في الوقت الذي لم تعلّق فيه روسيا رسمياً على تقرير للأمم المتحدة عن وجود ما يصل إلى 1200 عنصر من مرتزقة شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة في ليبيا، ثمة إجماع بين الخبراء الروس على أن الاعتماد على العناصر القتالية غير النظامية يساعد الدولة الروسية في تبرئة نفسها من نشاط مثل هذه الشركات، والاستمرار في مساعيها للتوسط بين طرفي النزاع، المتمثلين بحكومة الوفاق الوطني ومليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي أحرج موسكو بإعلانه تفرّده بالسلطة في نهاية إبريل/ نيسان الماضي.
في هذا الإطار، يشير الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيميونوف، إلى أن روسيا لم تنفِ يوماً وجود شركات عسكرية روسية على الأرض في ليبيا، مرجحاً حصول هذه الشركات على مكافآت مالية سخية من رعاة حفتر الخلجيين. ويقول سيميونوف في حديث لـ"العربي الجديد": "لا تنفي موسكو وجود المرتزقة في ليبيا، لكن المسألة تكمن في من يوفّر التمويل لهم، وهناك خيوط تقود إلى الإمارات. ولولا هذا التمويل، لما ذهب المرتزقة الروس إلى ليبيا. أعتقد أن عدداً من الشركات الروسية الداعمة للجيش الوطني الليبي وحفتر تنطلق من مصالحها الخاصة، أي الحصول على المكافآت المالية التي يدفعها لها بعض الرعاة الخليجيين بسخاء".
ويرجّح الخبير الروسي ألّا تؤثر الأزمة الاقتصادية في روسيا الناجمة عن وباء كورونا وتدنّي أسعار النفط بعلاقتة موسكو مع حفتر، مضيفاً: "لم تستثمر روسيا أي أموال في حفتر، ما يعني أن أزمة كورونا في موسكو والقيود المفروضة بسبب الفيروس لن تنعكس على العلاقة بين الطرفين. لكن الشركات غير الحكومية الروسية التي تسعى إلأى التربّح من حفتر لا لتمويله، قد تعيد النظر في موقفها في حال نشوب مشكلات مالية لدى رعاتها الخليجيين بسبب الأزمة وانقطاع تدفق الأموال منهم".
بدوره، يشير الأستاذ في قسم العلوم السياسية في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، غريغوري لوكيانوف، إلى أن الدولة الروسية لا تستثمر أي أموال في ليبيا، مرجحاً ألا تتغير سياستها تجاه الأزمة الليبية على المدى المتوسط. ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الدولة الروسية في حدّ ذاتها تتبنّى موقفاً منضبطاً وتقف على المسافة نفسها من جميع أطراف النزاع من دون الانحياز إلى أيٍّ منها، ولا تعترف إلا بضرورة الحل السياسي للأزمة الليبية، استناداً إلى مبادئ الحوار الشامل بمشاركة جميع الأطراف الداخلية الليبية. أما الشركات الأمنية الروسية الحاضرة في ليبيا، فلا مجال لتسوية مصالحها بمصالح الدولة، لكونها شركات تستهدف تحقيق ربح لملاكها".
ومن المؤشرات التي تعزز رواية العزم على مواصلة روسيا أداء دور الوسيط بين الأطراف الليبية، بروز ردود أفعال روسية غاضبة من إعلان حفتر تفرّده بالسلطة، وسط تأكيد وزارة الخارجية الروسية والكرملين رفض خيار الحل العسكري وضرورة الحوار السياسي - الدبلوماسي. وحول دوافع حفتر في إعلان تفرّده بالسلطة بالتزامن مع تفاقم كورونا، يرى لوكيانوف أنه "في الظروف الحالية، لا دولة في العالم مستعدة للتورط النشيط في الأزمة الليبية. لذلك، يمكن القول إن أعمال حفتر ناجمة جزئياً عن فهمه الدقيق للوضع بشكل لا يسمح فيه وباء كورونا لأيٍّ من الأطراف المعنية بعرقلته اليوم". وفي ما يتعلق بتأثير تحركات حفتر على السياسات الروسية في ليبيا، يقول: "أعتقد أن السياسة الروسية تجاه الأزمة الليبية لن تتغير على المدى المتوسط، ولن تذهب القيادة الروسية أبعد من الإدانة اللفظية التي قد أدلت بها لإعلان حفتر، ولن تتخذ أي إجراءات جادة تجاه الشركات العاملة في ليبيا، ولن تقدم على أي خطوات من شأنها الضغط على حفتر".
من جهتها، أشارت صحيفة "نيوز.رو" الإلكترونية الروسية إلى أن مليشيات حفتر تكبدت خسائر كبيرة جراء صداماتها الأخيرة مع قوات حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، على الرغم من مشاركة مرتزقة "فاغنر"، ما دفع حلفاء حفتر الخليجيين إلى توسيع نطاق دعمه. وفي مقال بعنوان "جنود الحظ الروس يخيبون آمال حفتر"، ذكرت الصحيفة أن عجز حفتر عن الحفاظ على سيطرته على المدن الساحلية الليبية أثار قلق حلفائه الخليجيين، مع شنّ الإمارات حملة دبلوماسية بهدف زيادة عدد الدول الداعمة له.
ومع ذلك، أقرّت الصحيفة بحقيقة مفادها أن التغيير الجذري للوضع، لمصلحة أحد طرفي النزاع الليبي، يتطلّب دعماً أكثر كثافة وكلفة من اللاعبين الخارجيين، سواء من تركيا الداعمة لحكومة الوفاق أو من الإمارات والسعودية ومصر الداعمة لحفتر، وخلصت إلى اعتبار أن العامل الحاسم هو ما إذا كان الرعاة الخارجيون سيقدمون على مثل هذه النفقات في ظروف الأزمة العالمية. وكانت وكالة "رويترز" قد ذكرت يوم الأربعاء الماضي أن تقريراً أممياً سرياً كشف أن شركة "فاغنر" الروسية أوفدت إلى ليبيا ما بين 800 و1200 فرد متخصص في المهمات العسكرية، بمن فيهم قنّاصة، في تعزيز كبير لمليشيات حفتر.