تلوح في أفق ما بعد جريمتي باريس وإسقاط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء، ملامح تحالف عالمي جديد ضد الإرهاب، يجمع في طياته أطرافاً كانت تختلف جذرياً حول محاربة هذا الإرهاب. وبدا الانتقام من الهجومين عامل توحيد بين موسكو وباريس أولاً، في سورية تحديداً، وهو ما قد يتم توسيعه ليضم دولاً جديدة وأماكن جغرافية إضافية. الاتفاق حصل بالفعل أمس الثلاثاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره فرانسوا هولاند، وقد يشهد تتويجاً رسمياً بقرار دولي من مجلس الأمن طالبت به موسكو أمس الثلاثاء بصيغة "طلب التصويت فوراً على مشروع قرار بتشكيل جبهة دولية موسعة ضد الإرهاب" سيكون إن حصل التصويت، تحت الفصل السابع طبعاً.
اتفاق بوتين ــ هولاند بدا أساساً حول توحيد الحملة العسكرية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية، وهو ما ترجمه البلدان في قصفهما المكثف أخيراً بناءً على "التنسيق بين جيشي البلدين في محاربة الإرهاب في سورية"، بحسب عرض الكرملين لمضمون الاتصال الهاتفي بين الرئيسين. ويزور هولاند، موسكو في 26 الحالي، بعد واشنطن في 24 منه، لبحث الحرب ضد "داعش" والموقف في سورية، كما أعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان أمس، في إطار "تحرّك المجتمع الدولي في الصراع ضد داعش والجهود الرامية لتصحيح الموقف في سورية". وفي تطوّر سريع لإبراز هذا التعاون، أمر بوتين أمس البحرية الروسية في البحر المتوسط بالاتصال مع البحرية الفرنسية والعمل معاً "كحلفاء" في الحملة ضد "داعش" في سورية. وأبلغ بوتين كبار القادة العسكريين في اجتماع، بعد أن أعلن هولاند أنه سيتم نشر حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" في مياه شرق المتوسط، أنه "من الضروري إجراء اتصال مباشر مع الفرنسيين والعمل معهم كحلفاء". وكان بوتين قد أكد مساء الإثنين، أن روسيا ستكثّف ضرباتها الجوية ضد تنظيم "داعش" في سورية وستطلق عملية ملاحقة عالمية، بعد أن أعلن الكرملين أن إرهابيين زرعوا قنبلة في الطائرة الروسية التي تحطّمت في سيناء.
وقال بوتين خلال اجتماع عُقد في الكرملين الإثنين: "ينبغي تكثيف ما يقوم به سلاح الجو التابع لجيشنا في سورية بطريقة يفهم منها المجرمون أن العقاب حتمي". وتُرجم الموقف الروسي بسلسلة غارات على الرقة ومناطق أخرى في سورية. وأعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أن قاذفات استراتيجية روسية ضربت أمس أهدافاً لـ"داعش" في مدينتي الرقة ودير الزور، موضحاً أن "قاذفات بعيدة المدى من طراز تو-22 شنت ضربات ضد أهداف لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي في محافظتي الرقة ودير الزور"، مضيفاً أن الجيش الروسي أطلق صواريخ عابرة على محافظتي حلب وإدلب.
كما تبلّغ بوتين أمس، من قادة الجيش خلال زيارة قام بها إلى مقر القيادة في وزارة الدفاع الروسية، أن "القوات الجوية نفّذت نحو 2300 طلعة جوية في سورية خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية"، واستخدمت قاذفات بعيدة المدى وصواريخ "كروز".
وكانت صحيفة "إر بي كا" الروسية قد نقلت عن "مصدر قريب من وزارة الدفاع الروسية" أمس، أن الغواصة "روستوف على الدون" الروسية التي أبحرت أخيراً من المحيط المتجمد الشمالي في طريقها إلى مدينة نوفوروسيسك جنوب روسيا، أطلقت صواريخ مجنحة عالية الدقة على أهداف تابعة لـ"داعش" في سورية بواسطة نظام "كاليبر"، وذلك عندما كانت في الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط.
كما نقلت وكالة "رويترز" عن "مسؤول دفاعي أميركي" أن روسيا نفّذت عدداً كبيراً من الضربات في سورية أمس الثلاثاء، وأنها أبلغت الولايات المتحدة قبل تنفيذها بأنها ستستخدم صواريخ كروز تطلق من البحر وقاذفات طويلة المدى.
اقرأ أيضاً: روسيا: الطائرة تحطمت نتيجة عمل "إرهابي".. وبوتين يتوعّد الجناة
لكن الغارات الروسية، لم تستهدف "داعش" حصراً، إذ تواصلت وبكثافة، ضد فصائل المعارضة السورية، وخصوصاً في ريفي إدلب (الجنوبي والشمالي) وحلب الجنوبي. وعلى جبهات حلب، أكد ناشطون في المحافظة لـ"العربي الجديد" أن "الطيران الحربي الروسي، شن غارات كثيفة، أدت إلى سقوط ضحايا مدنيين بريف حلب الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة السورية، وكذلك شهدت عدة مناطق في الريف الجنوبي هجمات مماثلة" وسط تواصل المعارك هناك، بين قوات النظام والمليشيات التي تقاتل معه من جهة، وفصائل المعارضة من جهة أخرى.
من جهته، أكد مسؤول الإعلام الحربي في حركة "أحرار الشام الإسلامية"، أبو اليزيد تفتناز، لـ"العربي الجديد" أن الطيران الروسي شنّ أمس أكثر من عشرين غارة جوية على المناطق المحيطة بتل العيس (تل حدية، البربوم، الهضبة الخضراء، رسم الصهريج، إيكارد، محيط الأوتوستراد الدولي)، مشيراً إلى تمكّن "مقاتلي الفرقة الوسطى من تدمير عربة هامر بصاروخ تاو مضاد للدروع".
أما فرنسا، فزادت كذلك من استهداف "داعش" في سورية. وأكد القائد العسكري الفرنسي، الأميرال أنطوان بوسان، أن بلاده ستواصل "بعزم" غاراتها ضد تنظيم "داعش". بوسان الذي يتولى قيادة عملية "الشمال"، التي تعني مشاركة فرنسا في الضربات الجوية ضد "داعش"، أعلن لوكالة "فرانس برس"، أن تكثيف الضربات أتى ثمرة تحضيرات استمرت "أسابيع"، ضمن مشاركة فرنسا في الائتلاف الدولي ضد تنظيم "داعش". وأوضح أن "الأهداف التي ضربناها اليوم (أمس) هي أهداف عملنا عليها لأسابيع"، وذلك بعد "مقاطعة معلومات أتاحت لنا أن نقترح على رئيس الجمهورية إصدار أوامر بإقلاع مقاتلات "رافال" و"ميراج 2000" المتمركزة في الشرق الأوسط".
وأعلنت السلطات الفرنسية أن مقاتلاتها استهدفت، ليل الإثنين الثلاثاء، لليوم الثاني على التوالي، مدينة الرقة في شمال سورية، مستهدفة مركز تدريب ومركز قيادة لتنظيم الدولة. كما قال متحدث باسم القيادة العسكرية لوكالة "رويترز" إن "طائرات حربية فرنسية استهدفت مركزاً للقيادة ومركزاً لتجنيد المتشددين في مدينة الرقة لليلة الثانية على التوالي، بضربات أمر بتنفيذها هولاند"، فيما أفاد الناشط الإعلامي الذي ينحدر من محافظة الرقة، مهاب الناصر، لـ"العربي الجديد"، بأن "الغارات التي شنتها الطائرات الفرنسية بعد منتصف ليل الإثنين، استهدفت الفرقة 17 والفروسية والهجانة شمال المدينة، ومعسكر الطلائع وحاجزاً جنوب المدينة، ومداجن أبو قبيع غرب الرقة والملعب البلدي داخل الرقة". وأضاف أن "الغارات كانت عنيفة جداً وغير مسبوقة منذ بداية قصف التحالف للرقة، وسبّبت رعباً كبيراً عند الناس"، مشيراً إلى أن "الغارات لم تؤدِّ إلى سقوط ضحايا مدنيين". لكنه أكد أن الهجمات عموماً، "لم تؤدِّ إلى خسائر كبيرة في صفوف تنظيم داعش، لأن المواقع المستهدفة معروفة لدى التحالف سابقاً وتم قصفها عدة مرات، وبعضها شبه مدمر بالكامل أساساً، وغالباً التنظيم لا يضع فيها شيئاً مهماً بالنسبة له، لأنها مواقع مكشوفة وتعرضت لعدة ضربات في السابق".
اقرأ أيضاً: كيري: مرحلة الانتقال السياسي في سورية خلال أسابيع