سرى خبر زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تونس، يوم الثلاثاء المقبل، كالنار في الهشيم، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بمواقف التنديد والرفض بشكل غير مسبوق. كما قررت "مجموعة الخمسين محامياً للدفاع عن الحريات" في تونس رفع دعوى قضائية لمنع الزيارة، فيما ساد غموض سياسي حول دوافع هذا اللقاء وتداعياته الممكنة، خصوصاً أن الزيارة تمت بناء على دعوة موجّهة لولي العهد السعودي من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي. لكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الدعوة قد جاءت بالفعل بمبادرة من السبسي، أم تمت بناء على طلب سعودي في إطار خطة تسويق عربية لبن سلمان تسبق قمة العشرين، وسط تساؤلات عن مدى قدرة الدبلوماسية التونسية على رفض زيارة بن سلمان، وحول استقلالية القرارات التونسية بالتالي.
ولئن كان من المفهوم أن يحاول بن سلمان تلميع صورته، فإن تفكيك الزيارة تونسياً يطرح استفهامات كبيرة في الشأن الوطني، بما قد يمثله من تحوّلات كبيرة ليس في المشهد السياسي فحسب وإنما في الخيار الدبلوماسي التاريخي لتونس، الذي يقوم على مبدأ النأي بالنفس عن كل المحاور، وتجنّب التورط في الملفات الدولية والإقليمية الكبرى التي لا تعنيها مباشرة.
ويفيد لقاء بن سلمان بالسبسي في هذه الظروف، بأن قائد الدبلوماسية التونسية قد غيّر موقفه بشكل كامل، وقرر ضمنياً الانضمام إلى معسكر المدافعين عن بن سلمان، على الرغم من كل الامتعاض الدولي من هذه القضية، وانعكاساتها الممكنة على تونس. كما تأتي زيارة بن سلمان إلى تونس بعد جولة له في معسكر الدول المُحاصِرة لقطر، البحرين والإمارات ومصر، لتقود مباشرة إلى استنتاج مهم يتمثل في إقحام تونس في محاور إقليمية عملت طيلة السنوات الماضية على تفاديها بكل الأشكال، ما يثير تساؤلات حول ما الذي تغيّر حتى تتخذ تونس أو بالأحرى السبسي، قراراً بدعوة بن سلمان لزيارة البلاد.
وحاولت المتحدثة باسم رئاسة الجمهورية، سعيدة قراش، تبرير الزيارة، بالقول لإذاعة "شمس" المحلية، إن زيارة ولي العهد السعودي تأتي في إطار سلسلة من الزيارات التي سيقوم بها لعشر دول في سياق مشاركته المرتقبة في قمة مجموعة العشرين بالأرجنتين. وذكّرت قراش بموقف تونس المستنكر لجريمة قتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، مؤكدة أن موقف تونس يطالب بكشف الحقيقة ويرفض أي ضغط وابتزاز في هذه القضية.
مع العلم أن الموقف الرسمي التونسي من قضية اغتيال خاشقجي سبق لوزير الخارجية، خميّس الجهيناوي، أن عبّر عنه بالتشديد على "إدانة تونس الكاملة" لمقتل خاشقجي، واصفاً هذه العملية بـ"الجريمة الشنيعة". كما دعا الجهيناوي خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، عقب جلسة عمل مشتركة جمعتهما في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في تونس، إلى "عدم استغلال هذه الحادثة لاستهداف أمن واستقرار السعودية ومكانتها على الساحتين العربية والدولية"، مشدداً على "ضرورة انتظار النتائج النهائية للتحقيق الذي أمر بإجرائه الملك سلمان بن عبدالعزيز، لتوضيح ملابساتها ومحاسبة المتورطين فيها".
ويأتي هذا الموقف في سياق تونسي تقليدي يرفض التورط في ملفات لا تعني البلاد قبل أن يكون هناك إجماع دولي رسمي حولها، ولكنه يحاول أيضاً ألا يخسر علاقات تاريخية حساسة للغاية مع السعودية، مرت بتقلبات عديدة ودفعت تونس أكثر من مرة إلى دخول تحالفات على مضض، وهو ما يسبّب هذا الإحراج الواضح لتونس، بين ساحة داخلية أصبحت تنتصر بوضوح للقيم الحقوقية العالمية، وبين مسؤولين يبحثون عن موازنة الأمر سياسياً من دون التسبّب في قطيعة مع أي جهة مؤثرة دولياً.
اقــرأ أيضاً
ويعتقد مراقبون أن الملف الداخلي التونسي يشكّل عاملاً مهماً لفهم هذا التغيير المفاجئ، فالسبسي خسر تقريباً كل معاركه الدستورية والسياسية مع حركة "النهضة" ومع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وفشل بوضوح في إبعاد الشاهد بعدما صوّت البرلمان لصالح حكومته، ولم يستطع تغيير موقف "النهضة" التي خرجت من صفه واختارت تحالفاً جديداً.
وأمام هذا الفشل الداخلي، يبدو أن الرئيس التونسي توجّه إلى الخارج للضغط على الاثنين معاً، ولكن هذه الضغوط لم تأت بنتيجة حتى الآن، ولم تغيّر شيئاً في الموقف الدولي تجاه مختلف الأطراف السياسية، إذ حافظت "النهضة" على تحالفها مع العلمانيين بشكل يضمن النظرة الدولية نفسها إليها من جهة، ونجح الشاهد إلى حد الآن في التسويق لإدارته، من جهة أخرى.
ومن دون الدخول في تفصيل الشأن الداخلي وما قد تقود إليه المعركة، خصوصاً مع تصعيد اتحاد الشغل خلافاته مع الحكومة والاختبارات التي ستواجه التحالف الجديد، يبدو أن السبسي بدأ يفكر في مآلات التحالف الجديد وانعكاساته على المستقبل في أفق 2019، فـ"النهضة" لم تستطع إقناع السعودية حتى الآن بتغيير موقفها، على الرغم من المؤشرات الإيجابية الأولى التي حملها وصول الملك سلمان إلى الحكم، ولكن موقف زعيم الحركة راشد الغنوشي من مقتل خاشقجي بعثر كل تلك الأوراق وأثار غضباً سعودياً، على الرغم من محاولات الغنوشي تفسير موقفه وتدارك الأمر.
ويبدو أن السبسي سيحاول الاستفادة من هذا الأمر، بالإضافة إلى الاستفادة أيضاً من الموقف الإماراتي الرافض لوجود "النهضة" في الحكم، وهو موقف قديم لم يتغير بتاتاً. ولكن هل يمكن للرئيس التونسي أن يجازف فعلياً بهذا الأمر من أجل انتخابات 2019، وهل يمكن للخلافات الداخلية أن تبرر هذا الموقف، وهل يمكن أن يصمد أمام الضغوط الداخلية الكبيرة الرافضة لهذه الزيارة، وللموقف الدولي، السياسي والحقوقي، الذي حمل موجة استنكار دولية غير مسبوقة؟
مراقبون اعتبروا أن الزيارة ستسبّب حرجاً للسبسي أمام أصدقائه الأوروبيين، وحتى للداعمين له في تونس أو الذين ألقت بهم الظروف الداخلية في معسكر مواجهة الشاهد و"النهضة"، فالجهات اليسارية والحقوقية والنقابية والليبيرالية التي اجتمعت ضد الحكومة وضد "النهضة"، لا يمكنها أن تجاري الرئيس في هذا الموقف الحقوقي بامتياز.
ويفيد لقاء بن سلمان بالسبسي في هذه الظروف، بأن قائد الدبلوماسية التونسية قد غيّر موقفه بشكل كامل، وقرر ضمنياً الانضمام إلى معسكر المدافعين عن بن سلمان، على الرغم من كل الامتعاض الدولي من هذه القضية، وانعكاساتها الممكنة على تونس. كما تأتي زيارة بن سلمان إلى تونس بعد جولة له في معسكر الدول المُحاصِرة لقطر، البحرين والإمارات ومصر، لتقود مباشرة إلى استنتاج مهم يتمثل في إقحام تونس في محاور إقليمية عملت طيلة السنوات الماضية على تفاديها بكل الأشكال، ما يثير تساؤلات حول ما الذي تغيّر حتى تتخذ تونس أو بالأحرى السبسي، قراراً بدعوة بن سلمان لزيارة البلاد.
وحاولت المتحدثة باسم رئاسة الجمهورية، سعيدة قراش، تبرير الزيارة، بالقول لإذاعة "شمس" المحلية، إن زيارة ولي العهد السعودي تأتي في إطار سلسلة من الزيارات التي سيقوم بها لعشر دول في سياق مشاركته المرتقبة في قمة مجموعة العشرين بالأرجنتين. وذكّرت قراش بموقف تونس المستنكر لجريمة قتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، مؤكدة أن موقف تونس يطالب بكشف الحقيقة ويرفض أي ضغط وابتزاز في هذه القضية.
مع العلم أن الموقف الرسمي التونسي من قضية اغتيال خاشقجي سبق لوزير الخارجية، خميّس الجهيناوي، أن عبّر عنه بالتشديد على "إدانة تونس الكاملة" لمقتل خاشقجي، واصفاً هذه العملية بـ"الجريمة الشنيعة". كما دعا الجهيناوي خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، عقب جلسة عمل مشتركة جمعتهما في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في تونس، إلى "عدم استغلال هذه الحادثة لاستهداف أمن واستقرار السعودية ومكانتها على الساحتين العربية والدولية"، مشدداً على "ضرورة انتظار النتائج النهائية للتحقيق الذي أمر بإجرائه الملك سلمان بن عبدالعزيز، لتوضيح ملابساتها ومحاسبة المتورطين فيها".
ويأتي هذا الموقف في سياق تونسي تقليدي يرفض التورط في ملفات لا تعني البلاد قبل أن يكون هناك إجماع دولي رسمي حولها، ولكنه يحاول أيضاً ألا يخسر علاقات تاريخية حساسة للغاية مع السعودية، مرت بتقلبات عديدة ودفعت تونس أكثر من مرة إلى دخول تحالفات على مضض، وهو ما يسبّب هذا الإحراج الواضح لتونس، بين ساحة داخلية أصبحت تنتصر بوضوح للقيم الحقوقية العالمية، وبين مسؤولين يبحثون عن موازنة الأمر سياسياً من دون التسبّب في قطيعة مع أي جهة مؤثرة دولياً.
ويعتقد مراقبون أن الملف الداخلي التونسي يشكّل عاملاً مهماً لفهم هذا التغيير المفاجئ، فالسبسي خسر تقريباً كل معاركه الدستورية والسياسية مع حركة "النهضة" ومع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وفشل بوضوح في إبعاد الشاهد بعدما صوّت البرلمان لصالح حكومته، ولم يستطع تغيير موقف "النهضة" التي خرجت من صفه واختارت تحالفاً جديداً.
وأمام هذا الفشل الداخلي، يبدو أن الرئيس التونسي توجّه إلى الخارج للضغط على الاثنين معاً، ولكن هذه الضغوط لم تأت بنتيجة حتى الآن، ولم تغيّر شيئاً في الموقف الدولي تجاه مختلف الأطراف السياسية، إذ حافظت "النهضة" على تحالفها مع العلمانيين بشكل يضمن النظرة الدولية نفسها إليها من جهة، ونجح الشاهد إلى حد الآن في التسويق لإدارته، من جهة أخرى.
ويبدو أن السبسي سيحاول الاستفادة من هذا الأمر، بالإضافة إلى الاستفادة أيضاً من الموقف الإماراتي الرافض لوجود "النهضة" في الحكم، وهو موقف قديم لم يتغير بتاتاً. ولكن هل يمكن للرئيس التونسي أن يجازف فعلياً بهذا الأمر من أجل انتخابات 2019، وهل يمكن للخلافات الداخلية أن تبرر هذا الموقف، وهل يمكن أن يصمد أمام الضغوط الداخلية الكبيرة الرافضة لهذه الزيارة، وللموقف الدولي، السياسي والحقوقي، الذي حمل موجة استنكار دولية غير مسبوقة؟
مراقبون اعتبروا أن الزيارة ستسبّب حرجاً للسبسي أمام أصدقائه الأوروبيين، وحتى للداعمين له في تونس أو الذين ألقت بهم الظروف الداخلية في معسكر مواجهة الشاهد و"النهضة"، فالجهات اليسارية والحقوقية والنقابية والليبيرالية التي اجتمعت ضد الحكومة وضد "النهضة"، لا يمكنها أن تجاري الرئيس في هذا الموقف الحقوقي بامتياز.