وبدأ الحديث المتعلق بمستقبل محافظة الرقة يأخذ أكثر من منحى مع اقتراب إعلان المدينة محررة من تنظيم "داعش"، خصوصاً أن أطرافاً كردية لا تخفي وجود مطامع لها في المحافظة مترامية الأطراف والغنية بالموارد الاقتصادية، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي في الجغرافيا السورية.
ولم تحسم المعارك بعد في مدينة الرقة، حيث لا تزال الاشتباكات دائرة بين من تبقّى من مسلحي تنظيم "داعش"، وبين مقاتلي قوات "سورية الديمقراطية" المعروفة اختصاراً بـ "قسد"، والذين باتوا يسيطرون على أكثر من 90 في المائة من المدينة بعد نحو 110 أيام من انطلاق المرحلة الأخيرة من عملية "غضب الفرات"، الهادفة إلى استعادة السيطرة على المدينة. وتدور اشتباكات في محيط الملعب البلدي وسط المدينة وسط أنباء عن تجميع "داعش" لمن تبقّى من المدنيين داخل الملعب، وهو ما بات يعرض حياتهم لخطر مباشر نتيجة القصف الجوي والمدفعي. ولا يزال التنظيم يحتفظ بمواقع له داخل المدينة خصوصاً في منطقة التوسعية شمال غربي المدينة، وفي حارة البدو، وشارع الكهرباء، ومناطق أخرى، ولكنه فقد زمام المبادرة والقدرة على المناورة. ويؤكد ناشطون أنه توجد محاولات لعقد "صفقة" ربما تنهي سيطرة التنظيم على أهم معاقله في سورية.
وعلى الرغم من عدم وجود معلومات من مصادر رسمية، يمكن الركون إليها، حول عدد مسلحي تنظيم "داعش" الموجودين الآن في الرقة، إلا أن مصادر محلية أشارت، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن عدد مسلحي التنظيم الذين يقاتلون الآن "يمكن أن يكون نحو 200 مسلح من عدة جنسيات". ولفتت إلى أنهم منتشرون في المناطق التي لا تزال بيد التنظيم "لكن من دون اتصال بينهم"، مضيفة "لم تعد لهم غرفة عمليات أو قيادة واحدة بعد أشهر من القتال المستمر والقصف الجوي الذي دمر أغلب احياء المدينة".
وكان المبعوث الأميركي الخاص لدى التحالف الدولي، بريت ماكغورك، قد أكد في بداية أغسطس/آب الماضي أنه يوجد نحو 2000 من مسلحي التنظيم لا يزالون موجودين في مدينة الرقة، ولكن مصادر محلية أكدت أن العدد "مبالغ فيه". ولفتت إلى أن "عدد مسلحي التنظيم في الرقة مع بداية حملة استعادة المدينة في يونيو/حزيران الفائت أقل من ذلك بكثير".
وأشارت المصادر إلى أن مسلحي التنظيم الذين كانوا في الرقة، من جنسيات مختلفة، كتونس، والسعودية، ومصر، والعراق، فضلاً عن وجود مسلحين يحملون جنسيات بلدان أجنبية عدة، لافتةً إلى أن عددا كبيرا منهم ترك الرقة باتجاه دير الزور قبيل فرض الحصار الكامل على المدينة، خصوصاً القياديين في التنظيم. وهؤلاء تمركزوا في مدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي والتي تحولت إلى أهم معاقل التنظيم بعد خسارة الرقة، ومعاقل أخرى في ريف حلب. ولم يعد أمام مسلحي تنظيم "داعش" الذين يقاتلون في الرقة إلا ثلاثة خيارات، أولها القتال حتى اللحظة الأخيرة في المواقع التي لا تزال بحوزتهم، أو الاستسلام لقوات "قسد"، أو عقد صفقة تتيح لهم الخروج إلى دير الزور.
وترجح مصادر محلية أن يقاتل قسم من مسلحي التنظيم حتى الموت، لا سيما الأجانب منهم، فيما يجنح مسلحو التنظيم من الجنسية السورية إلى تسليم أنفسهم كما حدث في مدينة الطبقة غربي الرقة، مستبعدة عقد صفقة تتيح لمسلحي التنظيم العبور إلى دير الزور. وكان الروس قد رفضوا في يوليو/تموز الفائت عقد صفقة مع التنظيم تنص على خروج مسلحيه الى البادية ودير الزور، لتجنيب المدينة الدمار، وهددوا بقصف أي رتل يخرج من الرقة، وهو ما أفشل الصفقة، وتسبب بمقتل أكثر من ألف مدني بالقصف الجوي والمدفعي.
في غضون ذلك، من المفترض أن يعقد مؤتمر عن الرقة في العاصمة الإيطالية روما، اليوم الثلاثاء وغداً الأربعاء، بدعوة من وزارة الخارجية الأميركية، ورعاية إيطالية. ويشارك في المؤتمر المجلس المحلي المرتبط بقوات سورية الديمقراطية والذي لا يحظى بثقة الشارع في الرقة، إضافة إلى شخصيات مستقلة، فيما رفض المجلس المحلي التابع للائتلاف الوطني السوري المشاركة في المؤتمر.
وذكر رئيس المجلس المحلي التابع للائتلاف، سعد الشويش، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أجندة مؤتمر روما غير واضحة". وأضاف "نحن لا نشارك في مؤتمرات لا فائدة منها"، مشيراً الى أن "قسد" عرضت التفاوض حول الرقة والقرى القريبة منها. وأضاف "رفضوا التفاوض حول مجمل محافظة الرقة كما نطلب".
وأوضح الشويش أن هذه القوات قالت إن ريف الرقة بما فيه مدينتا الطبقة وتل أبيض "خارج التفاوض" مع المعارضة التي تريد إدارة المحافظة، فيما تحاول واشنطن دمج المجلسين معاً في محاولة للتوفيق بين المعارضة، وقسد" التي تشكّل الوحدات الكردية عمادها الرئيسي.
ورفضت شخصيات مستقلة عدة من محافظة الرقة حضور المؤتمر، معتبرة عقده في هذا التوقيت محاولة "لتغيير الواقع، وطمس الجرائم التي حصلت بالرقة، والدمار، وإعطاء شرعية للمحتل"، وفق تعبير كاتب من الرقة فضّل عدم ذكر اسمه.
وذكرت مصادر أنه من المرجح تعيين أحد أبناء المحافظة ويحمل الجنسية الأميركية، ويحظى بدعم من الوحدات الكردية محافظاً للرقة مع انتهاء المؤتمر.
ولا يخفي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وجود مطامع له في محافظة الرقة ذات الغالبية العربية المطلقة، إذ يسعى إلى توسيع نطاق مناطق يطمح إلى أن تكون إقليمياً ذات صبغة كردية في سورية. ومن الواضح أنه لن يتخلى عن مدينة تل أبيض على الحدود السورية التركية كونها تربط جغرافياً بين مناطق سيطرته في شمال شرقي سورية وفي ريف حلب الشمالي الشرقي خصوصاً في عين العرب.
كما أن الطبقة التي وقعت تحت سيطرته لها أهمية كبرى كونها تضم سد الفرات وبحيرة كبيرة خلفه، فضلاً عن كونها عقدة مواصلات استراتيجية. وتبدي فعاليات مدنية في محافظة الرقة خشية كبيرة من محاولة هذا الحزب الهيمنة على منطقة عربية خالصة، وهو ما يؤسس لنزاع عربي كردي طويل الأمد في منطقة خرجت متعبة من تجربة تنظيم "داعش" ولا تزال تعيش في مرحلة فوضى على صعد عدة.