وبقطع النظر عما انتاب النواب من حالات توتر شديدة، فإن مضامين الخلاف هي الأهم، وتحمل أكثر من رسالة واستنتاج سياسي قد تكون له انعكاسات على مستقبل المشهد في تونس، وتؤشر على حلقات أخرى من الخلاف قد تكون أشد عنفاً في المعارك المقبلة.
وكانت جلسة السبت الماضي بالخصوص مثيرة للقراءة، إذ غيرت المشهد البرلماني بالكامل، وتحولت كتلة حركة النهضة إلى كتلة معارضة إلى جانب الجبهة الشعبية اليسارية في مواجهة أحزاب نداء تونس ومشتقاته وآفاق تونس والوطني الحر وبقية مكونات الائتلاف، بسبب الخلاف حول التمديد من عدمه لهيئة الحقيقة والكرامة.
هذا الخلاف أثبت أن القطيعة بين الحزبين، النهضة والنداء، لا رجعة فيها وهي تتأكد اليوم وستتأكد في المستقبل مع تغيير طريقة الاقتراع داخل البرلمان بسبب المحكمة الدستورية، وخارجه مع تغيير النظام الانتخابي، وستتبين بوضوح مع تشكيل الحكومة الجديدة أو إدخال تعديلات على الحكومة الحالية. وستبدأ في تونس مرحلة سياسية جديدة يُعاد فيها توزيع الأوراق، لكن المشكلة بالنسبة إلى التونسيين أن كل هذا يأتي مرة واحدة وبشكل متزامن وسيُطلب منهم أن يتفهموا ويتفاعلوا إيجابياً مع هذه الفوضى السياسية الكبيرة التي تتغير فيها المعطيات بسرعة وكأنها عاصفة أو زلزال. وإذا ما أضفنا عليها غلاء الرغيف وبطالة الشباب وتكديسهم في المقاهي، فإن الفوضى قد تعصف بالجميع. لكن طالما أن الأمور تبقى سلمية فسيتحمل التونسيون، وهم الذين اعتادوا على تقلب أهواء زعمائهم، وكل ذلك من أجل حريتهم، ثمرة ثورتهم.