قالت مصادر سياسية مطّلعة في مصر إن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي كثّف من تحركاته أخيراً، لاستهداف شرائح بعينها للمشاركة في استفتاء التعديلات الدستورية المرتقب في النصف الثاني من شهر إبريل/ نيسان المقبل، وعلى رأسها أصحاب المعاشات والنساء، على اعتبار أن موافقة أغلبية ثلثي عدد أعضاء البرلمان على تعديل الدستور، بات مضموناً خلال 15 يوماً على أبعد تقدير، لحين استيفاء الأخير للإجراءات الشكلية دستورياً ولائحياً.
وأضافت المصادر، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، أن النظام المصري بات لا يكترث بمسألة عزوف الشباب عن الاستحقاقات الانتخابية، وتزايد نسبة عدم مشاركتهم مع مرور الوقت، على ضوء تردي الأوضاع المعيشية، وارتفاع معدلات البطالة إلى نحو غير مسبوق، إذ يراهن في المقابل على مشاركة كبار السنّ والمرأة خصوصاً في الاستفتاء، ما دفع السيسي لطلب سحب استشكال الحكومة المقدم على علاوات المعاشات.
وأوضحت المصادر أن سحب استشكال وقف تنفيذ حكم أحقية أصحاب المعاشات في ضمّ العلاوات الخمس التالية لعام 2005، غير المضمومة للأجر الأساسي، ضمن المبالغ التي يُحتسب عليها معاش الأجر المتغير، يستهدف في المقام الأول كسب ودّ كبار السنّ لدفعهم إلى المشاركة في استفتاء الدستور، مع العلم أن قرار السيسي بعرض الحكم على مجلس الدولة لدراسة كيفية تنفيذه، يؤكد أن الحكومة لن تنفذه في صورته الحالية. وحسب المصادر فإن جميع رؤساء تحرير الصحف، الحكومية والخاصة، فضلاً عن مقدمي البرامج الحوارية الرئيسية على القنوات الفضائية، لديهم تعليمات صريحة من مؤسسة الرئاسة بالتركيز على انحياز السيسي إلى أصحاب المعاشات، وهو ما ظهر بوضوح في "المانشيت" الموحد الذي خرجت به جميع الصحف والمواقع الإلكترونية، يوم الجمعة الماضي، تحت عنوان "السيسي ينتصر لأصحاب المعاشات". ولا يعني سحب الاستشكال أن حكومة السيسي ستنفذ الحكم بالطريقة التي ينتظرها أصحاب المعاشات، والمواطنون الذين تلقوا معلوماتهم من وسائل الإعلام الموالية، نظراً لأن وزارة التضامن الاجتماعي أدرجت بمذكرة سحب الاستشكال المرسلة إلى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، مصاعب وعقبات تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا، لتأكيد عدم إمكانية تنفيذه وفق منطوق الحكم، وفقاً لقانونيين.
وقال رئيس مجلس النواب علي عبد العال، الإثنين الماضي، إن هناك إدارة ستُؤلف لصندوق المعاشات بمعايير اقتصادية، استناداً إلى تشريع جديد للتأمينات تعمل الحكومة على وضعه، معتبراً أن هذا التشريع سيُعيد الأوضاع إلى نصابها، من خلال ردّ وزارتي المالية والتضامن الاجتماعي لأموال المعاشات إلى هيئة التأمينات، و"ضمان عدم حدوث تفاوت بين ما يتقاضاه الموظف أثناء الخدمة، وما يتحصل عليه بعد الخروج منها"، على حد تعبيره.
إلى ذلك، أكدت المصادر أن التعليمات الصادرة إلى "الأذرع الإعلامية" تشمل التسويق لتعديلات الدستور بوصفها انتصاراً للمرأة المصرية، لكونها تنصّ على تخصيص ربع عدد مقاعد مجلس النواب للمرأة، مشيرة إلى أن قنوات فضائية، حكومية وخاصة، بدأت حملة "موجهة" تختصر التعديلات في أهمية هذه النسبة، من دون التطرق إلى غرضها الأساسي بتمهيد الطريق للرئيس الحالي للاستمرار في منصبه حتى عام 2034. وتابعت المصادر أن التعليمات تشمل إبراز نسبة المرأة في المجلس النيابي على غيرها من البنود الواردة في تعديلات الدستور، والترويج لكون المرأة تعيش أزهى عصورها في ظل القيادة السياسية الحالية، بحجة أن "الكوتا" البرلمانية معتمدة لدى العديد من دول العالم، وأن النسبة الجديدة ستقفز بتصنيف مصر إلى المرتبة الرابعة بشأن نسبة النساء في برلمانات الدول العربية، بدلاً من المرتبة الـ12 كما هو الحال حالياً. ورأى مراقبون مصريون أن منح المرأة نسبة محددة (25 في المائة) من مجلس النواب يخالف المادة 53 من الدستور، التي نصّت على أن "المواطنين لدى القانون سواء، ومتساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر".
على صعيد متصل، رأت المصادر أن إعلان وزيرة السياحة رانيا المشاط، التزام الوزارة بتنفيذ أحكام القضاء واجب النفاذ، وتوجيهها اللجنة العليا للحج والعمرة بتدارس آلية وسبل تنفيذ حكم القضاء الإداري بإلغاء رسوم تكرار العمرة، وتحديد أعداد المعتمرين، وفقاً لما جاء بمنطوقه، وأسبابه الجوهرية، لا ينفك عن محاولات استرضاء شرائح محددة من المصريين قبل إجراء استفتاء تعديل الدستور. وأوضحت المصادر، أن قرار وزيرة السياحة لاقى قبولاً وارتياحاً لدى قطاع عريض من المواطنين، وخصوصاً كبار السنّ من الراغبين في تكرار العمرة من دون تحمل تكاليف مادية كبيرة، إذ إن الوزارة سبق أن فرضت رسوماً إضافية على تكرار العمرة بقيمة 10 آلاف جنيه (570 دولاراً تقريباً)، ووضع حد أقصى لأعداد المعتمرين، وهو القرار الذي قضت محكمة القضاء الإداري بوقفه، يوم السبت الماضي. واستندت المحكمة إلى مخالفة قرار وزيرة السياحة لأحكام الدستور والقانون، التي قضت بعدم جواز فرض رسوم أو ضرائب إلا بقانون، مؤكدة بطلان قرار فرض رسوم على المعتمرين، الذين سبق لهم أداء العمرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وهو القرار الذي عرّض الآلاف من شركات السياحة في مصر إلى خسائر كبيرة، من جرّاء الرسوم التي مثلت عبئاً إضافياً على المصريين الراغبين في زيارة مكة.