أطلّ الصراع بين زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ونائب الرئيس العراقي، نوري المالكي، برأسه من جديد في العراق، متجاوزاً حدود العاصمة بغداد، ممتداً نحو المحافظات الجنوبية التي تعد من أكثر محافظات البلاد أمناً واستقراراً، متخذاً هذه المرة من تراكم الأزمات الخدمية والخلل في أداء المسؤوليات غطاءً له، لينبش ملفات سابقة وأزمات على تماس مباشر مع المواطنين، وسط تحريض للتسقيط السياسي. ولم يتوقف الصراع على حزبين فقط، بل تجاوزهما ليشمل محافظتين متجاورتين، إحداهما ذات غالبية تدين بالولاء لزعيم التيار الصدري، والأخرى لنائب الرئيس، ليحتدم النزاع بينهما ويحرّك كل واحد أنصاره في المحافظة الأخرى للإيقاع بالحكومة المحلية التي يحكمها الجانب الآخر، ما يضع أمن المحافظات الجنوبية على المحك، ما دعا جهات سياسية إلى مناشدة الحكومة المركزية للتدخل لتلافي الأزمة.
وقال مسؤول قريب من التحالف الوطني الحاكم في البلاد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الخلاف القديم بين التيار الصدري، الذي يتزعمه رجل الدين مقتدى الصدر، وائتلاف دولة القانون، الذي يترأسه نائب الرئيس العراقي نوري المالكي، أطل برأسه من جديد"، موضحاً أنّ "الطرفين يحاولان إثارة المشاكل الخدمية وتوظيفها من أجل التسقيط السياسي للخصوم". وأشار إلى أنّ "الصراع يدور الآن بين حكومتين محليتين، هما محافظة ذي قار، التي ينتمي محافظها يحيى الناصري إلى ائتلاف المالكي، ومحافظة ميسان، التي يعد محافظها علي دواي من أبرز قيادات التيار الصدري". وأضاف أنّه "تم توظيف أزمات الخدمات والماء والكهرباء من أجل إثارة الجماهير وللتسقيط السياسي وتحقيق أجندات حزبية"، مشيراً الى أنّ "الأزمة بلغت ذروتها عندما اقتحم متظاهرون منزل محافظ ميسان وحطموا سياراته الخاصة، في حين كان هو خارج المنزل، الأمر الذي يعد تهديداً غير مسبوق وتحشيداً للشارع بشكل خطير". وأعلن أنّ "أنصار المالكي في محافظة ميسان بدأوا يحشدون الشارع فيها، لاتخاذ رد فعل إزاء الأزمة، ويستعدون لتظاهرات في ميسان لإسقاط محافظها الصدري، الأمر الذي ينذر بخطر كبير يهدد أمن المحافظتين، وقد يمتد ليشمل محافظات أخرى في الجنوب".
يأتي ذلك، في وقت أعلن فيه الصدر عن دعمه لولاية جديدة لرئيس الحكومة، حيدر العبادي، ويقترب الجانبان من تشكيل ائتلاف موحد بينهما، في وقت يعمل فيه أتباع الصدر على تحريض المحافظات الجنوبية ضد المالكي، ومتابعة الملفات السابقة لإسقاطه. واتهم محافظ ميسان، علي دواي، في بيان صحافي، "محافظتي ذي قار وواسط بالتجاوز على حصص محافظته المائية". وتصاعدت حدّة الأزمة بين تلك المحافظات، ووصلت إلى تهديد الأمن فيها، إذ كثفت القوات الأمنية من انتشارها في محيط دوائر المحافظات، وقرب منازل المحافظين، تحسباً لأي طارئ، بينما طالب مسؤولون رئيس الحكومة حيدر العبادي بالتدخّل. وقالت النائبة عن ائتلاف دولة القانون، زينب الخزرجي، في تصريح صحافي، إنّ "محافظة ذي قار تتعرض إلى كارثة بسبب شح المياه، المتسبب عن سياسات محافظات مجاورة، بينها ميسان"، مطالبة العبادي "بالتدخل شخصياً لحل الأزمة". وأكدت أنّ "شح المياه لا يقتصر على مياه الري، بل وصل إلى حد انقطاع الماء المخصص للشرب"، لافتة إلى أنّه "تسبب بهجرة عدد غير قليل من العوائل إلى مناطق أخرى". وحذّرت من "خطورة ترك الأمر على ما هو عليه، والذي يدفع بالمحافظة إلى ما لا تحمد عقباه"، مؤكدة "وجود تجاوزات كبيرة من المحافظات المجاورة أمام مرأى ومسمع الجهات المختصة التي لم تحرك ساكناً".
وأكد رئيس مجلس محافظة البصرة، حميد كيطان، أنّ العبادي سيعقد اجتماعاً على مستوى الوزراء والمحافظين لمعالجة تداعيات الأزمة، وقد وعد بحلها. ولا يستبعد مسؤولون ووجهاء في المحافظات الجنوبية، اشتداد الأزمة بين الجانبين، وخروجها عن السيطرة، معتبرين أنّ أزمات الخدمات ليست جديدة، لكنّ إثارتها في هذا الوقت مع تحشيد الشارع أمر ينذر بخطر كبير. وتساءل عضو مجلس شيوخ ذي قار، علي البهادلي، عن "سبب إثارة أزمة المياه في هذا الوقت، على الرغم من مرور أشهر على وجودها"، مؤكداً، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأزمة كانت في الصيف أكبر منها حالياً، لكنها لم تثر كما يحدث اليوم". وأكد أنّ "الخلاف بين الصدر والمالكي هو الذي يقف وراء إشعال هذه الأزمة، والتي انعكست على الشارع وسخرته لخدمة أجنداتها"، مشيراً إلى أنّ "أنصار الجانبين بدأوا يتحرّكون مبكراً لإزاحة خصومهم قبل الانتخابات، وأنّ ما حدث في ذي قار من اقتحام لمنزل المحافظ خير دليل على ذلك".
واقتحم متظاهرون، الجمعة الماضي، منزل محافظ ذي قار يحيى الناصري وسط المحافظة، احتجاجاً على قرار المحافظة القبول بخصخصة التيار الكهربائي وعلى أزمة المياه. ودمر المتظاهرون عدداً من السيارات التابعة للمحافظ، الذي لم يكن في المنزل. ويحاول العبادي احتواء الصراعات السياسية التي نشبت جنوب العراق على خلفية مشاكل خدمية. ويؤكد مراقبون أنّ الخلاف بين الصدر والمالكي وظّف الأزمات الخدمية المتراكمة، لأجل التسقيط السياسي بينهما، بينما تكمن خطورته في أنّه يبدو أشدّ من أي حملات سابقة بين الطرفين، لأنّ هذه الانتخابات تعد مصيرية لكل منهما. وقال الخبير السياسي، علي العقابي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "توظيف المشاكل والأزمات المتعلقة بحاجات المواطن من أجل الحصول على مكاسب انتخابية أمر خطير جداً، إذ إنّه يتجاوز حدود التنافس المشروع لتحقيق منافع للشعب إلى التنافس غير المشروع لأجل المكاسب الشخصية، ما يجعل الباب مفتوحاً بوجه الأزمات". وحذّر من "خطورة زجّ المحافظتين في صراع خطير، ما ينذر بأزمات قد تمتد إلى عموم المحافظات الجنوبية، الأمر الذي يتطلب موقفاً وتدخلاً حكومياً عاجلاً لحل هذه الأزمة قبل تفاقمها وخروجها عن السيطرة". وتعود جذور الصراع بين المالكي والصدر إلى عام 2008، عندما كان المالكي رئيساً للحكومة، وقد شن معركة "صولة الفرسان" على مليشيات الصدر "جيش المهدي" في جنوب العراق. واحتدمت المعركة، التي أشرف المالكي عليها بشكل مباشر، لتوقع أكثر من 1500 قتيل من الجانبين، فضلاً عن اعتقال أعداد كبيرة من قيادات التيار الصدري.