الغموض الذي بات معتاداً لدى حزب الله عندما يتعرض لخسارة في سورية مثلما سبق أن حصل معه في اغتيال سمير القنطار وبقية القياديين الذين خسرهم، وحرص الحزب على عدم توجيه الاتهام السريع لإسرائيل، يمكنه أن يحمل أكثر من مغزى. أولاً يحتمل أن يكون هذا التردد ناجماً عن تهرب من حتمية الرد لو سارع الحزب إلى اتهام إسرائيل. هو ردّ لم يُترجم عملياً في الفترة الأخيرة ضد إسرائيل بعمليات نوعية على كل حال. ثانياً قد يكون هذا التأخر في الاتهام ناجم فعلاً عن عدم معرفة الحزب بهوية الجهة التي نفذت الاغتيال، وسط تعاطي إسرائيل بحذرها المعتاد إزاء عملية يوم الجمعة. وثالثاً، ربما يكون تأجيل إعلان الموقف الرسمي للحزب ناجماً عن رغبة حزب الله في اتخاذ القرار النهائي إزاء العملية وشكل التعاطي معها، على اعتبارها أقسى ضربة يتلقاها منذ عام 2008، تاريخ تصفية عماد مغنية، رفيق بدر الدين وصهره. بجميع الأحوال، مع اغتيال بدر الدين، يكون الحزب خسر سادس قيادي له في سورية، هم مغنية (2008)، وابنه جهاد (2015) والمدعو أبو محمد الإقليم (2015) وسمير القنطار (2015) وعلاء البوسنة (2016). كل ذلك بالإضافة إلى أكثر من 1000 قتيل، عدا الخسائر المعنوية.
بناءً على ذلك، يعلن الحزب، بحسب ما أعلنه نائب الأمين العام، نعيم قاسم، في تشييع بدر الدين عصر أمس في ضاحية بيروت، "خلال ساعات، نتائج التحقيقات والطرف الذي قتل" بدر الدين، كما يتوقع أن يطل نصر الله في غضون ساعات أو أيام كما درجت العادة في مناسبات شبيهة، لتقديم نتائج التحقيقات التي خرج بها الحزب من عملية الاغتيال، مع ترجيح أن يكرر الرجل ما سبق له أن قاله في خطابه يوم تشييع عماد مغنية، وحرفيته: "لن ينتظركم عماد مغنية واحد ولا عدة آلاف من المقاتلين، لقد ترك لكم عماد مغنية خلفه عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين المجهزين الحاضرين للشهادة".
إلياس صعب: ولادة أمنية
بموته، خرج مصطفى بدر الدين من عالمه الأمني. لم يعد شبحاً تسعى مئات الأجهزة وراءه وتعمل آلاف الأعين على رصده. مصطفى بدر الدين، ذو الفقار، سامي عيسى، إبراهيم عيسى وإلياس صعب. هذه خمسة أسماء، ربما من أسماء كثيرة، استخدمها بدر الدين في عالم الأشباح الأمنيين. وإذا كان "ذو الفقار"؛ أول ألقابه في حزب الله، فإنّ "إلياس صعب" هو الاسم الذي أدخله فعلياً هذا العالم من بوابة الكويت حيث حُكم بالإعدام لمسؤوليته عن التفجيرات التي وقعت في الكويت عام 1983 في محاولة اغتيال الأمير جابر الأحمد الصباح، بعدما مرّ على تنظيمات كثيرة منها منظمة التحرير وحركة فتح، إلى حين وصول المشروع الإيراني ومدّ يد الحرس الثوري للمجموعات إلى المنطقة.
في الكويت، سقط مصطفى بدر الدين واحترقت ورقة إلياس صعب الذي شاءت الصدفة أن يهرب من السجن مع غزو الكويت عام 1990. عاد إلى لبنان ليعاود نشاطه العسكري في صفوف حزب الله من دون تسجيل عمل على الأقل معروف باسمه، ضد إسرائيل.
سامي عيسى: موت مؤكد
"مات" إلياس صعب وولد سامي عيسى في تسعينيات القرن الماضي. دخل الجامعة الأميركية اللبنانية lau واختلط مع طلابها. كان أكبر منهم بسنوات، لكن فارق العمر هذا لم يمنعه من درس العلوم السياسية بين عامي 2002 و2004 ونال شهادة فيها، في حين كان يملك في الوقت عينه محلاً للمجوهرات في بيروت. مضت الأيام الجامعية على عيسى بسرعة، فخرج من الكلية واختفى، إلى حين عودة اسمه مع المحكمة الدولية التي اتّهمته وأفراداً آخرين من حزب الله باغتيال الحريري، بعد التأكيد على أنّ عيسى هو نفسه بدر الدين.
خلال دراسته، تقرّب سامي عيسى من عدد من الطلاب، منهم يشكّلون حلقة ضيّقة قريبة من الرئيس رفيق الحريري ومعاونيه. وشكّل تعميم المحكمة الدولية اسم عيسى وصورته صدمة لهؤلاء الطلاب الذين اكتشفوا أنّ رجلاً بهذه الخطورة كان يجالسهم ويقضي أوقات الفراغ معهم، وكذلك ليالي السهر والمرح. شوهد بدر الدين، أو عيسى، وهو يتنقّل في شوارع العاصمة بلا أي كلفة أمنية، أو على الأقل بلا مرافقة أمنية واضحة، حتى بعد القرار الصادر عن المحكمة الدولية عام 2011. نجح، كغيره ممن يتقنون اللعبة الأمنية، في تغيير ملامح وجهه وشكله لاستكمال نشاطه ومهامه، خصوصاً أنه نجح لسنوات في المحافظة على ندرة صوره على الرغم من أنه كانت له حياة اجتماعية شبه طبيعية، في العمل والدراسة وبين الناس. مع العلم أنّ بدر الدين متّهم أيضاً من قبل أحزاب وأفرقاء سياسيين بالضلوع بعمليات اغتيال في بيروت طاولت شخصيات سياسية وأمنية لبنانية محسوبة على فريق 14 آذار بين أعوام 2005 و2014.
صافي بدر؟
تنقل وسائل إعلام أميركية عن أجهزة الاستخبارات الأميركية أنّ مصطفى بدر الدين بات يدير عمليات حزب الله في سورية، تحت اسم "صافي بدر". من سيخلف مصطفى بدر الدين في القيادة العسكرية؟ الجواب قد لا يتأخر بالخروج إلى العلن، ولو أنّ مسألة مماثلة دقيقة جداً، خصوصاً أنه سبق لتكليف بدر الدين بهذه المهمة خلفاً لمغنية، أن أثار في صفوف الحزب بلبلة كبيرة.