يتواصل مسلسل استقالات مقربين من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وجديد القائمة مستشاره الخاص إسماعيل إميليان. وقد أعلن هذا المستشار، الذي لا يحب الظهور ولا التصريحات، عن قرب مغادرته لوظيفته في الإليزيه، أي خلال بضعة أسابيع.
وتعتبر استقالة إسماعيل إميليان بالغة الأهمية، خاصة بعد استقالة مسؤول الاتصال في الإيليزيه، سيلفان فور.
ولكن مغادرة إميليان لا تعني الابتعاد عن الرئيس، بل تعني أنه مستعد لخدمة الرئيس وتياره "التقدمي" من خارج الإليزيه، أي العمل جهارًا في مواجهة وسائل الإعلام، وهو ما دفعه لتأليف كتاب، سيرى النور قبل يوم الانتخابات الأوروبية، في 26 مايو/أيار القادم، عن هذا التيار السياسي والمجتمعي، الذي يعبر عنه الرئيس وحركته، وهو التيار التقدمي في مواجهة التيارات المُحافظة والشعبوية.
ذلك ما عبّر عنه بالقول: "مغادرتي تتناسب مع مرحلة جديدة من التزامي"، واعتبرها من أجل تعزيز المعسكر "التقدمي" في البلد، مضيفا: "نحن، اليوم، نحتاج إلى أجهزة في المجتمع وما وراء حدودنا، وأعتقد أني سأكون مفيدًا في هذه الوضعية. وسأظل تحت التصرف الكامل للرئيس، وسأواصل دعمه... أواصل المعركة نفسها، ولكن عبر سُبُل أخرى".
ولكن موقع "ميديا بارت" لا يرى الأمر من هذه الزاوية، زاوية رغبة هذا الشاب الثلاثيني في الخروج من ردهات وصالونات الإليزيه المغلقة إلى رحابة منابر الإعلام والتجمعات والمؤتمرات، أي من الظل إلى النور، بل يرى تأثيرًا لِلَعنة اسمها "قضية ألكسندر بنعلا"، وخلفها "تختفي الأسباب الحقيقية لهذا الرحيل"، كما يكتب الموقع.
ويرى الموقع ذاته أن التطورات الأخيرة للتحقيق القضائي حول 1 مايو/أيار 2018، تسمح بالاعتقاد بأن المستشار الخاص للرئيس ماكرون تسلَّم من المكلف بمهمة في الإليزيه، ألكسندر بنعلا، في ليلة 18 ـ 19 يوليو/تموز 2018، قرصًا مضغوطًا يتضمن صُوَرًا تم الحصول عليها بصفة غير قانونية من محافظَة الشرطة في باريس. وكان ألكسندر بنعلا قد اعترف بأنه سلّم نسخة من كاميرات المراقبة في ساحة كونترسكارب إلى مستشار اتصال في قصر الإليزيه.
والغريب أن إسماعيل إميليان، أو "السكين السويسري للماكرونية"، كما يحلو لزميله أليكسي كوهلر، الأمين العام للإليزيه، أن يطلق عليه، هو من مستشاري الرئيس ماكرون القليلين الذين أفلتوا من استجواب لجنتي التحقيق البرلمانيتين، فلم يُسمع موقفه الرسمي حول هذه القضية، وهو ما سيقوله أمام العدالة في الوقت المناسب.
ويضيف "ميديا بارت" أن ألكسندر بنعلا يفخر (رغم تكذيب الإليزيه) في تسجيل خاص يجمعه بصديقه الدركيّ فانسان كراز، ونشره الموقع، بأن قائمة داعميه في محنته تضم: "الرئيس وحرمه وإسماعيل، الذي يقدم لي الاستشارة في ما يخص وسائل الإعلام".
وعلى الرغم من أن خبر مغادرة إميليان للإليزيه ظهر في نهاية سنة 2018، إلا أن كثيرًا من اللغط رافقه، إذ نفاه صاحب الاستقالة قبل عشرة أيام من تأكد الخبر، وهو ما يعارض ما أكدته مجلة "لوبوان" عن أن الرئيس ماكرون وافق على مغادرة مستشاره منذ منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وستكون الاستقالة نافذة فعليًا نهاية شهر مارس/آذار، وبداية شهر إبريل/نيسان.
وتأتي استقالة هذا المستشار الخاص، إذن، بعد مغادرة كثيرين آخَرين، كمسؤول الاتصال سيلفان فور، والمستشار السياسي ستيفان سيجورني، إضافة إلى جان ماري غيريي، المدير السابق للحملة الرئاسية.
ويصر موقع "ميديا بارت"، الذي ركز كل جهوده على تتبع قضية ألكسندر بنعلا، على التأكيد على أن ارتدادات هذه القضية مستمرة وستزداد حدة.
ويواصل الموقع نشر اعترافات وتسجيلات، بعضها يقترب من المحظور قانونيًا، وهو ما جعل مفتشين قضائيين يحاولون تفتيش مقر الموقع، حتى وإن لم يُسمَح لهم بالدخول، وما جعل محامين مرموقين، كما هو شأن المحامي المعروف إيريك دوبوند موريتي، يرون فيها "طرقًا ستالينية في ممارسة الصحافة". ويشبّه هذا المحامي، الذي تميز بالمرافعة عن والدة الإرهابي محمد مرّاح، في مواجهة عشرات من المحامين، صحافيي الموقع الإخباري بـ"قضاة جدد يحملون القِيَم الأخلاقية ذاتها التي يحملها القضاة، فيتحررون من القواعد، ويستخدمون براهين يحصلون عليها بكل الوسائل".
إذن، سيستقيل هذا المستشار الذي رافق الرئيس ماكرون بإخلاص وتفان في كل لحظات وجوده في الإيليزيه، حتى يتسنى له أن يكون أكثر فائدة لرئيسه وهو خارج الإيليزيه، حيث كل الضربات ممكنة، وحيث تتوارى الدبلوماسية مفسحة المجال لكل أنواع العنف السياسي الذي تعيشه فرنسا هذه الأيام.