يُقال: "إذا اردت أن تقتل أمراً ما، شكّل له لجنة"، أما في بريطانيا، فيصح القول: "إذا أردت قتل لجنة، ادفن تقريرها". وينطبق القول الثاني إلى حدّ بعيد على معالجة الحكومات البريطانية لتقارير لجان شُكّلت للتحقيق في ملفات ساخنة. فمنذ أشهر تراوغ حكومة رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، في نشر نتائج تقرير اللجنة التي أمر بتشكيلها رئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، للتحقيق في مصادر تمويل المتطرفين في بريطانيا. ورغم انتهاء اللجنة من إعداد تقريرها، وتسليمه للحكومة في الربع الأخير من العام الماضي، إلا أن وزيرة الداخلية، أمبر رود، ترفض نشر نتائج التحقيق "لأسباب تتعلق بالأمن القومي"، كما قالت في بيان مكتوب للبرلمان. الأوساط البريطانية لا تجد مبرراً لعدم نشر التقرير، سوى محاولة الحكومة "حماية حليفتها السعودية"، ذلك أن ما تسرّب من التقرير يشير إلى دور الرياض في تمويل متطرفين في بريطانيا.
وفي مثال آخر، انتظر الرأي العام البريطاني سنوات، قبل نشر الحكومة نتائج عمل لجنة التحقيق التي شُكلت في عام 2009، برئاسة السير جون تشيلكوت، للتحقيق في مُبررات مشاركة رئيس الوزراء الأسبق توني بلير في غزو العراق في عام 2003. وبعد 7 سنوات من التحقيق، وإعداد تقرير من 2.6 مليون كلمة مطبوعة، تمّ إثبات أن بلير ضلّل الرأي العام البريطاني، وضلّل نواب الشعب، إلا أن اللجنة لم تصل إلى حد إدانته بشكل صريح.
تقرير آخر تلكأت الحكومة البريطانية في نشر نتائجه، ويتعلق بعمل لجنة التحقيق التي شُكّلت في عام 2014، برئاسة السفير البريطاني السابق في السعودية، سير جون جينكينز، للتحقيق في أنشطة تنظيم الإخوان المسلمين، ومدى تأثيرها على المصالح الوطنية للمملكة المتحدة. ورغم نشر نتائج التحقيق بشكل موجز، في ديسمبر/كانون الأول 2015، إلا أن صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أرجعت تلكؤ الحكومة في نشر تقرير اللجنة بشكل مفصّل "للخلافات داخل الحكومة بسبب نتائجه، وخوفاً من غضب السعودية والإمارات"، التي كانت وراء تشكيل لجنة التحقيق، على أمل إدانة تنظيم الإخوان المسلمين، وبالتالي حظره في بريطانيا بوصفه تنظيماً إرهابياً. وهو الأمر الذي لم يرد في خلاصات أو توصيات تقرير لجنة جون جينكينز.