في ظلّ تصاعد الضغوط الأميركية على إيران، وآخرها إعلان واشنطن قبل أسبوع عدم تجديد الإعفاءات التي منحتها سابقاً حول استيراد النفط الإيراني، ابتداءً من الثاني من مايو/ أيار المقبل، انشغل المستويان السياسي والعسكري في إيران بتوجيه رسائل للولايات المتحدة وأوروبا، استهدفت إظهار قدرة طهران على الرد ورفضها تقديم أي تنازلات جديدة، مع حديث عن رفض التفاوض مع واشنطن، الذي بدا أنه يوجّه رسالة مشفرة باتجاه آخر. ويبدو أن الجانب الإيراني يشعر بأن عدم تنفيذ تهديداته السابقة، سواء ما يتعلق بالانسحاب من الاتفاق النووي أو ما يرتبط بإغلاق مضيق هرمز، وغيرها من التهديدات، قد دفع الإدارة الأميركية للمضي في تصعيدها بلا هوادة، والأوروبيين إلى مواصلة "التقاعس عن تعهداتهم"، لتؤكد طهران أنها "ستردّ قريباً" وستعلن قرارات خلال الفترة القليلة المقبلة في مواجهة هذه المستجدات، بعد الانتهاء من نقاشات داخلية في مؤسسات صنع القرار الإيراني حول الخيارات المتاحة أمامها. لكن تثار تساؤلات حقيقية عن قدرة طهران على القيام بأي تحرك حاسم في هذا السياق، على الرغم من أحاديث في الداخل عن ضرورة حصول "رد مناسب"، بغضّ النظر عن طبيعته، لتوصيل رسائل ضغط وتحذير للأميركيين والأوروبيين معاً في وقت واحد.
ولعل ما تحدث عنه قائد "فيلق القدس" الإيراني اللواء قاسم سليماني، أمس الإثنين، عن أن "الاقتصاد المقاوم هو الحل للخروج من الظروف الراهنة"، هو أحد الاتجاهات المتوفرة أمام طهران راهناً. ويمثّل "الاقتصاد المقاوم" نظرية طرحها المرشد الإيراني علي خامنئي، في مواجهة الضغوط الخارجية، تعتمد على المقوّمات الداخلية للاقتصاد وتعزيزها وتقليل الاعتماد على الخارج.
وقال سليماني، كما نقلت عنه وكالة "تسنيم" الإيرانية أمس، إن الولايات المتحدة تريد "استدراج إيران إلى طاولة التفاوض من خلال الضغوط الاقتصادية"، قائلاً إن "هذا التفاوض في الظروف الراهنة يعني الاستسلام الكامل ولن نقبل هذه المذلّة". وأضاف أن "الأعداء يستهدفوننا من خلال ورقتي ضغط، هما العقوبات الاقتصادية وضرب أمن البلاد، ويوظفون كافة قدراتهم في هذا الصدد".
وعلى صعيد متصل، وصف رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، مجرد التفكير في التفاوض مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ"الخطأ الاستراتيجي"، لافتاً إلى أنه انسحب من الاتفاق النووي بعد عشرة أعوام من التفاوض بهذا الشأن. وأضاف لاريجاني، وفقاً لما نقلت عنه وكالة "فارس" الإيرانية أمس، أنه "لا معنى للتفاوض مع من لا يفهم ويطرح 12 مطلباً غير منطقي مثل منع تخصيب اليورانيوم"، وذلك في إشارة إلى الشروط الـ12 التي طرحها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في مايو 2018، وجددها أخيراً بعد إعلان إنهاء إعفاءات شراء النفط الإيراني. وترتبط هذه الشروط بالملفات المرتبطة بإيران، وفي مقدمتها البرامج النووية والصاروخية والسياسات الإقليمية. وشدّد لاريجاني على أن "من يفكر بأن من الممكن التفاوض مع هذا الكائن الخطير فهو قد ارتكب خطأً استراتيجياً، لذلك يجب الانتظار إلى أن يفشل ترامب ثم التفكير بمواضيع أخرى".
التهديدات الإيرانية المتصاعدة تطرح تساؤلات عن قدرة طهران على تنفيذها، فالتهديد بإغلاق مضيق هرمز مثلاً يبدو أمراً صعب الحصول، وهو ما يُستشف من كلام رئيس الهيئة العامة للأركان الإيرانية اللواء محمد باقري، الذي قال إن بلاده لا تنوي إغلاق هرمز وتريد أن يكون مفتوحاً وتحافظ على أمنه، ما يعني أن قرار إغلاق المضيق ليس في الحسابات الإيرانية في الوقت الحاضر. لكن المسؤول العسكري الإيراني هدد أو حذر في الوقت نفسه، من أنه "في حال مُنعت طهران من تصدير نفطها عبر هذا الممر، فلن يعبر منه نفط الدول الأخرى".
كما أشار باقري خلال تصريحاته إلى نقطة مهمة تتعلق بهرمز أيضاً، بقوله إن السفن والقطع البحرية الأميركية لا تزال تتعاون مع قوات الحرس الثوري الإيراني عند العبور من مضيق هرمز، ليؤكد بذلك أن قرار الإدارة الأميركية القاضي بتصنيف الحرس الثوري الإيراني "جماعة إرهابية"، وفي المقابل إدراج إيران القوات الأميركية في المنطقة على قائمة التنظيمات الإرهابية، لم يحدثا تغييراً في سلوك الطرفين في هذا المضيق.
وفي السياق، قال رئيس الأركان الإيرانية إن "حرس الثورة الإسلامية يشرف على تأمين أمن هرمز"، وأن "السفن والقطع البحرية الأميركية مجبرة على التعامل مع الحرس حين العبور من المضيق"، كاشفاً عن أن "القطع البحرية الأميركية أبدت تعاوناً حتى اللحظة، وتردّ على أسئلة الحرس، ولم نشاهد تغييراً في سلوكها".
في موازاة ذلك، نشر الحرس الثوري الإيراني الأحد، مشاهد فيديو لطائرة مسيّرة تابعة له حلّقت فوق حاملة طائرات أميركية في الخليج، حسبما أكدت وكالة الأنباء الإيرانية "تسنيم"، حاولت فيه المؤسسة العسكرية الإيرانية أن تقول إن قواتها البحرية ترصد تحركات القطع البحرية الأميركية في المياه الإقليمية، وأنه بإمكانها استهدافها إذا ما أرادت.
في غضون ذلك، أطلق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، تصريحات لافتة خلال زيارته نيويورك بغية المشاركة في احتفالات اليوم الدولي التعددية والدبلوماسية لأجل السلام، الذي عقدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأربعاء الماضي. واختار الوزير الإيراني قناة "فوكس نيوز" الأميركية، وهي القناة المفضلة لترامب، لإجراء مقابلة مطولة معها بثتها القناة الأحد، في محاولة لشرح مواقف بلاده للشريحة الأميركية المؤيدة لترامب، بحسب قول الوزير. لكن البعض في إيران وخارجها، اعتبرها محاولة للتفاوض غير المباشر مع ترامب نفسه، وتوصيل رسائل محددة له. وفي السياق، قال السفير الإيراني السابق لدى الأردن نصرت الله تاجيك، الأحد، إن "مقابلة ظريف مع فوكس نيوز خطوة جيدة، فهي قناة ترامب، ويظهر ذلك أن ظريف يريد من خلال ذلك الحديث مع ترامب مباشرة".
وركز ظريف خلال هذه المقابلة ومقابلات صحافية أخرى، أجراها مع وسائل إعلام أميركية أخرى، على تحميل المقربين من الرئيس الأميركي، وخصوصاً مستشاره للأمن القومي جون بولتون، مسؤولية قرارات ترامب. وكرر ظريف خلال المقابلة مع "فوكس نيوز"، القول إن بلاده لا تريد الحرب، وترامب أيضاً لا يريد الحرب معها، بينما مجموعة "ب" تسعى إلى دفعه لاتخاذ قرار بشنّ حرب على إيران، بحسب قوله، الأمر الذي اعتبره البعض محاولة للقول إن طهران جاهزة للعمل مع ترامب نفسه إذا أبعد هؤلاء. ومجموعة "ب" التي ذكرها ظريف خلال مقابلاته من نيويورك، تشير إلى "بولتون، وبنيامين نتنياهو ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد".
في موازاة ذلك، هدد ظريف في مقابلة مع التلفزيون الإيراني من نيويورك، بأن بلاده لديها خيارات متعددة في التعامل مع العقوبات الأميركية، "من ضمنها الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية"، وهو يعني بشكل أو آخر الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015. يبدو أن هذا التهديد موجَّه للأوروبيين بالدرجة الأولى، الذين تتهمهم طهران بالتقاعس عن التزاماتهم في الاتفاق النووي، ليقول ظريف في المقابلة ذاتها، إن "الأوروبيين كانت أمامهم فرصة لعام، لكنهم للأسف لم يفعلوا شيئاً عملياً، ونتوقع أن يظهروا عكس ذلك، ولا أظن أن هناك مزيداً من الفرصة أمامهم".