بعد انتخابه رئيساً لبوركينا فاسو في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية وفوز حزبه بالغالبية البرلمانية، يستعدّ روش مارك كريستيان كابوري لمواجهة مجموعة من التحديات العاجلة، التي وعد بمجابهتها خلال الحملة الانتخابية من أجل الانتقال بالبلاد إلى مرحلة جديدة.
أول هذه التحديات هو العمل على صياغة مشروع دستور جديد يرسّخ أسس نظام ديمقراطي شفاف، يعتمد على الشرعية الانتخابية، ويحدّ من صلاحيات الرئيس نفسه لتفادي سيطرة الرئاسة على المؤسسات السياسية مثلما كان الحال مع الرئيس المخلوع بليز كامباوري، الذي استحوذ على الحكم وبسط هيمنته على مختلف مؤسسات ومرافق البلاد لمدّة 27 عاماً قبل أن تطيح به انتفاضة شعبية عارمة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
وتبدو مهمة كابوري في هذا الشق حاسمة لكونه كان بداية من المقرّبين للرئيس المخلوع كامباوري وملمّاً بتفاصيل تحوّل النظام إلى مؤسسة ديكتاتورية، والأدوات التي تم استخدامها من أجل تحقيق ذلك، خصوصاً عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء، وهذا ما عكسه في تصريح له مباشرة بعد إعلان فوزه في الانتخابات، قال فيه: "نحن لدينا تجربة كبيرة مع النظام السابق ونعرف كيف نستثمرها لتحسين الأمور".
وسيكون الرئيس الجديد مدعوماً في مواجهة هذا التحدي بعمدة واغادوغو السابق سيمون كامباوري، والجنرال السابق سليف ديالو، اللذين لعبا دوراً أساسياً في إجهاض المحاولة الانقلابية الأخيرة.
اقرأ أيضاً: بوركينا فاسو: نهاية انقلاب الأيام السبعة بفعالية أفريقية فرنسية
وكان كابوري انشق عن النظام السابق برفقة سيمون كامباوري وسليف ديالو عام 2012، بعدما قرر الرئيس المخلوع تعديل الدستور ليحكم البلاد في ولاية رئاسية جديدة بعد مرور 27 عاماً على حكمه.
ويكمن التحدي الثاني في إقامة مصالحة وطنية شاملة وطي ملفات العهد السابق التي لا تزال مثار خلاف ونزاع بين الفرقاء السياسيين في بوركينا فاسو رغم الجهود التي تم بذلها من قبل مسؤولي المرحلة الانتقالية. وتأتي في مقدّمة هذه الملفات قضية الزعيم والرئيس السابق توما سانكارا الذي قضى في عملية اغتيال عام 1987. وحتى الساعة، لا تزال عائلة سانكارا وعدد كبير من التيارات السياسية ومنظمات المجتمع المدني تطالب بالكشف عن ملابسات هذا الاغتيال وتحديد هوية مرتكبي الجريمة.
وهناك أيضاً قضية الصحافي ومدير تحرير صحيفة "المستقل" نوربير زانغو، الذي اغتيل في عهد الرئيس السابق كامباوري في ديسمبر/ كانون الأول عام 1998، وكان من أشدّ الشخصيات المعارضة تأثيراً آنذاك. وحتى الآن، لا يزال الغموض يحيط بملابسات اغتياله، رغم أن أصابع الاتهام وجّهت بقوة إلى فرانسوا كمباوري، شقيق الرئيس السابق.
وسيكون لزاماً على الرئيس الجديد أن يتعامل بشفافية ويتعاون مع منظمات المجتمع المدني التي تملك تأثيراً واسعاً على الرأي العام، وقد لعبت دوراً حاسماً في الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام كامباوري عام 2014 وأيضاً كانت السبب الرئيسي وراء فشل المحاولة الانقلابية ضد مجلس الحكم الانتقالي في سبتمبر/ أيلول الماضي.
أما التحدي الثالث، فيكمن في تحقيق نهوض اقتصادي يخرج البلاد من دوامة الأزمة التي تخنق اقتصاد البلاد الهش. وعلى الرئيس كابوري أن يعمل بمساعدة الحكومة على إعادة الثقة إلى أوساط المستثمرين المحليين والأجانب. إضافة إلى الحدّ من ظاهرة البطالة التي تطال الشباب خصوصاً في بوركينا فاسو. كما يتعيّن على الرئيس أن يدعم قطاع الخدمات العامة خصوصاً في مجالي الصحة والتعليم. ولهذا الشق الاقتصادي تأثيره المباشر على الشق الاجتماعي والسلم المدني والاستقرار السياسي، ذلك أن الشباب والطبقات الفقيرة هي التي كانت الوقود الأساسي في الانتفاضة التي أطاحت بنظام كامباوري.
ويسود نوع من الارتياح والتفاؤل بتحسّن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بوركينا فاسو نظراً لأن كابوري لديه تجربة اقتصادية مهمة، جاءت من عمله في منصب مدير مصرف بوركينا الدولي، حين لم يكن عمره قد تجاوز بعد 30 عاماً. كما أنه يحتفظ بعلاقات قوية مع الأوساط المالية والتجارية، وقد لعب هؤلاء دوراً كبيراً في نجاحه في الانتخابات الرئاسية. كما أنه يحظى بثقة كبيرة في أوساط المستثمرين الأجانب في أفريقيا وخارجها بفضل المناصب الرفيعة التي تبوّأها خلال الحكم السابق. ويجمع عدد من المراقبين للشأن الأفريقي على أن كابوري يتمتع بشخصية توافقية ومنفتحة، حتى لدى خصومه السياسيين ومنافسيه في الانتخابات الرئاسية، وهذا ما أتاح له حشد دعم رجال الاقتصاد والمعارضين والمثقفين والشباب وسكان الأرياف وشريحة واسعة من الموالين للنظام السابق، بالإضافة إلى القوى الإقليمية في أفريقيا والأسرة الدولية التي ترى في انتخابه عامل استقرار ومفتاحاً لنجاح عملية التحوّل الديمقراطي.
وسيكون أمام الرئيس الجديد تحدٍّ أخير يتمثّل في تأسيس علاقات إيجابية بين بلاده ومحيطها الأفريقي، خصوصاً جيرانها الستة، بنين وساحل العاج وغانا ومالي والنيجر وتوغو، في سياق يبدو فيه التحول الديمقراطي في بوركينا فاسو حالة استثنائية قد تنتقل عدواها إلى الجيران عبر صناديق الاقتراع وليس عبر الثكنات والانقلابات العسكرية.
اقرأ أيضاً: "الحرس" يقود انقلاب بوركينا فاسو قبيل الانتخابات