يثير اعتداء تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" على الجيش الجزائري غربي البلاد، يوم الجمعة الماضي، مخاوف من أن يستعيد التنظيم نشاطه بعد نحو سنتين من توقّفه إثر ضربات تلقاها من الجيش.
الهجوم الذي تبنّاه تنظيم "القاعدة"، استهدف موكباً عسكرياً كان في طريقه إلى الثكنة العسكرية المتواجدة في منطقة تيفران في بلدية طارق بن زياد، وللقيام بعملية تمشيط في المنطقة الجبلية في ولاية عين الدفلى الواقعة على بُعد 160 كيلومتراً غربي العاصمة الجزائرية، مساء الجمعة، ما أدى إلى مقتل تسعة من جنود الجيش وإصابة اثنين آخرين، بحسب حصيلة رسمية.
وأوضحت وزارة الدفاع الجزائرية، في بيان لها، أن "الجنود تعرضوا لإطلاق نار من مجموعة إرهابية، عندما كانوا يقومون بعملية بحث وتمشيط بمنطقة جبل اللوح في ولاية عين الدفلى". لكنها شددت على أن "مثل هذه الأعمال الإجرامية تأتي بعد الضربات الموجعة التي تلقتها الجماعات الإرهابية والخسائر الفادحة التي تكبّدتها في الأشهر الأخيرة، وهي لن تزيد أفراد الجيش الوطني الشعبي إلا عزيمة وإصراراً لمطاردة فلول هؤلاء المجرمين والقضاء عليهم". وأعلنت "إرسال تعزيزات إلى منطقة الهجوم الإرهابي، لتطويقها بالكامل وبدء عملية تمشيط واسعة ومطاردة هؤلاء المجرمين واكتشاف مخابئهم وتدميرهم".
وأظهر هذا الهجوم أن "المجموعات الإرهابية" في الجزائر عادت إلى تنفيذ هجمات ضد قوات الأمن والجيش، وبالتكتيكات التقليدية نفسها التي كانت تعتمدها منذ أكثر من عقد، بعد فترة طويلة من وقف هذه المجموعات لنشاطها نتيجة الضربات التي تلقتها والحصار والملاحقات التي فرضتها قوات الجيش عليها، والنزيف الذي أصاب صفوفها، إضافة إلى حالة الانقسام في صفوفها بعد انشقاق مجموعات صغيرة أعلن بعضها مبايعة تنظيم "داعش" وزعيمه أبو بكر البغدادي.
وتُعدّ حصيلة هذا الهجوم الأكبر منذ آخر هجوم مماثل حدث في 17 أبريل/ نيسان 2014، بعد يوم واحد من إجراء الانتخابات الرئاسية، وأدى إلى مقتل 16 جندياً كانوا عائدين من تأمين الانتخابات الرئاسية في قرى منطقة القبائل. ومنذ ذلك الهجوم، لم تنجح "المجموعات الإرهابية" في تنفيذ أي عملية نوعية، في مقابل نجاح قوات الجيش في توجيه ضربات قاسية لها، شملت القضاء على أعضاء وتوقيف عدد من كوادر وقيادات "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، المتمركز في منطقة القبائل، شرقي الجزائر. وأعلنت قيادة الجيش قبل نحو أسبوع "القضاء على 102 إرهابيين في النصف الأول من السنة الحالية ينتمون إلى تنظيمات إرهابية مختلفة تنشط في الجزائر، 25 منهم دفعة واحدة في عملية نوعية في منطقة البويرة، شرقي العاصمة الجزائرية، كانوا يمثّلون مجموع عناصر تنظيم جند الخلافة الذي أعلن في ديسمبر/ كانون الأول 2014 الانشقاق عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والخروج عن زعيمه عبد المالك دروكدال، ومبايعة أمير داعش أبو بكر البغدادي".
اقرأ أيضاً: "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب" يتبنّى قتل جنود جزائريين
لكن هجوم الجمعة يعطي، بحسب الخبير في الشؤون الأمنية أحمد ميزاب، "مؤشراً على محاولة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي العودة إلى ساحة النشاط، بعد فترة من الانسحاب والضربات التي تلقاها من قبل الجيش، إضافة إلى الانتقادات التي وُجّهت إلى التنظيم من مجموعات صغيرة انشقت عنه وبايعت داعش، وبررت ذلك بركود نشاط القاعدة"، معتبراً أن "تنظيم القاعدة يحاول ملء الساحة تفادياً لبروز تنظيم جند الخلافة التابع لداعش الذي يحاول أن ينافسه منذ فترة في الجزائر، لكنه فشل حتى الآن"، لافتاً إلى "توزيع القاعدة لنشاطاته الإرهابية في الفترة الأخيرة من منطقة القبائل، شرقي الجزائر، التي يتمركز فيها، إلى منطقة غربي الجزائر، التي كان يتمركز فيها تنظيم حماة الدعوة السلفية بقيادة سليم الأفغاني، والذي كان انشق منذ سنوات عن تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال، التي تحوّلت لاحقاً إلى تنظيم القاعدة".
من جهة أخرى، أثار تأخر وزارة الدفاع الجزائرية 48 ساعة للإعلان عن هجوم الجمعة، انتقادات للجهاز الإعلامي للوزارة، بفعل التأخّر بتوضيح ظروف وملابسات الهجوم، ما أدى إلى تضارب في المعلومات والتقارير المتعلقة به.
واعتبرت مواقع إخبارية وصحف أن عدم إعلان وزارة الدفاع عن هذا الهجوم إلا بعد مرور 48 ساعة، يُشكّل مؤشراً على وجود خلل في الجهاز الإعلامي لوزارة الدفاع، على الرغم من الانفتاح الذي أبدته قيادة الجيش في الفترة الأخيرة إزاء التعاطي مع الصحافة، ونشر بيانات بـ"شمل" يومي عن نشاطات مختلف وحدات الجيش وعملياته القتالية في "محاربة الإرهاب" أو عمليات مراقبته للحدود والتضييق على التهريب والمهربين والهجرة غير الشرعية. واضطرت وزارة الدفاع إلى نشر بيان يذكر حصيلة وتفاصيل الحادث، بعدما نشرت الصحف وتداولت الوكالات أنباءً وتقارير تتصل بالهجوم وحصيلته.
اقرأ أيضاً: غرداية جرس إنذار للجزائر... صدام التاريخ والجغرافيا وغياب الدولة