يطبخ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حكومته الأولى على نار هادئة، بعدما قرر إرجاء مشاورات أولى كان مقرراً أن يقوم بها لتشكيل حكومة جديدة، في أعقاب الوفاة المفاجئة لقائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح.
وتبقى الحكومة الجديدة أول تحد مستعجل يواجه الرئيس تبون، خاصة أن شكل وتركيبة هذه الحكومة سيكونان مؤشرا هاما على توجهات الرئيس ومرتكزات خطته السياسية والاقتصادية في فترته الرئاسية الأولى.
وقالت مصادر مسؤولة في الرئاسة الجزائرية لـ"العربي الجديد" إن الرئيس تبون أرجأ اتصالات كان مقرراً أن يقوم بها شخصياً أو بتكليف مساعديه مع شخصيات كفاءات وقادة أحزاب سياسية لتشكيل فريقه الحكومي، إلى ما بعد السبت المقبل، بعد الفراغ من تأبين قائد الأركان الراحل قايد صالح.
وأكدت نفس المصادر أن اتصالات الأولى كانت قد تمت قبل ذلك (قبل يوم الاثنين) مع عدد من الشخصيات للمشاركة في الحكومة، تسرب منها اتصالات مع وزير الاتصال السابق عبد العزيز رحابي، الذي يعد أحد الشخصيات المقترحة لتولي رئاسة الحكومة، لكن رحابي اشترط أن يكون اقتراحه نتاج مخرجات حوار مع أحزاب المعارضة وأولوية ملف الحريات.
وتشير معلومات متطابقة في السياق إلى أن الرئيس الجزائري يضع في خطته البديلة اسم وزير العمل الحالي حسان تيجاني هدام لرئاسة الحكومة، كأحد الكفاءات المستقلة، إذ كان الرئيس عبد المجيد تبون قد وعد خلال خطابه الأول الذي أعقب فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، بتشكيل حكومة جديدة تضم كفاءات شابة.
ويعتقد أن يحتفظ الرئيس تبون في الحكومة المقبلة بوزير الخارجية الحالي صبري بوقادوم (رئيس الحكومة بالنيابة حاليا) وبوزير العدل بلقاسم زغماتي برغم الجدل الحاد القائم بشأنه في علاقته بنقابة القضاة.
وتباينت مواقف الأحزاب السياسية المعارضة من مسألة المشاركة المحتملة في الحكومة، وأعلنت "حركة البناء الوطني" عن تلقيها اتصالات للمشاركة في الحكومة، وأعلن رئيس الحركة ومرشحها الرئاسي السابق عبد القادر بن قرينة في آخر تصريح له قبل أيام استعداد حزبه للمشاركة في الحكومة.
وقال بن قرينة إن "حركة البناء تضع نفسها تحت تصرف الخيرين، لخروج البلاد من المأزق، ونحن جزء من الجماعة الوطنية ولن نتأخر عن أي منادٍ نادى للوطن، ولكن هذه المصلحة العليا يجب أن تكون واضحة ومتفقاً عليها، والحكومة المقبلة ستكون أمام مخاطر وتحديات كبيرة".
لكن أغلب أحزاب المعارضة السياسية ترفض المشاركة في الحكومة الجديدة، حيث رفضت "حركة مجتمع السلم" (الحزب المركزي لإخوان الجزائر) مبدئيا المشاركة في الحكومة، واعتبرت أن ذلك "لن يتم إلا عقب انتخابات نيابية لاحقة".
ونشر القيادي في الحركة نصر الدين حمدادوش تقدير موقف تضمن هذا المعنى، وأكد أنه "يجري الحديث الآن عن اتصالات بالأحزاب السياسية من أجل المشاركة فيها، ووفق المنطق العلمي والسياسي فإنّ ذلك يخضع لاعتبارات متعلقة بنتائج الانتخابات، وخاصة الانتخابات التشريعية، حتى تكون هذه المشاركة في الحكومة أو المقاطعة لها مبنية على الإرادة الشعبية وليست على المنحة السلطوية".
وأكد حمدادوش أن "المشاركة الحقيقية في الحكومة تكون بعد الانتخابات التشريعية، وما تفرزه من الكتل البرلمانية، وما يتطلبه ذلك من التحالفات على أساس الأفكار والبرامج، وليس على أساس الطموحات الحزبية والأطماع الشخصية".
وأضاف أنه "من غير المنطقي أن يتم عرض المشاركة في الحكومة على الأحزاب الخاسرة أو المقاطعة أو غير المعنية بالانتخابات، خاصة إذا كانت انتخابات رئاسية، وفي ظلّ نظامٍ رئاسوي، لأنها لا تعبّر عن الخريطة السياسية الحقيقية، إمّا بتزوير الانتخابات، أو بسبب ضعف المشاركة الشعبية العامّة فيها، أو لاعتبارات انتخابية جهوية أو مناطقية أو شخصية لا علاقة لها بالأحزاب السياسية وبرامجها وخياراتها".
وأعلن حزب "جيل جديد" رفضه أية مشاركة في الحكومة، وقال رئيس الحزب جيلالي سفيان لـ"العربي الجديد " إن الحزب منسجم في مواقفه ولن يشارك في أية حكومة من دون انتخابات نيابية، موضحا أن "الجيل الجديد لن يشارك في أَية حُكومة، ولا يطمح إلى أية مناصب سياسية بِخلاف تلك التي يمنحها الناخبون له في إطار انتخابات شفافة، ولن يقبل بأية وظيفة سياسية تكون خارج الإرادة الشعبية".
ولا تبدو "جبهة العدالة والتنمية" مهتمة بالمشاركة في حكومة تبون الأولى، ولمحت تصريحات عدد من قياداتها إلى رفض المشاركة، على غرار رئيس كتلتها النيابية لخضر بن خلاف، انسجاما مع موقفها الرافض لمجمل المسار السياسي الذي أفرز الانتخابات الرئاسية الأخيرة ومخرجاتها.
وقال المتحدث باسم الحركة محمد الأمين سعدي لـ"العربي الجديد"، إنه لا يعتقد بمشاركة الجبهة في الحكومة، موضحا أن هذا الموضوع لم يتم تداوله حتى الآن داخل المكتب التنفيذي الوطني في أي لقاء رسمي حتى الآن، أو في مجلس الشورى الوطني، لكون أنه لا يوجد أي شيء رسمي حتى الآن.
وبرغم موقفها المتطور في علاقة القبول المبدئي بالحوار مع الرئيس الجديد على قاعدة التغيير السياسي، فإن "جبهة القوى الاشتراكية" هي الأخرى تتجه إلى رفض قاطع للمشاركة في حكومة تبون الأولى.
كما أعلن "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" رفضه مناقشة أية فكرة تخص الحوار مع الرئيس الجديد تبون أو المشاركة في الحكومة، إذ أبدى القيادي باسم الحزب عثمان معزوز في تصريح لـ" العربي الجديد" رفضا قاطعا لمسألة المشاركة في الحكومة، بالنظر إلى رفض السلطة الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي في التغيير السياسي ورحيل النظام وإطلاق سراح الناشطين المعتقلين حتى الآن في السجون، ويتلافى التجمع تكرار تجربة وحيدة للمشاركة في أول حكومة شكلها بوتفليقة نهاية عام 1999، وانسحب منها عام 2001.