لطالما وصفت دولة الكويت بأنها أكثر الدول انفتاحاً في الخليج العربي، إلا أن تصاعد "خطاب الكراهية" ضد الوافدين، تزامناً مع الأزمة الاقتصادية في البلاد، يوحي بأن الأوضاع في طريقها للتغير. ويكثر الحديث في الكويت عن "خلل في التركيبة السكانية"، في الوقت الذي يشكل فيه عدد الوافدين الأجانب في الكويت ثلاثة أضعاف عدد المواطنين. وحمّلت النائبة في مجلس الأمة الكويتي، صفاء الهاشم، وهي "ليبرالية مستقلة"، لواء الهجوم على الوافدين بعد انتخابات مجلس الأمة الأخيرة، مطالبة عبر وسائل الإعلام المحلية والمؤتمرات الصحافية داخل مجلس الأمة بـ"تنظيف البلاد من الأوساخ"، التي تسببت بمأزق اقتصادي واجتماعي وثقافي للبلاد، على حد تعبيرها. وقدمت الهاشم عدة اقتراحات تستهدف الأجانب، أبرزها منع الوافدين من الحصول على الأدوية من المراكز الصحية الحكومية، وإلزامهم بشراء الأدوية من الصيدليات التجارية والمستشفيات الخاصة، من أجل وقف "الهدر المالي" وتنشيط القطاع الخاص. كما أنها اعتبرت أن اقتراحها يساهم في تخفيف الضغط على المستشفيات الحكومية، التي تراجع مستوى تقديم الخدمات الصحية فيها بسبب ضغط الوافدين. واقترحت وضع رسوم على الطرق التي يستخدمونها لتخفيف الزحام المروري.
ولم تكتف الهاشم بتحميل الوافدين مسؤولية الأزمة الاقتصادية والصحية والأخلاقية في البلاد، بل امتد هجومها على الوافدين إلى القطاع التعليمي. وقالت، في مؤتمر صحافي داخل مجلس الأمة، إن "هناك 43 ألف معلم وافد، غالبيتهم العظمى من إحدى الدول العربية، التي صنفت حسب تقرير منتدى الاقتصاد العالمي في المرتبة 141 من أصل 144 دولة (في إشارة إلى مصر) في مستوى جودة التعليم ومستوى النظام التعليمي، وهذا الأمر انعكس سلباً على جودة مخرجات التعليم في الكويت. إذ أظهرت نتائج اختبارات تيمز الدولية حصول الكويت على المركز الأخير، من 38 دولة مشاركة في اختبارات الصف الرابع".
وعن "ظاهرة صفاء الهاشم"، التي تطورت لخطاب كراهية يستمد وجوده مما اعتبروه "أزمة في التركيبة السكانية"، يقول أحد أساتذة علم الاجتماع في جامعة الكويت، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد"، إن "البلاد تعاني من حالة توجس تجاه الوافدين منذ الغزو العراقي في العام 1990 حين اصطفت الكثير من الجاليات، التي كانت الكويت تدعمها، في صف الغزو العراقي، وعملت مع المحتل في كافة المجالات، وساهمت بالتبليغ عن أفراد الجيش الكويتي المختبئين، ما خلق صورة نمطية تجاه الوافد في الكويت بأنه انتهازي وليس له ولاء للأرض التي تطعمه وتكسوه. وشواهد هذا الخطاب موجودة بقوة في المسلسلات التلفزيونية والمسرحيات المحلية التي أعقبت الغزو العراقي، إذ حرص الإعلام على تصوير الفلسطيني بالانتهازي والعراقي بالجاهل والحاقد". ويرى مراقبون أن العاملين في السياسة الكويتية يدركون ما يمنحه تبني أجندة شعبوية، و"خطاب كراهية الآخر" من رصيد شعبي في الحملات الانتخابية، خصوصاً في بعض الدوائر الانتخابية، ما جعلهم يتبنون الخطاب الطائفي، والخطاب المعادي للبدون، ثم الخطاب ضد "مزدوجي الجنسية" في حملاتهم الانتخابية. لكن هذه الحملات كانت مشوبة بالمخاطر، لكونها تستهدف فئات كبيرة من الكويتيين أنفسهم. إلا أن موضوع "الوافدين الأجانب" كان صيداً سهلاً، يسمح للساسة بتبني خطاب عنصري، من دون تبعات تذكر. وتزامن الخطاب الشعبوي والعنصري ضد الوافدين مع التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية في البلاد، ما جعله مشحوناً بالكثير من العواطف، ويحاول إثبات "رفض الوافدين" بأرقام وإحصائيات لا يجري تحليلها بصورة دقيقة، ويجري غالباً اقتطاعها من سياقها.
واستخدم بعض نواب البرلمان المؤتمرات الصحافية التي تعقد في مجلس الأمة حلبة للاستعراض الشعبوي والعنصري، من خلال الحديث عن "المواطن الكويتي الذي لا يجد مكاناً للعلاج في المستشفيات الحكومية"، مدعماً بـ"إحصائية حكومية"، و"دراسات" قامت بها "مؤسسات" بحثية، ومن خلال الاستشهاد بالحالة الصحية في البلدان التي جاء الوافد منها، والتي هي سلبية في غالبيتها، لتبرير أي خطوات من شأنها الإضرار بالخدمات الصحية المقدمة لهم في الكويت. وخصصت الكويت أحد المستشفيات الجديدة في البلاد، المتوقع تشغليها العام المقبل، وهو مستشفى جابر الأحمد، بشكل كلي لعلاج المواطنين الكويتيين دون الوافدين، وهي الخطوة التي تشكك في قدرة الحكومة الكويتية على مواجهة الخطاب الرافض للوافدين في البلاد.
وقال رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس الأمة، عادل الدمخي، لـ "العربي الجديد"، هل هناك أزمة سكانية في الكويت؟ نعم، هل قطع الأدوية عن الوافدين وتخفيض رواتبهم ومعاملتهم كأنهم مجرمون دخلوا البلاد خلسة هو الحل؟ بالطبع لا. ويضيف "هناك دراسات أمام مجلس الأمة توضح أسباب وحلول أزمة التركيبة السكانية في البلاد منذ العام 1981 تقريباً، لكن الحكومة غير جادة في وضع سياسة واضحة لحل هذه الأزمة، وبالطبع لن يكون الحل نشر خطاب الكراهية بهذه الطريقة، لأن هذا أمر لا توافقه لا الشريعة ولا الحقوق الإنسانية والبشرية". وحاولت مجموعة من النواب عقد جلسة لبحث أزمة التركيبة السكانية، و"خطر الوافدين" على البلاد في مطلع فبراير/شباط الماضي، لكن الجلسة لم تنعقد بسبب عدم اكتمال النصاب، بفعل غياب غالبية وزراء الحكومة والمجلس.
ويتبنى الكاتب والباحث السياسي، البراء الوهيب، وجهة نظر أخرى. ويقول، لـ"العربي الجديد"، إن الوافدين إلى دول الخليج يشبه كثير منهم مواطني هذه الدول، من ناحية أنهم ليسوا من فئة واحدة. فعلى عكس الصورة النمطية للخليجي، هناك الكثير من الخليجيين متعلمون وكادحون ومنتجون ومتفانون في عملهم، وطبعاً منهم خلاف ذلك، والوافدون كذلك، فمنهم الكادحون والفاسدون، والذي يسعى لكسب قوته بأمانة، والانتهازي. وهناك حقيقة يغفل عنها الكثير، وهي أن معظم الوافدين يعملون في القطاع الخاص، بينما معظم المواطنين يعملون في القطاع الحكومي. وعندما تثار قضية اضطهاد العمالة الوافدة يغفل الناس أن كثيراً من هذه الحالات يقوم فيها وافد باضطهاد وافد آخر. ويضيف الوهيب "بل أصبح يضرب المثل بتسلط الوافد على ابن جلدته وبلده. ولا ينفي هذا وجود أرباب عمل خليجيين يضطهدون العمالة الوافدة بالفعل. لكن هناك حالات يهمش بها صاحب العمل الخليجي، إذ يستحوذ وافد على السلطة الفعلية في الشركة ويبتز الشريك الخليجي، ويفعل ما يشاء، فيعصر الموظفين من مختلف الجنسيات ولا يكاد يعطيهم من حقوقهم ومستحقاتهم إلا أقل القليل". ويرى الوهيب أنه من الظلم "التعميم على الوافدين وإلقاء كل اللوم عليهم، مثل ما هو حياد عن جادة الصواب إن صدقنا الصورة النمطية للمواطن الخليجي وحملناه وحده ظلم الوافد. الحقيقة أن هناك معركة غير متكافئة بين جبهة للفساد، تضم متنفذين من وافدين وأبناء بلد، وبين العمال والبسطاء من الوافدين وأبناء البلد أيضاً".
ورغم الحملات المضادة للوافدين إعلامياً، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الحكومة الكويتية ما زالت تؤكد التزامها بضمان أمن ومعيشة الوافدين، وأنها ستقطع الطريق أمام أي اقتراح "جماهيري" الهدف منه الإضرار بصحة مئات الآلاف من العمال الذين يشغلون البنية التحتية الأساسية للبلاد، ومحاولتهم طردهم لتحقيق سبق انتخابي أو ضجة إعلامية، في الوقت الذي لا يبدو فيه أن هناك ضمانات على هذا، حال إقرار قوانين مضادة للوافدين في مجلس الأمة الكويتي.