وباء كورونا دحض كل التحليلات التي كانت تقرّ بصعوبة استمرار الائتلاف حتى موعد الانتخابات البرلمانية العامة المقبلة المقررة عام 2021. ومع إطلاق برنامج الطوارئ، والإجراءات والتدابير الاحترازية الضرورية، باتت حكومة ميركل محلّ ثناء وتقدير من قبل الجميع، وهناك رضا على التفاهمات السياسية والخطوات العملية التي تم اعتمادها، الأمر الذي تُرجم أخيراً بارتفاع شعبية الأحزاب الحاكمة في استطلاع للرأي أجراه معهد "فورسا" لصالح تلفزيونَي "ار تي ال" و"ان تي في".
ويشير الاستطلاع إلى أن الحزب الاشتراكي الذي كان يرفض التعاون المتجدد مع ميركل وحزبها في الحكم بعد الانتخابات التي جرت عام 2017، تحسن بنقطة واحدة وحصل على 16%، فيما نال الاتحاد المسيحي 36%، وهذا المستوى لم يتمكن من تسجيله منذ الانتخابات البرلمانية العامة في 2017. أما الأبرز، فكان تراجع حزب الخضر 3%، ونيله 17% فقط من الأصوات، وهذا أدنى مستوى له منذ سبتمبر/أيلول 2018. ووفقاً لـ"فورسا"، فإن تقدّم الأحزاب المذكورة يعزى بشكل أساسي لأزمة كورونا، والتي تُعدّ حالياً أهم مشكلة بالنسبة لحوالي 68% من المواطنين، وهذا ما يؤشر إلى أن الوباء المرضي كان دواءً سياسياً للأحزاب التقليدية في ألمانيا.
وتبيّن التقارير، بينها ما ذكرته صحيفة "هاندلسبلات"، أنّ ما تم تحقيقه في ألمانيا لمواجهة الأزمة مع القطاع الصحي مثلاً، تم الإعداد له بشكل جيد، على الرغم من بعض النقص في بعض المواد الطبية، فعلى سبيل المثال يوجد حالياً 34 سريراً للعناية المركزة لكلّ 100 ألف مواطن، وهذا جيد بالمقارنة مع إيطاليا التي جهزت 11 سريراً واليونان 6 أسرة. فضلاً عن ذلك، فإن إجراء أكثر من نصف مليون فحص من عمليات التشخيص المخبرية في الأسبوع كان سبباً في قلة الوفيات مقارنة بعدد المصابين، علماً أن ألمانيا بدأت الاختبار قبل غيرها من الدول المتضررة من الوباء، وهو ما أوضحه، صباح اليوم الجمعة، الباحث في علم الفيروسات في مستشفى شارتيه، المستشار الحكومي كريستيان دروستن، خلال مؤتمر صحافي عقد في برلين. مع العلم أن حزمة الدعم سيبدأ تنفيذها مبدئياً اعتباراً من إبريل/نيسان المقبل، بعد مصادقة البوندسرات (المجلس التشريعي) عليها، اليوم الجمعة، وهي ستخفف من العواقب الهائلة التي سببها فيروس كورونا على الأفراد والشركات، حتى أن أحزاباً من المعارضة، كـ"الخضر"، و"اليسار"، و"الليبرالي الحر"، صوتت أخيراً في البوندستاغ لصالح هذه الإجراءات، والتي تجاوزت أرقامها ما تم اعتماده من سيولة خلال الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008.
وعليه، بات جلياً أن الرزمة التاريخية لدعم القروض ولحماية العائلات والمستأجرين والموظفين والعاملين لحسابهم الخاص، كما ورزمة الإنقاذ الكبيرة للعديد من الشركات في العديد من القطاعات، وأهمها الطبية والصحية، أعادت تعويم بعض القيادات الحزبية، بينهم نائب المستشارة وزير المالية الاتحادي أولاف شولز، الذي خسر انتخابات زعامة حزبه أخيراً.
وفي هذا المجال، يبرز المراقبون أن الخبرة التي يتمتع بها الوزراء وممثلو الأحزاب في الائتلاف، ومعايشتهم للعديد من الأزمات على مرّ السنوات الماضية، وأهمها أزمة 2008، أتت بثمارها، وجعلت الأمور تسير على نحو أفضل من أي وقت مضى، وتبين أن هناك فريق أزمات يقود التنسيق بشكل جيد.
إلى ذلك، ذكرت تقارير وتحليلات، وأهمها ما ذكرته شبكة "آيه أر دي" الإخبارية، أن ما ساهم، وبشكل جذري، بالقدرة على المواجهة في هذه الظروف الاستثنائية، يتمثل بالسياسة النقدية والمالية التي اتبعت خلال السنوات الماضية، وصحة عدم وجود عجز في الميزانية، والفائض الاحتياطي الموجود الذي يسمح للبلاد بتحمل اقتراض هائل، لا بل إن هناك دولا تحسد ألمانيا على المزايا التي تتمتع بها، بينها نظام العمل، والنظام الضريبي التصاعدي، والحكم من دون ضوضاء، وعلى عكس ما يفعل العديد من القادة في العالم أمثال الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أن المسؤولين في ألمانيا مدركون أن المعيار الأساسي للنجاح السياسي بالنسبة للمواطن، الدافع للضرائب والملتزم بالقوانين، هو كيفية الإدارة والتغلب على الأزمات، وتحديد المهمات والشعور بالمسؤولية، بدلاً من الإرباك والتلكؤ، وهذا ما استطاع الائتلاف الكبير تحقيقه حتى الآن في هذه المرحلة العصيبة.
وبالفعل يمكن لألمانيا أن تعلّم دروسها لجيرانها، وقد بينت الأزمة من يستطيع التخطيط والإدارة، وهذا ما ظهر في الممارسة.
في المقابل، لا يزال حزب "البديل" اليميني الشعبوي يكابر أمام المحن. فالسياسية عن الحزب بياتريكس فون ستورش اتهمت المستشارة بالتلكؤ في العمل، وبأنها في حالة من الخمول حتى تتفاقم الأزمة مثلما حلّ عام 2015 مع أزمة اللجوء، وهي تناشد رغبة المواطنين في تقديم التضحيات في غياب خطة واضحة. وبرزت تعليقات من حزبها أيضاً، تشير إلى أن البلاد ستشهد اضطرابات اقتصادية كبيرة في الأسابيع والأشهر المقبلة، وأنه يجب العمل على إجراءات، إذ لا تكفي المناشدات.
وبحسب المحللين، فان كل هذه الخطوات لا تعطي ألمانيا القدرة على التهاون في المستقبل، وعليها السعي للاستمرار بسياسة الدعم لشركاتها العملاقة، ومساندتها ببعض الضمانات والتحفيزات لزيادة قدرتها بشكل أفضل على إنتاج بعض السلع بكميات كافية بدلاً من الاستيراد من الخارج، مثل أجهزة التنفس والأقنعة الواقية. كذلك، عليها أن تساند جيرانها الأوروبيين في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، وعدم ترك الصين تهدّد التماسك داخل الاتحاد الأوروبي. والأهم، عدم الاكتفاء بالشكر لمن تمت تسميتهم بأبطال هذه الأزمة، كالأطباء والممرضين، وضباط الشرطة وموظفي مبيعات التجزئة، وسائقي حافلات النقل المشترك، وعمال النظافة، إنما دفع مكافآت سخية لهم، والسعي لرفع معدلات رواتبهم، لأن من دونهم كان كل شيء سينهار.