وقبل الاتصال الهاتفي بين ترامب وعباس، كانت الأجواء ترجح تأجيل إعلان ترامب نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، مع ما يعنيه ذلك من "اعتراف" واشنطن بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال. وعند صدور البيان السعودي، أمس الثلاثاء، رفضاً لاحتمال إعلان الإدارة الأميركية القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها، تذكّر كثيرون المناشدة السعودية التي صدرت في اليوم الأخير لأحداث انتفاضة القدس التي اندلعت في شهر يوليو/تموز الماضي بعد إغلاق المسجد الأقصى، والتي سارع حكام دولة الاحتلال إلى تلبيتها بناء على طلب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، لتبرير التراجع عن البوابات الإلكترونية والتضييق على المصلين في الأقصى.
وقد نسبت وسائل إعلام سعودية عدة، وقتها، الفضل للعاهل السعودي "بإنقاذ القدس". واليوم، كان البعض يتوقّع أن يتكرّر السيناريو نفسه، وأن يقول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه أجّل إعلان القدس تلبية لنداء السعودية، ليكون ذلك مدخلاً للتفاوض وإعلان التنازلات الفلسطينية والعربية رسمياً في ما يتعلق "بالتسوية"، والتي بدأت تتكشّف تفاصيلها المريبة في وسائل الإعلام العالمية والعربية، وكان آخرها ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" عن خطة "سلام" سعودية تمنح الفلسطينيين دولة عاصمتها أبو ديس، إحدى ضواحي القدس، وليس القدس الشرقية كما يطالب الفلسطينيون. لكن البيان الفلسطيني الرسمي عما أبلغه ترامب لعباس، أعاد رفع احتمالات حسم ترامب قراره لمصلحة دولة الاحتلال.
واعتبر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أن خطوة ترامب -إذا ما تمت- "غاية في الخطورة". وأشار خلال استقباله، أمس، السفير الفلسطيني في قطر منير غنام، والذي سلمه رسالة رسمية من عباس، تتعلق بخطورة الخطوة الأميركية وآثارها السلبية على مجمل الأوضاع في المنطقة، إلى أنه يجري اتصالات مع الإدارة الأميركية، ليحذر من خطورة الإجراء الأميركي. وشدد الشيخ تميم على ضرورة عقد قمة حول القدس المحتلة، لوضع الجميع أمام مسؤولياته تجاه المدينة المقدسة، مؤكداً جاهزية قطر للقيام بكل ما يطلب منها بهذا الشأن.
وفي القاهرة، أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط من أن اتخاذ هذا القرار سيكون "إجراء خطيراً ستكون له عواقب وتداعيات، ولن يمر من دون تبعاتٍ تتناسب ومدى خطورته". وقال إن مثل هذا القرار، إن اتخذ "من شأنه القضاء على الدور الأميركي كوسيط موثوق لرعاية التسوية بين الفلسطينيين والقوة القائمة بالاحتلال".
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقد ذهب أبعد من ذلك، وحذّر، أمس الثلاثاء، من أن وضع القدس "خط أحمر للمسلمين"، مهدداً "بقطع العلاقات" مع اسرائيل. وأكد أردوغان الذي يترأس منظمة التعاون الإسلامي، إنه سيتم عقد قمة لهذه المنظمة التي تضم 57 بلداً عضواً، في غضون 5 إلى 10 أيام، في حال اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لاسرائيل. وقال "سنواصل هذا الكفاح بتصميم حتى النهاية، وقد يصل الأمر إلى حد قطع علاقاتنا الدبلوماسية مع إسرائيل".
بدوره، حذّر الاتحاد الأوروبي أمس من "التداعيات الخطرة" لمثل هذا القرار من قبل الولايات المتحدة. وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني إن "التركيز يجب أن يظل على الجهود الرامية لاستئناف عملية السلام وتجنّب أي عمل من شأنه أن يقوّض مثل هذه الجهود". كما شددت على أن وضع القدس يجب أن يُحلّ "عبر التفاوض".
وفي القدس المحتلة، حذّر مستشار عباس للشؤون الدولية نبيل شعث، أمس، من أن الاعتراف الأميركي يعني إنهاء جهود السلام الأميركية التي أعلن عنها ترامب. وقال إن "ذلك يدمر تماماً أي فرصة بأن يلعب (ترامب) دوراً كوسيط نزيه" في عملية السلام، مضيفاً أن هذا الإعلان لن يؤدي إلى التوصل إلى "صفقة القرن"، في إشارة إلى العبارة التي استخدمها ترامب عندما تعهد بالعمل للتوصل الى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
من جانبه، قال مجدي الخالدي، مستشار عباس الدبلوماسي، إنه "إذا اعتراف الأميركيون بالقدس عاصمة لإسرائيل، فإن هذا يعني أنهم قرروا بأنفسهم أن يبتعدوا عن الجهود المبذولة لإحلال السلام، كما لن يكون لهم مصداقية أو دور في هذه المسألة". وأضاف "سنوقف اتصالاتنا معهم (في حال الاعتراف) لأن مثل هذه الخطوة تتعارض مع وجودنا وضد مصير قضيتنا، معتبراً هذه خطوة "استهدافاً للمسلمين والمسيحيين على حد سواء".
بدوره، قال كبير ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن حسام زملط إن هذه الخطوة ستكون "قبلة الموت" لحل الدولتين. وأضاف "إذا اتخذت خطوة كهذه، فستكون لها عواقب كارثية". وأعلن زملط أنه تم إيصال رسالة من عباس إلى الإدارة الأميركية بشأن خطوتها الخطيرة الأحادية.
إلى ذلك، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، أمس، إن "القيادة الفلسطينية تدرس المطالبة بعقد قمة عربية طارئة وعاجلة، إذا ما تمت الخطوة الأميركية". وشدد أبو ردينة في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية "وفا"، على أن هذه الخطورة تتطلب أن تحمّل الجميع مسؤولياته، تجاه أي مساس بالقدس عاصمة دولة فلسطين.
كذلك، ذكرت "وفا" أنه جرى اتصال هاتفي بين عباس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، "جرى خلاله مناقشة اتصالات الأخير وجهوده مع الرئيس الأميركي، في هذا الشأن".
وكان ماكرون قد أعرب مساء الإثنين عن قلقه لنظيره الأميركي من هذه الخطوة. وقال بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية إنه وخلال اتصال هاتفي بين الرئيسين "ذكّر ماكرون بأن مسألة وضع القدس يجب أن تتم تسويتها في إطار مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين التي تهدف خصوصاً إلى إقامة دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمن، مع القدس عاصمة" لهما.
وأقرّ الكونغرس الأميركي في عام 1995 قانوناً ينص على "وجوب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل"، ويطالب بنقل السفارة من تل أبيب الى القدس. ورغم أن قرار الكونغرس ملزم، لكنه يتضمن بنداً يسمح للرؤساء بتأجيل نقل السفارة ستة أشهر لحماية "مصالح الأمن القومي". وقام الرؤساء الأميركيون المتعاقبون بصورة منتظمة بتوقيع أمر تأجيل نقل السفارة مرتين سنوياً، معتبرين أن الظروف لم تنضج لذلك بعد.
ولكن يبدو أن إدارة ترامب قد فاتتها المهلة التشريعية للتوقيع على وثيقة إعفاء جديدة تبقي السفارة الأميركية في تل أبيب. وجاء الموعد النهائي من دون أن يعلن البيت الأبيض ما إذا كان ترامب وقع على الوثيقة أم لا. بدون توقيع تلك الوثيقة وبموجب القانون، من المفترض أن تنتقل السفارة إلى القدس. ولم تتضح الآثار المترتبة على تخطي الموعد النهائي. وقال محامون إن هناك بعض المرونة في ما يتعلق بدقة التوقيت.
ويحضّر الفلسطينيون لموجة من التظاهرات والاحتجاجات في حال اعترفت الولايات المتحدة رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل. وقال متحدث باسم التعبئة والتنظيم لحركة فتح، "نحن مستعدون، وفي حال أعلنت الولايات المتحدة موقفها رسمياً، فإن تظاهرات ستندلع ليس في الضفة الغربية فقط، وإنما في غزة أيضاً ومدينة القدس ومناطق الـ48". ودعا مجلس الوزراء الفلسطيني خلال جلسته الأسبوعية، أمس، الشعب الفلسطيني "بمكوناته وأطيافه كافة وفي جميع أماكن وجوده إلى التعبير عن رفضه للتوجهات الأميركية الخطرة".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)