قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن الخارجية المصرية تلقت طلباً هذا الأسبوع من نظيرتها الإيطالية لتجديد التعاون القضائي والدبلوماسي في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، لكن روما وضعت إطاراً صارماً لذلك يتقدمه وجوب الاتفاق السياسي على إحداث حلحلة لهذه الأزمة "بصدق"، في إشارة واضحة إلى غياب الإرادة السياسية لتقديم المتهمين الحقيقيين في القضية، وتعطيل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ودائرته مساعي روما للتنسيق الجاد لتحقيق العدالة.
وجاء الموقف الإيطالي الجديد بخصوص قضية ريجني، الذي اختفى في القاهرة في 25 يناير/كانون الثاني 2016، وعثر على جثته وعليها آثار تعذيب على طريق مصر الإسكندرية مطلع فبراير/شباط من العام نفسه، بعد دعوة أطلقها النائب العام المصري الجديد حمادة الصاوي للمدعي العام الإيطالي بضرورة استئناف التعاون. وبحسب المصادر، فإنّ الخارجية الإيطالية رحبت بالدعوة، لكن ضمن الشروط التي حددتها.
واعتبرت المصادر أنّ هذه المطالبة الإيطالية الرسمية بشأن الاتفاق السياسي "ستكون لها تبعات بالتأكيد"، ليس فقط على مستوى مطاردة الجانب المصري للحصول على جميع المعلومات التي بحوزة النيابة العامة والأجهزة الأمنية، بل أيضاً على مستوى التنسيق السياسي بين البلدين في العديد من الملفات، وكذلك التعاون الاقتصادي والعسكري المشترك، وذلك بالنظر إلى خلفيات وزير الخارجية الإيطالي الحالي، لويجي دي مايو.
وكانت "العربي الجديد" قد نشرت تقريراً في سبتمبر/أيلول الماضي ذكرت فيه أنّ دائرة السيسي تتابع بمزيد من الاهتمام والقلق، التطورات السياسية في إيطاليا، مع خروج الحليف الأبرز للسيسي في روما، زعيم حزب "رابطة الشمال"، ماتيو سالفيني، من التحالف الحكومي، وزيادة عدد المقاعد الوزارية الخاصة بحركة "الخمسة نجوم"، وتولي زعيمها الشاب دي مايو وزارة الخارجية، خلفاً للوزير المستقل القريب من سالفيني، إنزو ميلانيزي.
وأوضحت المصادر أنّ الادعاء الإيطالي لم يستجب حتى الآن للدعوة المصرية لاستئناف التعاون، وأن المعلومات المتاحة في القاهرة تشير إلى أنّ الادعاء طلب من الخارجية في روما التدخل لتهيئة الأجواء سياسياً، وأنه إذا حصلت روما على تطمينات حقيقية وضمانات قابلة للتحقق، فسوف يتم إرسال وفد قضائي جديد للقاهرة لاستطلاع سياسة النائب العام الجديد تجاه القضية.
من جهته، قال مصدر قضائي مطلع على ملف التعاون إنّ "الصاوي يرغب في اتباع أسلوب مختلف في التعامل مع الأزمة، مغاير لما استخدمه سلفه نبيل صادق، يقوم على إعطاء الإيطاليين معلومات عديدة استجدّت بحوزة النيابة، ولكن حتى الآن لا يوجد أي قرار بتسليم متهمين محددين للعدالة"، أخذاً في الاعتبار أن الادعاء الإيطالي، وفقاً للقانون الدولي والاتفاقيات المشتركة، لا يملك حق توجيه اتهام من جانب واحد لأي مسؤول مصري.
وأضاف المصدر، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنّ "الصاوي تواصل مع وزارة الداخلية والمخابرات العامة للحصول على معلومات جديدة في القضية، ارتأى ضرورة حصول النيابة العامة عليها، حتى إذا لم يتم إعطاؤها للإيطاليين، وهي تدور تحديداً حول طبيعة المراقبة التي تعرّض لها ريجيني وإجراءات رصده قبل اختفائه".
وتم تعليق التنسيق بين الطرفين تماماً منذ ديسمبر/كانون الأول 2018 عندما زار وفد إيطالي دبلوماسي قضائي مشترك القاهرة للتعرف على مصير الطلبات الإيطالية بتسليم التحقيقات الخاصة بقضية مقتل أفراد عصابة السرقة التي سبق اتهامها بتعقب ريجيني وقتله، قبل أن يعلن الطرفان المصري والإيطالي عن استحالة حدوث تلك الرواية وسقوطها من اعتبارات المحققين.
وفي مايو/أيار الماضي، حصلت روما من ضابط أفريقي تحدّث أمامه بالصدفة ضابط مصري شارك في عملية القبض على ريجيني وقتله، على معلومات تفيد بأنّ ريجيني لفظ أنفاسه الأخيرة داخل السيارة التي ألقت جثته، وأغلب الظنّ أنه لم يمت في مكان ثم تمّ نقله بالسيارة، بل إنّ تعذيبه واستجوابه وقتله تم داخل السيارة التي ألقت جثته، مما طرح تساؤلات عديدة عن سيناريو الأيام السابقة لواقعة القتل، وطبيعة المعلومات التي حصل عليها الضباط من ريجيني أو سألوه عنها.
أما وزير الخارجية دي مايو فقد عبّر عن مواقف متشددة وداعية إلى استخدام طرق غير تقليدية وقاسية ضد القاهرة، خلال وجوده في المعارضة عام 2016، وبعد دخوله حكومة جوزيبي كونتي وزيراً للتنمية الاقتصادية العام الماضي، كان الضيف الإيطالي الأثقل على الرئيس المصري، عندما حذّر بشكل واضح في أغسطس/آب 2018 لدى زيارته القاهرة من انهيار العلاقات المصرية الإيطالية بسبب القضية.
وكان زعيم "الخمسة نجوم" يطالب سابقاً، من مقاعد المعارضة، الحكومة باتخاذ خطوات لمعاقبة مصر اقتصادياً، رداً على كل خطوة يترتب عليها تأخير التوصل إلى حقيقة ما جرى للطالب الإيطالي، وتقديم المجرمين للعدالة.
وخلال العام الماضي، كان دي مايو على تواصل دائم بأطراف عدة مهتمة بملف ريجيني، أولها والدا الشاب المقتول، باولا وكلاوديو ريجيني، اللذان تحولا إلى رمز وطني للإصرار على الوصول للحقيقة، ويحظيان بدعمٍ كبير من القوى اليسارية وأحزاب الوسط أيضاً، والمدعي العام بروما جوزيبي بيجناتوني الذي كان قد اجتمع معه قبل وبعد زيارته الوحيدة إلى القاهرة لدراسة سبل الضغط السياسي على مصر. ولذلك، فإنّ دي مايو أعرب للصحافيين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن "شكره" للادعاء الإيطالي "على العمل الكبير الذي قام به في تلك الفترة في ظل عدم وفاء مصر بتعهداتها بتقديم إجابات واضحة لأسئلتنا".
وكان آخر ضغط سياسي على مصر بالطرق الدبلوماسية قد حدث بعد تشكيل حكومة كونتي الأولى باستدعاء السفير المصري لدى روما هشام بدر في نوفمبر الماضي أيضاً، لحثّه على نقل الغضب الإيطالي من التباطؤ المصري، بعدما أصرّت النيابة العامة المصرية على عدم منح نظيرتها الإيطالية تفاصيل التحقيقات التي من المفترض أنها أجرتها في قضية مقتل أفراد عصابة السرقة التي ادعت الشرطة أنها هي التي اختطفت ريجيني بدافع السرقة.
وكان بعض النواب المقربين من دي مايو من أصحاب مقترح تخفيض المبيعات العسكرية وصادرات الأسلحة لمصر عند اتخاذ البرلمان الإيطالي قراراً بتجميد العلاقات مع البرلمان المصري في خريف العام الماضي، وهو المشروع الذي لوحت به حكومة كونتي مراراً لكن لم يدخل أبداً حيز التنفيذ. بل إنّ وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية الإيطالية نشرت تفاصيلها "العربي الجديد" في يوليو/تموز الماضي أظهرت أن مصر اشترت أسلحة ومعدات ونظما إلكترونية أمنية وعسكرية من إيطاليا في 2018 بقيمة 69.1 مليون يورو، مسجلة بذلك رقماً قياسياً في تاريخ العلاقة بين البلدين، واحتلت المركز العاشر في قائمة الدول المستوردة للسلاح الإيطالي بصفة عامة، والأولى في قارة أفريقيا.