تساؤلات عديدة تُطرح حول الدور التركي في ليبيا؛ إذ تواصل أنقرة سياستها الحذرة في التعاطي مع جميع الأطراف، تحديداً الطرفين الرئيسيين: مجلس النواب في طبرق المنحل بنص المحكمة العليا، وحكومة الوفاق الوطني المدعومة من قبل الأمم المتحدة؛ والتي يرفض مجلس النواب منحها الثقة. وسبق هذا الغموض اتهامات وجهت من طرف قوات اللواء خليفة حفتر، إلى تركيا، مفادها أنها "تدعم الإرهاب". وغاب التمثيل الدبلوماسي التركي عن العاصمة طرابلس وأغلقت السفارة في عام 2014، وتم إنهاء إعفاء الليبيين من التأشيرة التركية، وتوقفت الخطوط الجوية بين البلدين. في ظل هذه الظروف، زار السفير التركي لدى ليبيا، أحمد آيدن دوغان، العاصمة طرابلس، في 10 أغسطس/آب الماضي، والتقى عدداً من المسؤولين في حكومة الوفاق الوطني. وأثارت الزيارة علامات استفهام عدة حول مستقبل الدور التركي في ليبيا، ومصير العلاقات الثنائية. في هذا السياق، أجرت "العربي الجديد" حواراً خاصاً مع السفير التركي؛ لمعرفة كواليس هذه اللقاءات في التوقيت الراهن.
ما سبب زيارتك الأخيرة إلى ليبيا ولماذا في هذا التوقيت؟
قمت بهذه الزيارة بهدف إجراء عدة لقاءات مع أعضاء المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني بطرابلس، وتمت مناقشة عدة ملفات أمنية واقتصادية، ومنها موضوعات متعلقة بالتعاون الأمني خصوصاً تدريب الكوادر الأمنية الليبية التابعة للحكومة الجديدة، ومنها أيضاً دراسة إعادة فتح سفارتنا. وشددت اللقاءات على ضرورة استقرار البلاد سياسياً وأمنياً، لاستئناف عمل الشركات التركية في ليبيا. وأجريت خلال الزيارة لقاء مع رئيس الحكومة فايز السراج، وعدداً من الوزراء ومحافظ مصرف ليبيا المركزي، وكانت اللقاءات مكثفة، وبخصوص التوقيت فنحن يهمنا التواصل مع ليبيا خلال الأزمة التي تمر بها الآن.
بخصوص تعليق مشاريع التعاون؛ فهذا كان بسبب المشاكل السياسية والأمنية التي حدثت في ليبيا، ونحن بالفعل نود تفعيل هذه المشاريع وتطوير علاقاتنا الثنائية القائمة على التعاون والاحترام المتبادل. وبشأن ما مرت به بلادنا، فأنا أنتهز هذه الفرصة كي أقدم الشكر إلى الشعب الليبي والحكومة، لدعمهم القوي للدولة التركية ضد محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت 15 يوليو/تموز الماضي.
وكيف ستستأنف العلاقات وأنتم تغلقون سفارتكم في ليبيا منذ سنتين تقريباً؟ ومتى سيعاد فتحها؟
نعم، السفارة التركية بليبيا مغلقة منذ عام 2014 بسبب مخاوف أمنية تسود البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي، وهذه الزيارة جاءت للتواصل مع الحكومة حتى ولو كانت السفارة مغلقة. من الصعب تحديد موعد قطعي لإعادة افتتاح السفارة في طرابلس، لكننا مستمرون في إتمام نواقص البنية التحتية، وعلى رأسها القنصلية التركية في مصراتة.
ذكرت في أحد لقاءاتك التلفزيونية أن تركيا دربت أكثر من 400 شرطي ليبي. ما هي تفاصيل ذلك؟
تم تنفيذ مثل هذه النشاطات التدريبية على أساس محاضر الاتفاق للتدريب العسكري والأمني القائم بين الدولتين، وبناءً على الطلب الرسمي لدولة ليبيا. ووصل عدد طلبة الأمن الليبي 804، وتم تدريبهم في إسطنبول لمدة 8 أشهر تقريباً. وتخرجوا في شهر فبراير/شباط عام 2013. وكذلك نظمنا العديد من دورات الأمن التخصصية في ليبيا وفي تركيا بين عامي 2012 و2014. ودربنا أيضاً 296 جندياً، لمدة 14 أسبوعا في شهر مارس/آذار 2014. وقد تم تنفيذ كافة التدريبات العسكرية والأمنية بالتنسيق مع المسؤولين الليبيين. لكن للأسف لم يتم الاستمرار في هذه التدريبات بسبب التطورات غير الإيجابية في ليبيا، وهنا أؤكد استعداد تركيا لاستئناف مثل هذه التدريبات العسكرية والأمنية للطلبة الليبيين بالتنسيق مع الحكومة الحالية.
نؤكد دائماً على أهمية حل النزاعات السياسية في ليبيا بصورة سلمية وعن طريق المفاوضات، وبعيداً عن الاحتكام إلى السلاح. وقد قمنا بالتعبير عن آرائنا هذه لجميع الأطراف بكل صراحة خلال الزيارات التي قمنا بها لكل من طبرق والبيضاء ومصراتة وطرابلس، شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني عام 2014. كما قمنا بدعم عملية الحوار السياسي التي ترعاها الأمم المتحدة. وكنا من أوائل المرحبين بالتوقيع على الاتفاق السياسي الليبي في مدينة الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015. وشارك وزير خارجيتنا في الاحتفال بالتوقيع. وبعد تشكيل حكومة الوفاق ووصولها إلى طرابلس، زار المبعوث الشخصي للرئيس التركي والحكومة التركية، آمر الله إيشلار، طرابلس للقاء المجلس الرئاسي وإجراء مباحثات لتطوير العلاقات بيننا.
نعم، لدينا اتصالات مع مجلس النواب وهو البرلمان الشرعي لليبيا، والتقى الرئيس رجب طيب أردوغان، برئيس البرلمان عقيلة صالح، عام 2014 في نيويورك. كما قام مبعوث الرئيس بزيارة طبرق للقاء رئيس المجلس وكثير من الأعضاء. وليس هذا فحسب، بل نحن نتطلع إلى مزيد من التقدم في علاقاتنا مع مجلس النواب في المرحلة المقبلة.
ما هو موقفكم الرسمي من اللواء خليفة حفتر؟
مصير خليفة حفتر أو مصير المسؤولين المدنيين والعسكريين هو أمر متعلق بالشأن الداخلي الليبي، وعلى الليبيين أن يقرروا بأنفسهم من سيتولى إدارة المؤسسات الليبية، لكننا نرفض قطعاً أي انقلابات عسكرية.
تركيا تعارض تدخل الجيش في السياسة والحكم. كيف ترون بالتالي دور العسكر في ليبيا؟
موقف بلادنا واضح: نحن نرى أن القوات المسلحة يجب أن تكون تحت إدارة وأمر الإدارة المدنية. ومعظم حلفاء وأصدقاء ليبيا يشاطرون تركيا نفس وجهة النظر. وبخصوص ليبيا، نحن نرى أيضاً أن أحد المبادئ الأساسية للديمقراطية يقضي بأن تكون إدارة القوات المسلحة تحت إمرة وإدارة السلطة المدنية هناك. إلا إن الشعب الليبي هو الذي سيقرر شكل نظام الحكم، وسيتم الاستفتاء الشعبي على مسودة الدستور الجديد لليبيا، والاختيار يعود لليبيين أنفسهم. لكن الجيوش ليس مكانها السياسة.
في الحقيقة، قمنا بمنع تسيير الطائرات التركية المدنية إلى ليبيا منذ شهر يناير/كانون الثاني عام 2015. وسبب ذلك هو التهديد بضرب الطائرات التركية المدنية. وقد حصل اعتداء جوي على مطار مصراتة أثناء إقلاع إحدى طائرات الخطوط الجوية التركية. وهذه الأعمال والتهديدات تخالف القانون الدولي. ونحن نبحث إمكانية استئناف الرحلات الجوية التركية لكل من طرابلس ومصراتة والبيضاء في الفترة المقبلة.
قرار أنقرة عام 2014 بإلغاء منح التأشيرة التركية إلى الليبيين تسبب بأزمة لهؤلاء. هل ستعيد بلادكم النظر بقرارها من أجل انفراج الأزمة؟
للأسف إن رفع التأشيرة ليس من ضمن جدول الأعمال في الوقت الحاضر. ونبذل جهدنا لتسهيل عملية تقديم التأشيرة حالياً، من خلال قيامنا بعملية التقديم الأولي الإلكتروني. وبعد فتح سفارتنا سوف نعمل على تسريع إصدار التأشيرة. لكن من غير الممكن أن يكون الحال مثلما كان في فترة وجود إعفاء التأشيرة.