وأخيراً لبنان، الذي فرض قبل أيام تعليمات صارمة تحدد آليات دخول الفلسطيني إلى أراضيه، علماً أنه يستضيف نحو 52 ألف فلسطيني سوري.
أما بالنسبة لمن بقي داخل سورية، فتقول الأمم المتحدة إن تعدادهم يناهز 400 ألف، وقد أُجبر70 في المئة منهم على النزوح إلى أماكن أكثر أمناً.
وكان مخيم اليرموك، الذي بلغ عدد سكانه قبل الثورة، 320 ألفاً، 152 ألف منهم لاجئ فلسطيني، و170 ألفاً من السوريين، الواجهة الرئيسية لجميع ما حل بالمخيمات الفلسطينية، نظراً لما تعرض له من مآسٍ لا زالت متواصلة حتى اليوم.
وعلى الرغم من مئات الصواريخ وقذائف الهاون، وحروب الشوارع المتواصلة في أزقة ومداخل مخيم اليرموك، إلا أن المخيم لا يزال يحتضن حتى الآن 20 ألف فلسطيني، يرفضون الخروج ويطالبون بحل لمأساتهم وتحييد المخيم عن الحرب الدائرة.
وقد شكل الموت جوعاً في مخيم اليرموك، نتيجة سنتين من الحصار المتواصل، والذي فتك بحياة أكثر من 140 فلسطينياً، أبشع صور المآسي التي شهدتها الحرب السورية.
ولا يزال خطر الموت جوعاً يهدد حياة الآلاف من أهالي المخيم بعدما فشلت جميع المبادرات للتوصل إلى هدنة، يخرج بموجبها مسلحو المعارضة من الفلسطينيين والسوريين إلى خارج المخيم، وينهي النظام والفصائل الفلسطينية المتحالفة معه الحصار المفروض على اليرموك.
وجاءت تصريحات الأمين العام لـ"جبهة النضال الشعبي" الفلسطيني، خالد عبد المجيد، قبل أيام، لتؤكد الفشل الذريع في حل الأزمة، بعدما كشف أن "قضية المخيم باتت بعهدة الدولة السورية بعد رفض المجموعات المسلحة داخل المخيم مساعي الفصائل الفلسطينية لإنهاء الأزمة".
وأثارت تصريحات عبد المجيد، مخاوف عديدة من تعرض المخيم لهجوم عسكري ضمن عملية واسعة النطاق تشمل المناطق المحيطة به، مثل حي القدم والعسالي والتضامن والحجر الأسود من قبل الجيش السوري والإجهاز على ما تبقى من المخيم.
وما يعزز المخاوف من عمل عسكري محتمل قريباً، ردّ عبد المجيد على سؤال بأن الحكومة السورية تحشد قواتها لإجراء عملية عسكرية في مناطق جنوبي دمشق، والتي لم توافق على "المصالحة الوطنية"، إذ لم ينفِ الرجل احتمال حدوث الهجوم أو وقوعه، موضحاً أن "الجهات السورية المختصة مصممة على معالجة الوضع في جميع المناطق، سواء في دمشق أو ريفها قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في الثالث من يونيو/حزيران المقبل".
وأضاف عبد المجيد أن "المناطق التي يقبل فيها المسلحون بالمصالحة ستتم المصالحة فيها، والمناطق التي لا يقبل المسلحون فيها بالمصالحة حتماً ستتم معالجتها بطرق أخرى".
وقبل أيام، تابع الفلسطينيون السوريون على شاشات التلفزة بأسى مسيرة العودة داخل أراضيهم المحتلة ترفع شعار من "اليرموك عائدون للوبية"، دعماً لمأساة أهالي المخيم المتواصلة منذ عامين، فاليرموك وبقية مخيمات اللجوء في سورية لم تكن مجرد أمكنة، وإنما حواضن للهوية الفلسطينية رغم مرور 66 عاماً على النكبة.
اليوم، وفي خضم الكارثة السورية، تبدو فلسطين أبعد بكثير مما كانت عليه، وعيون الفلسطينيين السوريين ترنو إلى ملاجئ جديدة تبعد آلاف الكيلومترات عن وطنهم فلسطين الذي عاشوا على أمل الرجوع إليه.