تلقى التحرك المشترك لكل من إسرائيل وإدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الهادف لمحاصرة "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" (BDS) داخل الولايات المتحدة، بوصفها "نمطًا من أنماط معاداة السامية"، ضربة قوية، بعدما تبيّن حجم الدور الذي تلعبه النخب اليهودية الأميركية في دفع أجندة الحركة ودعم أنشطتها.
ومما زاد الأمور تعقيدًا بالنسبة لحكومة بنيامين نتنياهو، والمنظمات اليهودية الأميركية المساندة لها، حقيقة أن تراجع مستوى تشرّب الأفكار الصهيونية لدى قطاعات واسعة من اليهود الأميركيين يقلص من فرص الاستفادة من الجالية اليهودية في مواجهة (BDS)، إذ مثل المؤتمر المؤيد لـ(BDS)، الذي تنظمه حاليًّا منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام" (Jewish Voice for Peace)، اليهودية الأميركية المعروفة بـ"JVP"، والذي انطلقت أعماله في مدينة "شيكاغو"، نقطة تحول فارقة في دور اليهود الأميركيين في دعم أنشطة الحركة.
ويعد المؤتمر الذي تنظمه منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام" التظاهرة الأضخم من حيث استقطاب نخب يهودية وازنة، مشيرة إلى أن 1000 شخصية حضرت هذا المؤتمر، الذي انعقد على مدى ثلاثة أيام، ويفترض أن ينهي أعماله اليوم الأحد.
ومما أثار حفيظة إسرائيل والدوائر اليهودية المؤيدة لها في الولايات المتحدة حقيقة أن المؤتمر استضاف المناضلة الفلسطينية رسمية عودة، الناشطة السابقة في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، والتي حكمت عليها محكمة إسرائيلية، عام 1970، بالسجن المؤبد لضلوعها في تنفيذ عملية تفجيرية في القدس المحتلة، حيث أمضت في السجن عشر سنوات، وأطلق سراحها في صفقة تبادل أسرى مع "الجبهة".
وقد صبّ وزير الأمن الداخلي والشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، جلعاد أردان، جام غضبه على منظمي المؤتمر، لأنه تمت استضافة عودة لتكون المتحدثة الرئيسة في المؤتمر.
ونقل موقع صحيفة "جيروزلم بوست"، اليوم الأحد، عن أردان، المكلف من قبل الحكومة الإسرائيلية بإدارة المواجهة ضد "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات"، وصفه للمؤتمر بأنه: "مؤتمر للكراهية، ويمثل خطوة متقدمة في الحملة الهادفة لنزع الشرعية عن إسرائيل ومقاطعتها"، مستهجنًا أن يتم تنظيم المؤتمر من قبل منظمة يهودية.
لكن المديرة العامة لـ"الصوت اليهودي من أجل السلام"، ربيكا فيلكمرسون، اعتبرت أن تفوهات أردان مجرد "هجوم سياسي يهدف إلى تجريم المؤتمر، من منطلق رفض التعبير عن المواقف السياسية تجاه سلوك إسرائيل"، مشيرة إلى أن هجوم المسؤولين الإسرائيليين والدوائر اليهودية الأميركية على "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" يعكس الإحباط من تنامي الدور اليهودي في تبني ودعم أفكار الحركة.
ونقلت "جيروزلم بوست" عن فيلكمرسون قولها إنه كلما تعاظمت أنشطة حركة المقاطعة الدولية عبّرت الحكومة الإسرائيلية عن قلقها من دور الحركة في دعم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، مشيرة إلى تطور "حركة المقاطعة" المتواصل.
وعبرت فيلكمرسون عن ارتياحها من النجاحات التي حققتها الحركة، والتي تمثلت في تقبل أفكار المقاطعة لدى قطاع من الكنائس والجامعات والمجالس المحلية والمؤسسات الثقافية، مشددة على أن هذه النجاحات حولتها إلى "حركة عالمية".
ومما يثير الحساسية والإحباط داخل إسرائيل من دور "حركة المقاطعة"؛ حقيقة أنه قد تبين أن الحركة تلعب دورًا في دفع الأميركيين لتبني مواقف معارضة للمشروع الاستيطاني اليهودي. إذ بحسب دراسة أجراها معهد "بروكينغز"، أخيرا، فقد تعاظم الاستقطاب داخل الولايات المتحدة بشأن الاستيطان اليهودي.
وأشارت الدراسة إلى أن 60% من مصوتي الحزب الديمقراطي يطالبون بفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل بسبب التوسع الاستيطاني.
من ناحيته، قال الكاتب اليهودي الأميركي اليميني، توبيا تننبوم، إن اضطلاع عدد كبير من النخب اليهودية الأميركية بدور في أنشطة "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" يرجع، بشكل خاص، إلى تراجع ارتباط قطاعات واسعة من اليهود الأميركيين بالأفكار الصهيونية.
وفي مقال نشرته أول من أمس صحيفة "ميكور ريشون" الإسرائيلية اليمينية، أوضح تننبوم أن عددًا من أكثر الداعمين لحركة المقاطعة الدولية في جامعة "كولومبيا" هم من اليهود، مشيرًا إلى أن تبنّي الشباب اليهودي الجامعي مواقف غير صهيونية بات ظاهرة جديدة.
لكن ما تقدم يجعل حكومة اليمين المتطرف تواصل الرهان على دور التعاون مع إدارة ترامب في محاصرة الحركة، فقد ذكر موقع صحيفة "إسرائيل اليوم" أن مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، كانت وراء المؤتمر الذي نظمه مندوب إسرئيل في الأمم المتحدة، داني دانون، ضدها داخل أروقة الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، مشيرة إلى أن المؤتمر حضره 2000 شخص.
ولفتت الصحيفة إلى أنه نظرًا للدور الذي قامت به هايلي في دعم المؤتمر، فقد استضافها الليلة الماضية دانون في منزله في نيويورك، بحضور قادة المنظمات اليهودية الأميركية، لشكرها على دورها في مساعدة إسرائيل على مواجهة الحركة.