أظهرت الطريقة التي تمت من خلالها عملية إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار في سورية، بضمانة روسية تركية، من خلال تفاوض مباشر مع الفصائل العسكرية المسلحة وإبعاد الممثلين السياسيين للمعارضة "رغم كل التحفظات على أدائهم"، ضعفاً واضحاً لدى ممثلي الفصائل في صياغة شروط الاتفاق.
ومنحت هذه الطريقة روسيا الفرصة للاستفراد بتلك الفصائل، وصياغة شروط ملتبسة، أدت إلى تمادي قوات النظام والمليشيا الإيرانية بخرق الاتفاق، مع سكوت ضامني الاتفاق، وتبرير كل الخروقات على أنها بسبب توقيع كل طرف (فصائل المعارضة المسلحة والنظام) على ورقة مختلفة عن الطرف الآخر، على الرغم من حسم وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الضامن لفصائل المعارضة هذا الجدل، وتصريحه أن الاتفاق يستثني تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً). إلا أن الفصائل لم تبد أي موقف من هذا التصريح، ولا تزال الفصائل، والتي لم تدع إلى الأستانة، تطلب من تركيا إشراكها في هذا المؤتمر.
وعلى الرغم من كلّ الخروقات المسجّلة على النظام، والذي يستهدف من يشاء من الجيش الحر، وحتى من المدنيين، بحجة استهداف "النصرة"، إلا أن الضامن الروسي لا يزال عاجزاً عن التحكم بقرار النظام على حساب التحكم الإيراني المهيمن على معظم قراراته. في هذا الوقت، تستمر الضغوطات على فصائل المعارضة من أجل تمرير أيام الاتفاق، وصولاً إلى مؤتمر الأستانة، إذ تسابق كل من روسيا وتركيا الزمن من أجل إنجاح الاتفاق بكل خروقاته، من أجل الوصول إلى مؤتمر الأستانة، والذي تعوّل موسكو على استثماره، بتسويق نفسها كراع دولي لحل سياسي وفق الرؤية الروسية.
وعلى الرغم من كل التبريرات التي تبديها فصائل المعارضة المسلحة حول غياب ممثلي الهيئات السياسية المعارضة عن مؤتمر الأستانة، وتهميش دورها، واستبدال هيئاتها بشخصيات مرضي عنها روسياً، إلا أن من شأن غياب هيئات المعارضة عن مفاوضات تتعلق بحل سياسي أن يلغي كل المكتسبات التي حققتها تلك المعارضة خلال السنوات الماضية، وحرف مسار الحل السياسي باتجاهات مجهولة، بعيداً عن كل المرجعيات التي تتمسك بها المعارضة، خصوصاً بيان جنيف واحد المعتمد من قبل الأمم المتحدة كمرجعية لأي حل سياسي في سورية.