ويقول يسري في حديث لـ"العربي الجديد" إنها "المرة الأولى التي يتجه فيها الأمن لمصادرة الهواتف المحمولة من المواطنين منذ بدء العمليات العسكرية قبل خمسة أعوام تقريباً، لا ندري ما السبب الحقيقي وراء ذلك، مصالحنا تعطّلت بسبب عدم توافر الهواتف"، مضيفاً أنه توجّه إلى أحد أقسام الشرطة في المدينة، للسؤال عن مصير هاتفه، إلا أنّه لم يحصل على إجابة واضحة حول ذلك.
ويوضح يسري أنّ قوات الأمن سجّلت اسمه الثنائي على الهاتف، من دون أي معلومات إضافية عن مكان إقامته، أو رقم هاتفه، مما يضعف احتمالات عودة الهواتف المحمولة لأصاحبها. وهذا ما أكد عليه أيضاً الشاب ياسر فرحات، والذي قال إن قوات الأمن صادرت هواتف أفراد عائلته بأكملها، موضحاً أنّ ضابط الشرطة الذي اقتحم منزلهم "طلب هواتف بعدد أفراد البيت، إلا أنّه لم يسجل أي بيانات عن العائلة"، وعند سؤالهم له عن هذا الإجراء، أخبرهم بأنه "سيتكفّل بإعادة الهواتف للمنزل في حال جاء قرار بذلك".
يذكر أنه سجلت على مدار العمليات العسكرية لقوات الأمن المصري في الأعوام الماضية، حوادث مصادرة محتويات منازل ومقتنيات شخصية وسيارات ودراجات نارية، تتبع للمواطنين، بحجة "استخدامها في عمليات إرهابية". ورغم تقديم أصحابها تأكيدات تنفي ذلك، إلا أنّها ما زالت مصادرة لدى قوات الأمن، ويجري استخدامها من قبلهم في العمليات والتحركات داخل المحافظة، مما يزيد احتمالات مصادرة الهواتف المحمولة الخاصة بالموطنين بلا رجعة.
وفي هذا السياق، يقول أحد النشطاء السياسيين في مدينة العريش لـ"العربي الجديد": "إن قوات الأمن عمدت خلال العملية العسكرية الحالية إلى اتخاذ خطوات جديدة، كي تُشعر المواطنين أن هناك تطوراً في أداء الأمن، وأن الحملة الجديدة تأتي ضمن خطة محكمة للسيطرة على الوضع الأمني، وللتأكيد على ذلك صادرت هواتف المواطنين، كإجراء جديد يتخذ منذ الانقلاب العسكري صيف 2013".
ويضيف الناشط، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن قوات الأمن تعتقد أيضاً أن "إجراء مصادرة الهواتف من شأنه أن يقوّض عملية تسريب المعلومات إلى المجموعات الإرهابية، أو أنها ستحصل على معلومات جديدة حول التنظيم الإرهابي بفحص هواتف المواطنين"، معتبراً أنّ ذلك "سيفشل بالنظر إلى أنّ الهواتف المصادرة كانت لمواطنين عاديين، وتمت مصادرتها خلال تحركهم الاعتيادي، أو من داخل منازلهم، عدا عن أن التنظيم، كما يعلم الجميع في سيناء، يستخدم شرائح هواتف إسرائيلية لا يصل إرسالها إلى مدينة العريش، وأجهزة اتصال لاسلكي".
ولم تقتصر حملات مصادرة الهواتف على مدينة العريش فحسب، بل امتدت إلى مدينة بئر العبد البعيدة نسبياً عن مركز العمليات العسكرية، وهجمات التنظيم. وتؤكّد مصادر قبلية من قرية رابعة، إحدى قرى المدينة، لـ"العربي الجديد"، أن قوات الجيش والشرطة "صادرت جميع الهواتف المحمولة من منازل القرية قبل أكثر من شهر ونصف الشهر، كما صادرت أجهزة الحواسيب المحمولة (لابتوب) من دون إبلاغ المواطنين بأسباب ذلك، أو مواعيد إرجاعها".
وتضيف المصادر ذاتها أن قوات الأمن تزعم أن بعض المواطنين يبلغون عن تحركاتها لصالح العناصر الإرهابية النشطة في سيناء، أو أنهم يوثّقون بواسطة الهواتف المحمولة انتهاكات الجيش والشرطة بحق المواطنين في ظلّ حالة الطوارئ، والاستنفار العالي من قبل القوات الأمنية خلال العملية العسكرية الشاملة، بالإضافة إلى خشيتها من تصدير معلومات خارج سيناء غير تلك التي يرغب الأمن في إعلانها للجمهور المصري، والإعلام الخارجي.
ويشنّ الجيش المصري، مدعوماً بقوات من الشرطة، عملية واسعة في شمال سيناء بدعوى "مكافحة الإرهاب"، أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من مائتين من عناصر "ولاية سيناء" (الفرع المصري من "داعش")، ونحو 35 ضابطاً وجندياً، بحسب الإحصاءات الرسمية. ووفقا للناشط السياسي نفسه، فإن قوات الأمن "لا تراعي خلال مصادرتها للهواتف المحمولة وجود ملفات ذات خصوصية بالنسبة للمواطنين، كالصور العائلية، ولاسيما في هواتف النساء، أو الرسائل المتبادلة بين أفراد الأسرة، إذ لا تسمح لأي مواطن بمسح الصور أو الرسائل المحفوظة على الهاتف، رغم طلب غالبية المصادرة هواتفهم بذلك، خلال مداهمات الأمن للمنازل، أو على الكمائن المنتشرة في مدن العريش وبئر العبد وبقية مدن محافظة شمال سيناء". ويشير إلى أنّ ذلك "يزيد من توجّس العائلات حول مصير الصور العائلية والمراسلات الخاصة، وإمكانية استغلالها من قبل ضباط الأمن في وقت لاحق كابتزاز الفتيات، خصوصا أنّ قوات الأمن اعتادت على اعتقال النساء في سيناء، وازداد ذلك خلال العملية العسكرية الحالية، مما ضاعف تعرضهن للمضايقات من قبل الضباط والعسكريين".
ويوضح الناشط أنّ الأمن المصري حين يصادر الهواتف المحمولة "لا يراعي أبداً ارتباط مصالح عشرات المواطنين بما يحتويه الهاتف من أرقام ومراسلات أو حتى مواد محفوظة عليه، وهو ما أوقف مصالح المواطنين، فيما لم يستطع غالبيتهم شراء هواتف محمولة جديدة في ظلّ ارتفاع أسعارها منذ فترة طويلة، فضلاً عن أنها ارتفعت أكثر في ظلّ حالة مصادرة الهواتف، وإغلاق الطرق أمام حركة التجار، الذين يتخوفون بدورهم من مصادرة هواتفهم خلال طريقهم إلى سيناء".