لا شيء يعكس حالة البلبلة في اليسار الإسرائيلي مثل محاولات حصر نتائج الانتخابات الإسرائيلية في التساؤل هل هي انتخابات على بنيامين نتنياهو وبقائه في الحكم، أم هي انتخابات بين معسكر اليمين ومعسكر اليسار؟ وتجلّت هذه البلبلة في محاولات تفسير حقيقة انتصار نتنياهو على حزب الجنرالات بقيادة الجنرال بني غانتس (كاحول لفان)، فقد ذهب ناحوم برنيع في "يديعوت أحرونوت"، (وهو يمثل فكرياً وسياسياً اليسار الوسطي، أي الجناح اليميني في حزب العمل)، إلى أن الشعب وللدقة "القبيلة قالت كلمتها. فقد انتصر نتنياهو ليس بعدة نقاط بل بضربة قاضية. الانتخابات كانت استفتاء شعبياً على استقامته وصلاحيته والحاجة إليه في الحكم. وقد قال الشعب كلمته".
في المقابل، حاول محلل الشؤون الحزبية في "هآرتس"، يوسي فيرتير، الذي يمثّل عملياً اليوم ما بقي من يسار ليبرالي في إسرائيل (يراوح بين حمائم حزب العمل وحركة ميرتس اليسارية)، تبسيط الأمور واختصارها في جملة بسيطة: "هذه الانتخابات لم تكن استفتاءً على بيبي (نتنياهو)، وإنما هي معركة انتخابية دارت رحاها بالأساس بين اليمين مقابل اليسار، والأول هو الأكبر".
هذا التخبّط بين تفسير الانتخابات على أنها استفتاء على نتنياهو، مقابل القول بمعسكرين، يعكس عملياً نقاشاً داخل معسكر اليسار بالأساس، الذي يحاول البحث عن مبررات تفسر فشل ثلاثة جنرالات بالانتصار على رئيس حكومة تلاحقه تهم الفساد ويمسك بمقاليد الحكم منذ 10 سنوات متتالية، ولا تنجح محاولات الإطاحة به من الحكم على الرغم من أن المصوّتين له لا ينفكّون يتذمرون من ارتفاع وغلاء الأسعار، مثلاً، والتوتر الأمني والعيش تحت الخوف الدائم من صواريخ "حماس"، وغياب الحسم.
وبالإضافة إلى محاولات تبسيط الأمور بين تنافس بين معسكرين، وبين استفتاء على شخص نتنياهو، فقد ذكر تحليل للكاتب أمنون لورد، في صحيفة "يسرائيل هيوم"، (يتبع لمعسكر نتنياهو، وتحديداً اليمين العلماني)، أن الموضوع الاجتماعي والاحتجاج ضد اليسار بكل ما يمثله، ليس فقط سياسياً وإنما اجتماعياً وثقافياً وتراثياً، هو المفتاح لفهم ما حدث، وأن انتصار نتنياهو "هو ضربة قاضية للمنظومة الإعلامية والجهاز القضائي، ويؤكد أكثر من كل شيء أن هناك دولة إسرائيل خارج منطقة غوش دان"، وهي التسمية الإسرائيلية لمنطقة تل أبيب وتمثّل منطقة جغرافية واسعة في وسط إسرائيل، تشمل بات يام جنوباً، وجفعاتيم ورمات غان شرقاً، وحتى مشارف هرتسليا شمالاً، وتُعتبر معقلاً لإسرائيل العمالية التاريخية. وباتت هذه المنطقة تمثّل في العقد الأخير القلب النابض لليبرالية المتحررة، مقابل إسرائيل التقليدية والمحافظة والمتديّنة التي تمتد في الأطراف جنوباً وتشمل البلدات والمدن التي أقيمت في جنوب إسرائيل والنقب لتوطين مئات آلاف اليهود العرب الذين تم جلبهم إلى إسرائيل، ولا سيما في أواسط الخمسينيات من دول شمال أفريقيا، وتحديداً المغرب وليبيا وتونس وحتى مصر، مع يهود العراق (وإن كان العراقيون بالذات وطّنوا بالأساس في رمات غان). إلى جانب القدس، المدينة الأكثر اكتظاظاً باليهود المتدنيين (الحريديم)، والمحافظين والتقليديين، والتي تُعتبر أقل المدن في إسرائيل انفتاحاً على الآخر، وتشهد باستمرار هجرة متواصلة للشرائح الاجتماعية العلمانية والشابة لصالح البلدات والمدن الجديدة، بما فيها مستوطنات جديدة أقيمت في العقدين الأخيرين على امتداد خط التماس مع الخط الأخضر الفاصل بين إسرائيل ما قبل 1967 وإسرائيل ما بعد 67، وسط طمس مقصود لحدود الخط الأخضر.
اقــرأ أيضاً
لكن السمة الأبرز في محاولات تحليل نتائج الانتخابات، سواء لدى برنيع أم يوسي فيرتير وحتى أمنون لورد، هو التحليل الاجتماعي الاقتصادي الإثني نفسه (الشرقيين مقابل الغربيين). ويصبح هذا التحليل الأبرز مع نشر برنيع مثلاً نسب التأييد التي حصل عليها نتنياهو في البلدات الجنوبية الشرقية: 43 في المائة في سدروت، 42 في المائة في عسقلان، ونحو 42 في المائة لصالح نتنياهو و"الليكود" في بلدات نتيفوت وأوفاكيم وديمونا، وهي البلدات التي "تصارع تحت أجواء التوتر الأمني وصافرات الإنذار". لكن برنيع يورد أيضاً نسبة التصويت المرتفعة لحزب "كاحول لفان" (بزعامة غانتس) واليسار في "الكيبوتسات" القريبة من غزة (القرى التعاونية الزراعية من تأسيس حركة العمال الإسرائيلية)، ليصل إلى القول إن هذا النمط من التصويت يؤكد أن عملية الاقتراع هي مسألة عاطفية بالأساس، فالمصوتون في كلتي الجهتين يصوتون على الرغم من تذمرهم من مختلف الأوضاع، وفق ميولهم العاطفية وانتماءاتهم الحزبية التي نشأوا عليها.
ويتفق هذا ما مع تنقله الكاتبة سيما كدمون في صحيفة "يديعوت"، عن مسؤول بارز في حزب "كاحول لفان"، لخّص الانتخابات ونتائجها بالقول إن المسألة ديمغرافية في صلبها: المستوطنون ينجبون بين 6 و7 أولاد، و8 و9 أولاد عند الحريديم، وهو ما كان سائداً في بلدات الجنوب وبلدات التطوير التي يقطنها بالأساس اليهود من أصول شرقية.
في المقابل، كان الكاتب ميخائيل توخفيلد، الوحيد الذي تحدث عملياً بلغة التحليل السياسي والأيديولوجي، ليخلص في قراءته لنتائج الانتخابات إلى القول: "يكمن أساس نجاح نتنياهو مجدداً، الذي هو أساس فشل خصومه، أولاً وقبل كل شيء في الأيديولوجيا الواضحة. نتنياهو هو عملياً أول زعيم ينجح في العقدين الأخيرين في تكريس مكانة إسرائيل كقوة سياسية عظمى على المستوى العالمي لا سابق لها من حيث قوتها، وذلك من دون أن يُجري مفاوضات مع العرب على تسليم أجزاء من أرض إسرائيل لهم، خلافاً للمفهوم الذي ساد لعشرات السنين، وقاده الطرف الآخر من الخريطة السياسية". وأضاف: "على مدى عشرات السنين، حذر اليسار في إسرائيل، من أنه بلا مفاوضات مع العرب ستكون دولة إسرائيل منبوذة تهددها المقاطعة السياسية. لقد أثبت نتنياهو أن هذه التهديدات فارغة المضمون وأنه لا يوجد سبب عملياً للتنازل عن أراضٍ لصالح العرب، واليوم يتم ذكر اسمه سوية مع قادة دول عظمى، مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وكل ذلك من دون أن يُجري ولو لدقيقة واحدة مفاوضات سياسية على مدار عقد كامل من السنوات".
وإذا كان هذا التحليل غير كافٍ، فإن الصحافي عميت سيغل، نجل الإرهابي المدان حجاي سيغل، والقريب من حزب "البيت اليهودي"، لفت الانتباه في "يديعوت أحرونوت" إلى نصيحة تلقاها قادة الحملة الانتخابية في حزب "كاحول لفان" حول حقيقة الفجوة الكامنة بين الجمهور الواسع في إسرائيل وبين السياسة الحزبية، ليبرز ما ذهبت إليه أبحاث اجتماعية سياسية في إسرائيل أكثر من مرة أن 10 في المائة فقط من الجمهور اليهودي في إسرائيل يُعرّف نفسه على أنه في اليسار، ونحو 30 في المائة يعرّفون أنفسهم بأنهم في الوسط، والباقي في صفوف اليمين على مختلف مشاربه وتياراته. وبحسب سيغل، فإن السياسة الحزبية لم تعكس هذا الواقع، إذ كان ممثلو اليسار في الكنيست أكثر من حجمهم الطبيعي في المجتمع، لكن حزب "كاحول لفان" وضع حداً لهذا الأمر واستبدل 12 نائباً يسارياً أيدوا في الماضي بقاء اللاجئين الأفارقة ورفضوا طردهم من إسرائيل، بـ12 نائباً يمينياً يؤيدون تشجيعهم على الهجرة من إسرائيل والعودة إلى أوطانهم. ولفت سيغل أيضاً إلى أن قادة "كاحول لفان" لم يتجرأوا طيلة المعركة الانتخابية على تحدي أو الاعتراض على أفكار اليمين وطروحاته، ومع ذلك فازوا بأصوات الوسط والمركز.
في المقابل، حاول محلل الشؤون الحزبية في "هآرتس"، يوسي فيرتير، الذي يمثّل عملياً اليوم ما بقي من يسار ليبرالي في إسرائيل (يراوح بين حمائم حزب العمل وحركة ميرتس اليسارية)، تبسيط الأمور واختصارها في جملة بسيطة: "هذه الانتخابات لم تكن استفتاءً على بيبي (نتنياهو)، وإنما هي معركة انتخابية دارت رحاها بالأساس بين اليمين مقابل اليسار، والأول هو الأكبر".
وبالإضافة إلى محاولات تبسيط الأمور بين تنافس بين معسكرين، وبين استفتاء على شخص نتنياهو، فقد ذكر تحليل للكاتب أمنون لورد، في صحيفة "يسرائيل هيوم"، (يتبع لمعسكر نتنياهو، وتحديداً اليمين العلماني)، أن الموضوع الاجتماعي والاحتجاج ضد اليسار بكل ما يمثله، ليس فقط سياسياً وإنما اجتماعياً وثقافياً وتراثياً، هو المفتاح لفهم ما حدث، وأن انتصار نتنياهو "هو ضربة قاضية للمنظومة الإعلامية والجهاز القضائي، ويؤكد أكثر من كل شيء أن هناك دولة إسرائيل خارج منطقة غوش دان"، وهي التسمية الإسرائيلية لمنطقة تل أبيب وتمثّل منطقة جغرافية واسعة في وسط إسرائيل، تشمل بات يام جنوباً، وجفعاتيم ورمات غان شرقاً، وحتى مشارف هرتسليا شمالاً، وتُعتبر معقلاً لإسرائيل العمالية التاريخية. وباتت هذه المنطقة تمثّل في العقد الأخير القلب النابض لليبرالية المتحررة، مقابل إسرائيل التقليدية والمحافظة والمتديّنة التي تمتد في الأطراف جنوباً وتشمل البلدات والمدن التي أقيمت في جنوب إسرائيل والنقب لتوطين مئات آلاف اليهود العرب الذين تم جلبهم إلى إسرائيل، ولا سيما في أواسط الخمسينيات من دول شمال أفريقيا، وتحديداً المغرب وليبيا وتونس وحتى مصر، مع يهود العراق (وإن كان العراقيون بالذات وطّنوا بالأساس في رمات غان). إلى جانب القدس، المدينة الأكثر اكتظاظاً باليهود المتدنيين (الحريديم)، والمحافظين والتقليديين، والتي تُعتبر أقل المدن في إسرائيل انفتاحاً على الآخر، وتشهد باستمرار هجرة متواصلة للشرائح الاجتماعية العلمانية والشابة لصالح البلدات والمدن الجديدة، بما فيها مستوطنات جديدة أقيمت في العقدين الأخيرين على امتداد خط التماس مع الخط الأخضر الفاصل بين إسرائيل ما قبل 1967 وإسرائيل ما بعد 67، وسط طمس مقصود لحدود الخط الأخضر.
لكن السمة الأبرز في محاولات تحليل نتائج الانتخابات، سواء لدى برنيع أم يوسي فيرتير وحتى أمنون لورد، هو التحليل الاجتماعي الاقتصادي الإثني نفسه (الشرقيين مقابل الغربيين). ويصبح هذا التحليل الأبرز مع نشر برنيع مثلاً نسب التأييد التي حصل عليها نتنياهو في البلدات الجنوبية الشرقية: 43 في المائة في سدروت، 42 في المائة في عسقلان، ونحو 42 في المائة لصالح نتنياهو و"الليكود" في بلدات نتيفوت وأوفاكيم وديمونا، وهي البلدات التي "تصارع تحت أجواء التوتر الأمني وصافرات الإنذار". لكن برنيع يورد أيضاً نسبة التصويت المرتفعة لحزب "كاحول لفان" (بزعامة غانتس) واليسار في "الكيبوتسات" القريبة من غزة (القرى التعاونية الزراعية من تأسيس حركة العمال الإسرائيلية)، ليصل إلى القول إن هذا النمط من التصويت يؤكد أن عملية الاقتراع هي مسألة عاطفية بالأساس، فالمصوتون في كلتي الجهتين يصوتون على الرغم من تذمرهم من مختلف الأوضاع، وفق ميولهم العاطفية وانتماءاتهم الحزبية التي نشأوا عليها.
ويتفق هذا ما مع تنقله الكاتبة سيما كدمون في صحيفة "يديعوت"، عن مسؤول بارز في حزب "كاحول لفان"، لخّص الانتخابات ونتائجها بالقول إن المسألة ديمغرافية في صلبها: المستوطنون ينجبون بين 6 و7 أولاد، و8 و9 أولاد عند الحريديم، وهو ما كان سائداً في بلدات الجنوب وبلدات التطوير التي يقطنها بالأساس اليهود من أصول شرقية.
وإذا كان هذا التحليل غير كافٍ، فإن الصحافي عميت سيغل، نجل الإرهابي المدان حجاي سيغل، والقريب من حزب "البيت اليهودي"، لفت الانتباه في "يديعوت أحرونوت" إلى نصيحة تلقاها قادة الحملة الانتخابية في حزب "كاحول لفان" حول حقيقة الفجوة الكامنة بين الجمهور الواسع في إسرائيل وبين السياسة الحزبية، ليبرز ما ذهبت إليه أبحاث اجتماعية سياسية في إسرائيل أكثر من مرة أن 10 في المائة فقط من الجمهور اليهودي في إسرائيل يُعرّف نفسه على أنه في اليسار، ونحو 30 في المائة يعرّفون أنفسهم بأنهم في الوسط، والباقي في صفوف اليمين على مختلف مشاربه وتياراته. وبحسب سيغل، فإن السياسة الحزبية لم تعكس هذا الواقع، إذ كان ممثلو اليسار في الكنيست أكثر من حجمهم الطبيعي في المجتمع، لكن حزب "كاحول لفان" وضع حداً لهذا الأمر واستبدل 12 نائباً يسارياً أيدوا في الماضي بقاء اللاجئين الأفارقة ورفضوا طردهم من إسرائيل، بـ12 نائباً يمينياً يؤيدون تشجيعهم على الهجرة من إسرائيل والعودة إلى أوطانهم. ولفت سيغل أيضاً إلى أن قادة "كاحول لفان" لم يتجرأوا طيلة المعركة الانتخابية على تحدي أو الاعتراض على أفكار اليمين وطروحاته، ومع ذلك فازوا بأصوات الوسط والمركز.