كثفت قوات النظام السوري وحلفاؤها هجماتهم على الأحياء الشرقية في مدينة حلب، التي تسيطر عليها قوات المعارضة، محرزة مزيدا من التقدم على الأرض من خلال سيطرتهم على أحياء جديدة في الشرق والجنوب الشرقي، وموقعين المزيد من القتلى في صفوف المدنيين النازحين من هول عمليات القصف. كما فقد النظام إحدى طائراته الحربية في سماء المدينة ما أدى إلى مقتل أحد الطيارين وفقدان الآخر.
في السياق، واصل الطيران الحربي والمروحي مهاجمة ما تبقى من مناطق تحت سيطرة مقاتلي المعارضة بالصواريخ الفراغية والبراميل المتفجرة، مستهدفاً المدنيين النازحين من مناطق الاشتباكات على أطراف الأحياء الشرقية وداخلها، خصوصاً في حي الشعار، ما أسفر عن مقتل ستة مدنيين وإصابة 12 آخرين. وقد شهدت أحياء محاصرة في حلب، موجة نزوح جديدة هرباً من الاشتباكات، في ظلّ مواصلة قوات النظام والمليشيات التقدم نحو أحياء طريق الباب وكرم البيك والميسر وكروم بري، وسط قصف مدفعي وصاروخي تشهده منطقة الاشتباكات. كما طاولت الغارات بالصواريخ الفراغية والمظلية أحياء السكري والفردوس والمغاير، في حين دارت اشتباكات عنيفة في أحياء الميسر والجزماتي وطريق الباب، بعد سيطرة قوات النظام على منطقة السكن الشبابي، شرق حلب. في المقابل، ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن "قوات النظام سيطرت مساء الجمعة ـ السبت على نحو 60 في المائة من الأحياء الشرقية من حلب"، في ظلّ غياب أي تأكيدات بذلك.
وذكرت مصادر محلية، أن "قوات النظام مدعومة بحركة النجباء العراقية تمكنت ليلة الجمعة - السبت، من السيطرة على حي طريق الباب، شرق حلب في جبهة المطار الدولي. وذلك بعد سيطرتها على حي الجزماتي القريب ومنطقة الحلوانية، إثر اشتباكات عنيفة مع المعارضة، أوقعت قتلى وجرحى من الطرفين. كما تقدمت في أجزاء من حي السكن الشبابي شرقاً، وفي منطقة البحوث العلمية على طريق دارة عزة، غرب حلب".
من جهته، أفاد عضو مركز حلب الإعلامي فراس بدوي لـ"العربي الجديد"، أنّ "قوات النظام سيطرت فقط على منطقة في أطراف حي طريق الباب، ولا تزال المعارك مستمرة في الحي، إضافة لمعارك عنيفة في حيي الجزماتي والحلوانية، إذ تحاول قوات النظام تأمين طريق المطار الدولي والمطار القديم". كما تواصلت المعارك على جبهات حي كرم الميسر وكرم الطراب والقاطرجي شرق حلب، وعلى جبهات حي الشيخ سعيد في جنوبها، وجبهات حلب القديمة في غربها.
وعلى الجانب الآخر، سقطت طائرة مقاتلة للنظام من طراز "لام ـ 39" في الجزء الشرقي من حلب نتيجة خلل فني، وذلك خلال شنّها غارة جوية في الأحياء المحاصرة. ونعت صفحات موالية تابعة للنظام السوري ضابطين طيارين، إثر تحطم الطائرة فوق حي قاضي عسكر، بالقرب من مستشفى العيون، مشيرة إلى أنهما "برتبة رائد ونقيب، ويتحدران من مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية، وقد عثرت قوات النظام على جثة أحدهما، ولا تزال الأخرى مفقودة". ولا تحمل الطائرة "لام ـ 39" أسلحة سوى رشاشٍ من عيار 31 ميليمتراً، وتحلّق عادة في الليل، مستهدفة مصادر الضوء، تحديداً أنوار السيارات. كما نعت مواقع النظام المصور الحربي حسن شريف جظة، وهو من بلدة نبل الموالية للنظام، الذي قُتل خلال تغطيته لمعارك الشيخ سعيد جنوب حلب. وجظة هو أحد عناصر "الإعلام الحربي" التابع لحزب الله.
في ريف حلب، أفاد المكتب الإعلامي في مدينة حريتان، أن "الطيران الحربي الروسي شنّ غارات عدة بقنابل عنقودية على مدن وبلدات حريتان، وعندان، وحيان، وكفر حمرة، ومعارة الأرتيق، ما أدى إلى أضرار مادية كبيرة. كما قصفت طائرات حربية وقوات النظام بشكل مكثف مناطق في ضهرة عبد ربه والليرمون بأطراف حلب، في حين نفذت مقاتلة روسية غارة جوية بصواريخ فراغية على الأحياء السكنية في بلدة أورم الكبرى بريف حلب، ما أسفر عن مقتل طفل وامرأة وإصابة أربعة أشخاص.
وأشار مركز حلب الإعلامي، إلى أن "الطيران الحربي استهدف بالصواريخ بلدة كفرناها في ريف حلب الغربي، في حين تعرضت بلدات عندان وحيان وبيانون في ريف حلب الشمالي، لقصف مدفعي مصدره قوات النظام في معرسته الخان والطامورة وبلدتي نبل والزهراء".
في إدلب، استهدف الطيران الحربي بلدتي فيلون وكورين، جنوب المدينة، بسلسلة من الغارات الجوية صباح أمس، بينما ألقت طائرة "يوشن" عسكرية، مظلات محملة بصناديق، يُعتقد أنها تحوي ذخائر وسلاحاً لقوات النظام داخل بلدتي كفريا والفوعة شمال إدلب.
وقد أثار التقدم الجديد الذي أحرزته قوات النظام شرق حلب، تساؤلات في أوساط المتابعين بشأن مدى قدرة "جيش حلب" الذي تشكل قبل أيام على صدّ هجمات قوات النظام عن الأحياء المتبقية بيد المعارضة في المدينة. وكانت الفصائل الموجودة في حلب أعلنت يوم الخميس، عن حلّ نفسها جميعاً، وتشكيل "جيش حلب" ليتولى الدفاع عن المدينة في وجه قوات النظام والمليشيات التي تقاتل معها. وتم تسمية المسؤول في الجبهة الشامية أبو عبدالرحمن نور قائداً عاماً لهذا الجيش، وأبو بشير معارة مسؤولاً عسكرياً له.
وكشفت بعض المصادر أن "جيش حلب يتكون من مقاتلين سابقين من نحو 20 فصيلاً، أبرزها حركة أحرار الشام والجبهة الشامية وجيش الإسلام وجند الشام وحركة نور الدين الزنكي والحزب الإسلامي التركستاني ولواء الحق وفيلق الشام وجبهة أنصار الدين. بالإضافة لفصائل الجيش الحر مثل الفرقة 13 والفرقة الشمالية والفرقة الوسطى وجيش التحرير وجيش المجاهدين وجيش النصر وتجمّع فاستقم كما أمرت وفرقة السلطان مراد وكتائب الصفوة ولواء صقور الجبل". أما الفصيل الأكثر إشكالية في هذا الجيش فهو حركة فتح الشام (النصرة سابقاً)، التي ذكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في تصريحات له يوم الجمعة، أن "عدد مقاتليها في حلب يتجاوز الـ1500 شخص"، مدعياً أنهم "يهيمنون على بقية المقاتلين" الذين قدّر عددهم بـ 6000 مقاتل. من جهته، قدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان، عدد المقاتلين في شرق حلب بحوالي 15 ألف عنصر، بينهم 400 من "جبهة فتح الشام".
إلى ذلك، رأى نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، عبد الأحد اسطيفو، أن "الحملة العسكرية التي يقودها نظام الأسد وروسيا والمليشيات الإيرانية، فشلت في تحقيق أهدافها بالسيطرة على مدينة حلب، على الرغم من جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحق المدنيين". وأضاف في بيان، أن "النظام وروسيا وإيران لم يحققوا ما بدأوا من أجله في حلب. وأن روسيا اليوم في ورطة تريد الخروج منها".
إنسانياً، أعلن المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة استيفان دوغريك، في مؤتمر صحافي بمقر المنظمة الدولية بنيويورك، مساء الجمعة، أن "الشاحنات المحملة باللوازم الإنسانية مستعدة لتقديم المساعدة الإنسانية في شرق حلب، انطلاقاً من غرب المدينة وتركيا".
وأضاف أن "الأمم المتحدة وشركاءها في المجال الإنساني، يقومون بتسريع وتيرة المساعدة الإنسانية في حلب والاستجابة إلى احتياجات النازحين الجدد في جميع المناطق التي يمكن الوصول إليها"، مشيراً إلى أنه "جرى نشر ثلاثة فرق من العاملين الأمميين لتقييم احتياجات النازحين الجدد الذين وصلوا من شرق حلب".
وكشف دوغريك تقارير عن احتجاز الأشخاص الذين يعبرون إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، في حين لقي 45 شخصاً مصرعهم جراء القصف الذي تعرضوا له في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بينما كانوا يحاولون العبور إلى غرب حلب.