المنازل المفخّخة موت مؤجل يهدّد أهالي الأنبار

03 اغسطس 2016
قتل عشرات العائدين إلى منازلهم في الأنبار(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
يلفّ الموت مدن الأنبار (غربي العراق) من كل جانب ويتجوّل في أزقتها ومنازلها قابعاً في كل مكان بانتظار أن يفتك بأحدهم، من دون سابق إنذار، إذ لم يعد الموت بالرصاص والقذائف والصواريخ وحده يهدّد الأهالي، بل أصبحت منازلهم المفخخة هي الأخرى موتاً مؤجلاً ينتظرهم في كل لحظة. ومع البدء بترتيب أوراق النازحين لإعادتهم إلى مدنهم التي استعادت القوات العراقية السيطرة عليها، يبدأ قلق جديد يراود العائدين إلى منازلهم التي تم تفخيخها خلال المعارك التي دارت بين القوات العراقية وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أو خلال سيطرة التنظيم على تلك المدن العراقية.

ويتخذ تنظيم داعش من استراتيجية التفخيخ وسيلة لإعاقة تقدم القوات العراقية خلال المعارك وحرب الشوارع التي عصفت بمدن الأنبار في هيت، والرمادي، والفلوجة، أخيراً، والذي يشمل المنازل، والمباني، والشوارع. ولعلّ مدينة الرمادي التي استعادت القوات العراقية السيطرة عليها قبل نحو سبعة أشهر أخطر مثال على استراتيجية تفخيخ المنازل التي راح ضحيتها العشرات من الأهالي لدى عودتهم لمنازلهم بعد انتهاء المعارك، فيما لا تزال عشرات المنازل الأخرى مفخخة ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منها.

زيد الكبيسي (29 عاماً) أحد النازحين من مدينة الرطبة، غربي الأنبار، عاد إلى منزله تاركاً عائلته على أمل أن يجده على ما هو عليه، بعد معارك وقصف شديد هدم عشرات المنازل. لم يكن زيد يعلم ما ينتظره وكان فرحاً بوصوله ورؤية منزله الذي فارقه قبل عامين. وبعدما زار عدداً من أصدقائه وجيرانه توجه إلى منزله، وما إن فتح الباب ودخل حتى انفجر المنزل بالكامل ليُقتل على الفور. لم يكن زيد الوحيد ضحية المنزل المفخخ، إذ وقع عشرات آخرون في الرمادي والرطبة وهيت ضحية تفخيخ منازلهم في وقت تقول فيه الفرقة الهندسية المتخصصة بتفكيك المتفجرات إنها تواصل تفكيك المنازل المفخخة لكنها تحتاج إلى وقت طويل.



ويوضح مصدر متخصص في تفكيك المتفجرات من فرقة الجهد الهندسي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "داعش" قام بتفخيخ المنازل بطريقة خطيرة للغاية. كل شيء مفخخ بدءا من الأبواب والشبابيك وحتى الأجهزة الكهربائية، والأرضيات، وحنفيات المياه، والثلاجات، ومبردات الهواء. ويضيف المصدر أنهم "مستمرون بتفكيك المنازل وهو أمر يحتاج لوقت طويل، ونقضي أحياناً 4 ـ 6 ساعات بتفكيك المنزل، بحسب نوع التفخيخ. لكن المشكلة أن الكثير من المنازل مفخخة بطريقة معقّدة ولا نعرف كيف نصل إلى مكان المتفجرات أو الأسلاك المتصلة بها، فضلاً عن الفخاخ التي نسميها بمصائد المغفلين، فهي مخفية ولا يمكن التعرف عليها بسهولة".

وانفجرت عشرات المنازل بخبراء المتفجرات التابعين لفرقة الجهد الهندسي خلال عمليات تفكيك المنازل، راح ضحيتها عشرات العناصر من قوات الأمن العراقية ومتخصصون بتفكيك المتفجرات. وتعد الوسائل البدائية في كشف المتفجرات وتفكيكها أحد الأسباب الرئيسية في تأخر تفكيك المنازل المفخخة، إذ يعتمد المتخصصون على بعض الوسائل المتاحة كالمعدات الكهربائية البسيطة من دون دروع خاصة ضد المتفجرات أو أجهزة كشف حديثة.

وأثارت قضية انفجار المنازل المفخخة بالأهالي في مدينة الرمادي خلافاً سياسياً حاداً بين مسؤولي الأنبار واتهامات متبادلة عقب الدعوة التي وجهت للأهالي للعودة إلى المدينة بعد استعادتها من قبل القوات العراقية. ولدى عودة الأهالي بعد دعوة وجهها لهم رئيس الوقف السني، عبد اللطيف هميم، قتل العشرات منهم بمجرد دخول منازلهم، ما دفع مجلس الأنبار لتحميل الهميم مسؤولية مقتلهم. واعتبر المجلس في بيان صدر، في إبريل / نيسان الماضي، أن دعوة الأهالي للعودة إلى الرمادي كانت متسرعة وهي المدينة التي تعرضت لأكبر كمية من التفخيخ بين مدن الأنبار.

وصنّفت الأمم المتحدة مدينة الرمادي (مركز الأنبار) بأنها "الأكثر تلوثاً في العالم"، بسبب كمية المتفجرات وعدد العبوات الناسفة المزروعة في المنازل والشوارع والبنايات العامة والدوائر، والتي فاقت 200 ألف عبوة ناسفة، بحسب مجلس المدينة. والأمر ذاته ينطبق على كل مدينة تستعيدها القوات العراقية، إذ يدخل العائدون في رحلة خوف جديدة من انفجار منازلهم التي لا يعرفون إن كانت مفخخة إلا بعد انفجارها.