انطلقت المملكة المتحدة في رحلة تحديد موقعها المستقبلي في الاتحاد الأوروبي، مع بدء الحملات الرسمية يوم الجمعة، لحشد الرأي العام للتصويت إما بـ"نعم" أو "لا" في ما يخص مستقبل العلاقة بين المملكة ومجموعة الدول الـ27 المنضوية تحت راية الاتحاد الأوروبي، والتي ستنتهي باستفتاء شعبي في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران المقبل حول بقاء بلاده داخل الاتحاد، أو الانسحاب منه. ولا يختلف مؤيدو بقاء بريطانيا في الاتحاد عن معارضيهم في كون القرار، الذي سينتهي إليه استفتاء يونيو/حزيران المقبل، واحداً من أهم القرارات "في حياة البريطانيين"، كما وصفه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في أكثر من مناسبة.
وبينما يدعو حزب "الاستقلال" اليميني، منفرداً، إلى انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تؤيد الأحزاب الأخرى، وفي مقدّمتها حزب العمال، البقاء في الاتحاد. وأعلن زعيم حزب العمال، جيريمي كوربين، أنه الآن من المؤيدين لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. أما الوزيرة الأولى في اسكتلندا وزعيمة الحزب القومي الاسكتلندي، نيكولا ستورجيون، فقد دعت البريطانيين إلى التصويت من أجل بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
في غضون ذلك، يبدو الرأي العام البريطاني لغاية الآن، متردداً ومُنقسماً بشأن مصير بلاده في الاتحاد الأوروبي، وقد أظهرت كل استطلاعات الرأي التي جرت منذ سبتمبر/أيلول الماضي، أن حوالى 51 في المائة يؤيدون البقاء في الاتحاد، يقابلهم 49 في المائة ممن يعارضون ذلك. وتشير تحليلات واستطلاعات الرأي التي أجريت خلال الأيام القليلة الماضية، إلى تضرر معسكر المؤيدين للاتحاد الأوروبي بعد تراجع مصداقية ديفيد كاميرون على خلفية فضيحة "أوراق بنما"، واعترافه بامتلاكه سابقاً حصة في صندوق "بليرمور الاستثماري"، وقد استفاد معارضوه في توظيف ذلك للتشكيك في مصداقية كل ما يقوله كاميرون حول فوائد البقاء في الاتحاد الأوروبي. وتُظهر استطلاعات الرأي العام الأخيرة تراجع ثقة البريطانيين في كاميرون ثماني نقاط مئوية إلى 21 في المائة، منذ استطلاع أجري في 21 و22 فبراير/شباط الماضي.
ويحظى الاستفتاء حول مصير بريطانيا في الاتحاد الأوروبي باهتمام عالمي، ودخلت الولايات المتحدة في الجدل، إذ أعلن البيت الأبيض الخميس الماضي أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، سيدعو خلال زيارة إلى لندن الأسبوع المقبل، إلى بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وذكر مستشار الرئيس الأميركي، بن رودس، أن أوباما سيقول بوضوح إن "هذا القرار خاصٌّ بالمملكة المتحدة" لكنه "سيكون أيضاً مباشراً وصريحاً للغاية إذ سيوضح، بصفته صديقاً، لماذا تعتبر الولايات المتحدة أنه من المناسب للمملكة المتحدة البقاء في الاتحاد الأوروبي".
كما دخل المرشح الجمهوري المحتمل لانتخابات الرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، على خط الاستفتاء البريطاني، معبّراً عن اعتقاده بأن بريطانيا ستختار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بسبب مشكلة الهجرة. وقال ترامب في مقابلة مع تلفزيون "آي تي في" البريطاني: "وسط حالة الجنون هذه الجارية مع الهجرة، وتدفق الناس من كل حدب وصوب، أعتقد أن بريطانيا ستنفصل في نهاية الأمر عن الاتحاد الأوروبي".
أما وزراء مالية دول مجموعة العشرين، فاعتبروا في ختام اجتماع في واشنطن، يوم الجمعة الماضي، أن خطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يلقي بعبئه على الاقتصاد العالمي، الذي يعاني أساساً من "الغموض". وقال وزراء مالية العشرين قبل نحو شهرين ونصف الشهر من الاستفتاء، إن "صدمة خروج محتمل للمملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي، يُعقّد وضع الاقتصاد العالمي".
من جهته، قال صندوق النقد الدولي، إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يسبّب أضراراً خطيرة إقليمية وعالمية. وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، إن الصندوق يرى في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "أحد المخاطر الكبيرة في أفق النمو العالمي". كما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن الخبيرة السياسية الألمانية ورئيسة مكتب المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين، آلموت مولير، أن "فقدان بريطانيا الآن سيكون إشارة إلى العالم، بما فيه روسيا والصين، إلى تفكك الاتحاد الأوروبي"، مضيفة أن هذا الأمر يُعدّ تهديداً واقعياً، مهما كانت نتائج الاستفتاء.