تكشف تحديات البشرية لتفشي وباء كورونا وجهين متناقضين للتضامن الإنساني والشفافية من جهة، والإنكار والتجهيل لدى أنظمة شمولية من جهة أخرى. والمحصلة مردود كارثي على ملايين الناس، في ظلّ الاستخفاف بقيمة المواطن "المحلي". في القاهرة، وعلى الرغم من إصابة ووفاة نخب عسكرية محيطة برأس النظام عبد الفتاح السيسي، يظل نشر التخلف والاستخفاف بأرواح الناس مقصودين، بدءاً بكرنفالات "لا شيء يؤثر فينا"، إلى قتل الفيروس بالشاي، والتذكير بمِنَّة "بطاقات التموين". والأفظع، وسط احتقار العلم والعقول، استغلال خوف الناس للتكسب، بمنافذ بيع عسكرية لمعقمات ومنظفات، في عملية ممتدة لعسكرة العقل، للرضوخ بامتنان لـ"جمهورية العسكر" شقيقة "شبه الدولة". ومع أن حليف السيسي في باريس قرر إطلاق سجناء، دَرْءاً للوباء، فنظام القاهرة وأذرعه الإعلامية يزدريان كل مطلب حقوقي لإطلاق المعتقلين السياسيين والمخفيين قسراً. ولتجميل وجه العسكريتاريا جُمعت من أسواق "شبه الدولة" الكمامات والمواد الطبية، التي يحتاجها المصريين، لترسل إلى إيطاليا.
في ذات الاتجاه الشمولي يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الباحث عن رئاسة أبدية على الطريقة السوفييتية والعربية، تسويق حرصه على أوروبا، فيما رئيس "الشقيقة" السلافية، صربيا، ألكسندر فوتشيتش، كاد يبكي وهو يقبل علم الصين، لدى استقبال طائرة طاقم طبي أرسلته بكين، بعد خذلان الاتحاد الأوروبي له. ومن راقب منحنى هذا "الحرص"، منذ تدفق اللاجئين السوريين إلى القارة في 2015، وقنابله وبراميل الأسد تقتلهم وتهجرهم، وملاحقتهم بأكاذيب وإشاعات حتى برلين، يعرف أن هذه "الإنسانية" مع إيطاليا ليست بعيدة عن دعائية تجميل قبح السياسة، ومراكمة لحصاد مستقبلي. ولا تتحرج الأوليغارشية الروسية، في سبيل ذلك، تعزيز العلاقة ودعم أجنحة اليمين القومي المتطرف، وفتح نوافذ مع حركات فاشية ونازية جديدة، في استوكهولم وبرلين وفيينا وروما، وبقية القارة.
وبعيداً عن تكرار المتحدثين باسم الكرملين والخارجية، ديمتري بيسكوف وماريا زاخاروفا على التوالي، لازمة "فوبيا روسيا"، بسبب انتقادات رؤساء تحرير صحف وساسة يساريين في غرب وشمال أوروبا لسياسات بوتين، الداخلية والخارجية، وبينها قمعه المعارضة والصحافة وضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية، ومنهجية بث الأخبار الكاذبة والشائعات، حتى مع وباء كورونا، فمقاصد رجالات الكرملين واضحة الهدف: إضعاف الاتحاد الأوروبي. فـ"إنسانية" الكرملين في سورية التي لم تستثنِ، بسياسة الأرض المحروقة، مستشفيات وتجمعات مدنية، والمساهمة مع مرتزقة طائفيين بتطهير سكاني، واستمراره مد نظام دمشق بأوكسجين الحياة، تريد في صورتها البائسة إقناعنا أنها أكثر تطوراً وتحضراً من الغرب.