عندما حمل دوندو تشيفو السلاح لأول مرة قبل عقد، كان هذا للسبب نفسه الذي دفع رعاة كثيرين غيره من عرقية الفولاني على طول حدود النيجر ومالي إلى ذلك، وهو حماية ماشيتهم. لم يكن يحمل أي ضغينة تجاه جمهورية النيجر ولا الولايات المتحدة، وإنما كان خلافه مع الطوارق الذين يُغيرون على الماشية. ولكن في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول، قاد تشيفو عشرات المتشددين المتحالفين مع تنظيم "داعش" في هجوم دامٍ ضد قوات من الولايات المتحدة والنيجر، مما أسفر عن مقتل أربعة جنود من كل دولة. كما أظهر الهجوم مدى خطورة مهمة الغرب في منطقة الساحل الأفريقي.
ووصف وزير دفاع النيجر كالا مونتاري، تشيفو بـ"أنه إرهابي ورجل عصابات وشخص يريد إلحاق الضرر بالنيجر"، مضيفاً: "نتعقبه ونتفقد أثره وإذا وطئت قدمه النيجر ثانية فسيجري تحييده". بينما قالت مصادر حكومية مطلعة لـ"رويترز" إن تشيفو، مثله في ذلك مثل كثير من المسلحين فيما يعرف باسم تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى، حيث تلتقي حدود مالي والنيجر وبوركينا فاسو، كان من الرعاة الفولاني العاديين الذين لا يهتمون كثيراً بـ"الجهاد". ويمثّل تحول تشيفو وأمثاله من رعاة يحرسون أبقارهم إلى مقاتلين متشددين قادرين على شن هجمات معقدة، قصة تحظى باهتمام القوى الغربية.
عاش الطوارق والفولاني لقرون كبدو رحّل يرعون الماشية ويتاجرون. وتركز أغلب الطوارق في مناطق الكثبان الرملية والواحات في الصحراء، فيما عاش أغلب الفولاني في الساحل، وهي مساحة شاسعة من الأراضي شبه قاحلة تمتد من السنغال إلى السودان. وعلى الرغم من أن الفريقين تعايشا بشكل سلمي في أغلب الأحيان، إلا أن خلافات نشبت بين الحين والآخر، وكانت في العادة بسبب مصادر المياه. وجعلت الزيادة المضطردة في انتشار الأسلحة عبر السنوات تلك الخصومة أكثر دموية. وكانت نقطة التحول هي الإطاحة بالعقيد الليبي معمر القذافي عام 2011، مع سقوطه عاد الكثير من المرتزقة الذين عملوا لحسابه من الطوارق إلى ديارهم، ومعهم ما نُهب من ترسانة الأسلحة الليبية. وشن بعض العائدين تمرداً في مالي سعياً لإقامة دولة للطوارق في صحراء شمال البلاد، وهي حركة سرعان ما اقتنصها متشددون مرتبطون بتنظيم "القاعدة" ينشطون في مالي منذ سنين. وحتى ذلك الحين كان المتشددون في مالي يجنّدون المقاتلين ويجمعون الأموال عن طريق الخطف. وفي 2012 اجتاحوا شمال مالي وسيطروا على بلدات رئيسية، ما دفع فرنسا للتدخّل لإجبارهم على التراجع في 2013.
اقــرأ أيضاً
ووسط العنف والفوضى، وجّه بعض الطوارق أسلحتهم إلى خصومهم من جماعات عرقية أخرى، مثل الفولاني، الذين لجؤوا في ذلك الوقت إلى المتشددين لتسليحهم وتدريبهم. يسترجع أبو بكر ديالو، وهو رئيس رابطة لرعاة الماشية الفولاني على طول حدود مالي، ما حدث في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 عندما نشب خلاف بين شاب نيجيري من الفولاني وقائد من قادة الطوارق بسبب المال، إذ قام القائد بجلد الشاب وطرده. وعاد الشاب مسلحاً ببندقية كلاشنيكوف وقتل القائد وأصاب زوجته ثم هرب. وتصادف أن ذلك القتيل عم لأحد أمراء الحرب النافذين في مالي. وعلى مدى الأسبوع الذي تلا هذه الواقعة، ذبح طوارق مدججون بالسلاح 46 من الفولاني في هجمات انتقامية على الحدود بين مالي والنيجر. وكانت الواقعة هي الأكثر دموية في تاريخ المنطقة حسب وصف ديالو، الذي أضاف: "كانت تلك هي النقطة التي أدرك عندها الفولاني في المنطقة أنهم بحاجة إلى مزيد من الأسلحة للدفاع عن أنفسهم".
من جهته، قال وزير الداخلية في النيجر محمد بازوم لـ"رويترز": "كان الطوارق مسلحين وينهبون ماشية الفولاني، وشعر الفولاني بأنهم مجبرون على تسليح أنفسهم". أما جاندو زكريا، الباحث في مزيج التراث الثقافي بين الطوارق والفولاني في كلية الحقوق في جامعة نيامي، فأوضح لـ"رويترز" أن "المعتقدات الدينية كانت في ذيل قائمة اهتماماتهم"، وبدلاً من ذلك كانت المظالم المحلية هي الدافع الأساسي وراء توجّههم للتشدد. وفيما كان الطوارق في مالي والنيجر يحلمون بإقامة دولة مستقلة ويحاربون أحياناً من أجلها، كان أكثر ما يقلق الفولاني بشكل عام هو مخاوفهم على أمن مجتمعهم وقطعانهم التي يعتمدون عليها.
اليوم يقول محللون إن التنظيم المحلي التابع لـ"داعش" في تلك المنطقة ما زال صغيراً وعدد أعضائه أقل من 80 مقاتلاً. ولكن كانت هذه هي طبيعة الحال في بداية الأمر مع الفصائل المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، قبل أن يستغل الشكاوى المحلية لتوسيع نفوذه في مالي عام 2012. ونشرت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي تقريراً أوضح كيف زاد عدد أعضاء تنظيم "داعش" في الصومال إلى نحو 200 مقاتل بعد أن كانوا بضع عشرات العام الماضي.
وقالت مصادر عدة إن هناك متشدداً أثبت على وجه الخصوص براعته في اللعب على وتر السخط، ويدعى عدنان أبو وليد الصحراوي وهو من شمال أفريقيا. وجند الصحراوي العشرات من الفولاني في صفوف حركة "الوحدة والجهاد" في غرب أفريقيا التي كانت موالية لـ"القاعدة" وسيطرت على جاو والمنطقة المحاذية لحدود النيجر في 2012. وبعد أن فرقت القوات الفرنسية في 2013 صفوف متشددين في بلدات مالية سيطروا عليها، تحالف الصحراوي لفترة وجيزة مع القيادي في "القاعدة" مختار بلمختار. واليوم بات الصحراوي واجهة تنظيم "داعش" في المنطقة. وقال مصدران دبلوماسيان إن هناك إشارات إلى أن الصحراوي تلقى دعماً مالياً من تنظيم "داعش" في العراق وسورية.
(رويترز)
عاش الطوارق والفولاني لقرون كبدو رحّل يرعون الماشية ويتاجرون. وتركز أغلب الطوارق في مناطق الكثبان الرملية والواحات في الصحراء، فيما عاش أغلب الفولاني في الساحل، وهي مساحة شاسعة من الأراضي شبه قاحلة تمتد من السنغال إلى السودان. وعلى الرغم من أن الفريقين تعايشا بشكل سلمي في أغلب الأحيان، إلا أن خلافات نشبت بين الحين والآخر، وكانت في العادة بسبب مصادر المياه. وجعلت الزيادة المضطردة في انتشار الأسلحة عبر السنوات تلك الخصومة أكثر دموية. وكانت نقطة التحول هي الإطاحة بالعقيد الليبي معمر القذافي عام 2011، مع سقوطه عاد الكثير من المرتزقة الذين عملوا لحسابه من الطوارق إلى ديارهم، ومعهم ما نُهب من ترسانة الأسلحة الليبية. وشن بعض العائدين تمرداً في مالي سعياً لإقامة دولة للطوارق في صحراء شمال البلاد، وهي حركة سرعان ما اقتنصها متشددون مرتبطون بتنظيم "القاعدة" ينشطون في مالي منذ سنين. وحتى ذلك الحين كان المتشددون في مالي يجنّدون المقاتلين ويجمعون الأموال عن طريق الخطف. وفي 2012 اجتاحوا شمال مالي وسيطروا على بلدات رئيسية، ما دفع فرنسا للتدخّل لإجبارهم على التراجع في 2013.
ووسط العنف والفوضى، وجّه بعض الطوارق أسلحتهم إلى خصومهم من جماعات عرقية أخرى، مثل الفولاني، الذين لجؤوا في ذلك الوقت إلى المتشددين لتسليحهم وتدريبهم. يسترجع أبو بكر ديالو، وهو رئيس رابطة لرعاة الماشية الفولاني على طول حدود مالي، ما حدث في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 عندما نشب خلاف بين شاب نيجيري من الفولاني وقائد من قادة الطوارق بسبب المال، إذ قام القائد بجلد الشاب وطرده. وعاد الشاب مسلحاً ببندقية كلاشنيكوف وقتل القائد وأصاب زوجته ثم هرب. وتصادف أن ذلك القتيل عم لأحد أمراء الحرب النافذين في مالي. وعلى مدى الأسبوع الذي تلا هذه الواقعة، ذبح طوارق مدججون بالسلاح 46 من الفولاني في هجمات انتقامية على الحدود بين مالي والنيجر. وكانت الواقعة هي الأكثر دموية في تاريخ المنطقة حسب وصف ديالو، الذي أضاف: "كانت تلك هي النقطة التي أدرك عندها الفولاني في المنطقة أنهم بحاجة إلى مزيد من الأسلحة للدفاع عن أنفسهم".
اليوم يقول محللون إن التنظيم المحلي التابع لـ"داعش" في تلك المنطقة ما زال صغيراً وعدد أعضائه أقل من 80 مقاتلاً. ولكن كانت هذه هي طبيعة الحال في بداية الأمر مع الفصائل المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، قبل أن يستغل الشكاوى المحلية لتوسيع نفوذه في مالي عام 2012. ونشرت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي تقريراً أوضح كيف زاد عدد أعضاء تنظيم "داعش" في الصومال إلى نحو 200 مقاتل بعد أن كانوا بضع عشرات العام الماضي.
وقالت مصادر عدة إن هناك متشدداً أثبت على وجه الخصوص براعته في اللعب على وتر السخط، ويدعى عدنان أبو وليد الصحراوي وهو من شمال أفريقيا. وجند الصحراوي العشرات من الفولاني في صفوف حركة "الوحدة والجهاد" في غرب أفريقيا التي كانت موالية لـ"القاعدة" وسيطرت على جاو والمنطقة المحاذية لحدود النيجر في 2012. وبعد أن فرقت القوات الفرنسية في 2013 صفوف متشددين في بلدات مالية سيطروا عليها، تحالف الصحراوي لفترة وجيزة مع القيادي في "القاعدة" مختار بلمختار. واليوم بات الصحراوي واجهة تنظيم "داعش" في المنطقة. وقال مصدران دبلوماسيان إن هناك إشارات إلى أن الصحراوي تلقى دعماً مالياً من تنظيم "داعش" في العراق وسورية.
(رويترز)