لا تقف الحكومة الشرعية اليمنية بأفضل حال، إذ تواجه تحديات شتى في المحافظات التي تصفها بـ"المحررة"، وليس "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانقلابي سوى أبرز محطاتها. في المقابل، يغرق الانقلابيون في صنعاء بخلافات داخلية عميقة بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. ومن غير المستبعد أن تتحول هذه الحالة الصراعية الداخلية السائدة لدى طرفي الصراع، إلى أحد الخيوط التي قد تقود إلى إعادة نسج التحالفات باليمن.
وعلى الرغم من مرور ما يقرب من شهر على صدور ما سُمي "إعلان عدن التاريخي"، والذي كلف محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي، بتشكيل قيادة سياسية للمناطق الجنوبية لليمن، لم تتخذ الحكومة الشرعية خطوات محورية من شأنها إحباط ما اعتبره رئيس الوزراء، أحمد عبيد بن دغر، في أحد تصريحاته، انقلاباً في عدن، على غرار الانقلاب الذي شهدته صنعاء قبل ما يزيد عن عامين.
ومن جهة أخرى، في العاصمة اليمنية صنعاء، لا يبدو تحالف الانقلاب المؤلف من الحوثيين، وحزب المؤتمر الذي يترأسه صالح، في وضعٍ يستهوي استثمار التطورات جنوباً. وتبدو أحياناً الرسائل المتبادلة بين الحليفين ضد بعضهما البعض، أقوى صدىً، من تلك الروتينية التي تهاجم "التحالف العربي" وما يسمونه بـ"العدوان" والحكومة الشرعية وأنصارها، بعدما جعلت الحرب وخسائرها طوال أكثر من عامين، كلا الشريكين في موقع الدفاع وتحالف لمواجهة "الخصم الواحد"، مع أن الخلافات كثيرة بينهما.
وفي أحدث الرسائل، تناقلت صفحات ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، من المؤيدين لحزب صالح، تسريباً مفاده بأن الحزب يهدّد بـ"فك الارتباط" مع الحوثيين. وجاء فيه خبر إعادة لموقف سابق أُعلن الأسبوع الماضي مع إضافة. وفي التفاصيل، يطالب الحزب بتنفيذ "كافة الاتفاقات الموقعة" بين المؤتمر و"أنصارالله"، وذلك "في ما يتعلق بإدارة شؤون الدولة وفقاً للدستور والقوانين النافذة وبما يضمن الحفاظ على أداء مؤسسات الدولة لواجباتها ومسؤولياتها الدستورية تجاه المواطنين".
وحمل تسريب الجمعة الماضي غير المنشور بوسائل إعلام تابعة رسمياً لحزب المؤتمر، إضافة فقرة تتضمن التهديد بانسحاب حزب صالح من اتفاق الشراكة مع الحوثيين. وهذا الاتفاق الذي كان الطرفان قد وقعا عليه أواخر يوليو/ تموز العام الماضي، وعلى إثره جرى تشكيل ما سُمي "المجلس السياسي الأعلى"، كواجهة للسلطة العليا في مناطق سيطرة الطرفين، ثم لاحقاً تشكيل ما سُمي "حكومة الإنقاذ الوطني" في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، بالشراكة بين الطرفين.
وعلى الرغم من الاتفاق الموقع، يتهم أنصار صالح حلفاءهم الحوثيين، بالتنصل من تبعات الاتفاق الذي كان من المفترض أن تنسحب على ضوئه ما تُسمى بـ"اللجان الثورية"، من الوزارات والمؤسسات الحكومية، وهي اللجان التي تمثل الحوثيين في مؤسسات الدولة منذ اجتياحهم للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
ومنذ أسابيع، أجرى الحوثيون تعديلاً على قائمة ممثليهم في "المجلس السياسي"، المؤلف من عشرة أعضاء، بالمناصفة بين الطرفين. وأبعدت الجماعة القيادي البارز، يوسف الفيشي، أحد من يعرفون بعلاقة جيدة مع حزب صالح. وجرى استبداله بنائب رئيس الوفد المفاوض، مهدي المشاط، والذي يُوصف أيضاً، بأنه مدير مكتب زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي.
وكانت خلافات الحوثيين وحلفائهم قد تصاعدت بعد دخول الطرفين بشراكة في الحكومة التي عجزت عن الحصول على اعتراف دولي وفشلت في حل أزمة المرتبات، واضطرت في مايو/أيار الماضي، قيادات في الطرفين إلى العمل من أجل فرض حالة من التهدئة الإعلامية، أصدر معها الحزب والجماعة بيانات رسمية تدعو لعدم الانجرار وراء الانتقادات المتبادلة من ناشطين محسوبين على الطرفين، في مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي ظل الحالة التي تتغذّى فيها انقسامات الشرعية جنوباً، وخلافات الانقلابيين شمالاً، يبدو المشهد اليمني أمام حالة قد تؤسس لمرحلة مختلفة، سواء ساهمت في التوجه نحو اتفاق سلام، أو نحو فرز القوى والتحالفات وخرائط الحرب باتجاه مختلف.