وتقدم أردوغان رسمياً بترشيحه عما بات يعرف بـ"التحالف الجمهوري"، المؤلف من حزب العدالة والتنمية الحاكم، والحركة القومية اليميني القومي المتطرف. وكرت سبحة المرشحين المعارضين من حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة)، زعيم كتلته البرلمانية، نائب رئيس الحزب محرم إنجة، علماً أنه سبق لزعيمة "الحزب الجيد" (المنشقة عن الحركة القومية) ميرال أكشنر، أن ترشحت، وزعيم حزب السعادة (حزب نجم الدين أربكان)، تِمِل كارا مولا أوغلو، وزعيم حزب وطن (يساري قومي) دوغو بيرينجك، وزعيم حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش، المسجون بتهم تتعلق بدعم الإرهاب، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني، ومرشح سادس هو وجدات أوز زعيم حزب العدالة (يميني قومي).
ولا توجد حظوظ حقيقية لأي من المرشحين المنافسين بتشكيل خطر على تجديد أردوغان لعهده الرئاسي، إذ يشير المراقبون إلى أنه "إن لم يتمكن أردوغان من حسم سباق الرئاسة من الجولة الأولى، فإن حسمها من الجولة الثانية لا يبدو صعباً، بما أنه الوحيد القادر على تحقيق اختراقات في مختلف طبقات وصنوف الناخبين الأتراك، بدءاً من اليمين القومي ومروراً باليمين المحافظ ووصولاً إلى الناخب الكردي، الذين يشكّلون مجتمعين غاليبة الناخبين الأتراك".
وحتى لو تمّ التوجّه إلى جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية، واجتمعت أحزاب المعارضة على دعم مرشح واحد، فإن تكرار سيناريو الانتخابات الرئاسية في أغسطس/ آب من عام 2014 هو المرجح، حين حسم أردوغان حينها المواجهة مع مرشح المعارضة المشترك، أكمل الدين إحسان أوغلو، بفارق كبير. ويبدو أن الجولة الثانية، إنْ حصلت، ستكون بين أردوغان من جهة ومرشح الشعب الجمهوري، محرم إنجة، أو زعيمة الحزب "الجيد"، ميرال أكشنر، من جهة أخرى. ويقف في وجه كل من المرشحَين العديد من العقبات في وجه قدرتهما على حشد كتلة شعبية واسعة خلفهما تمكنهما من الإطاحة بأردوغان.
بالنسبة لأكشنر، وإن عملت خلال الأشهر الماضية على تقديم نفسها كمرشح يميني ليبرالي محافظ، إلا أنها أدت في الأسابيع الأخيرة دوراً محورياً في ضرب التحالف المعارض برمته، إذ كانت السبب الرئيس بإسقاط سيناريو غول. كما أنها تُعتبر من المعارضين الرئيسيين الذين يقفون في وجه ضمّ حزب الشعوب الديمقراطي (غالبية كردية) إلى التحالف المعارض، والذي عبّر بدوره عن رفضه الضمني لأي سيناريو تكون فيه أكشنر مرشحة مشتركة عن المعارضة، بما يجعل إمكانية جذبها لأصوات اليسار الكردي الموالي للكردستاني شبه معدومة، بينما يبقى اليمين المحافظ الكردي موالياً بشدة لأردوغان، بسبب ضربه حزب العمال الكردستاني وتوسيع الحريات الدينية والخطاب الديني الواسع في سلوك وأدبيات أردوغان.
وتسعى أكشنر لجذب أصوات الكماليين ونسبة معتبرة من القوميين الأتراك المتطرفين العلمانيين من أنصار الحركة القومية، الغاضبين من تحالف دولت بهجلي مع العدالة والتنمية. ويبدو أن كتلة الـ49 في المائة المعارضة للتحول إلى النظام الرئاسي، قد سقطت، وسط تحول النظام الرئاسي إلى أمر واقع، بينما لم يذكر أي من مرشحي المعارضة حتى الآن نيته بالعودة إلى النظام البرلماني.
من جانب آخر، تقف في وجه قدرة إنجة على جذب أصوات اليسار الكردي الكثير من العقبات، ورغم أنه كان من أشد الرافضين للقانون التي أتاح نزع الحصانة عن البرلمانيين الأتراك بما ساهم في محاسبة نواب الشعوب الديمقراطي وزجهم في السجون بتهم دعم الإرهاب، إلا أن الجذور الكمالية المتطرفة لإنجة قد تقف عائقاً أمام تصويت الناخب الكردي الموالي للعمال الكردستاني له، وكذلك يصعب أن يحصل على أصوات كثيرة من الأكراد أو من أتراك وسط وجنوب شرق الأناضول، في الوقت الذي يفتقر فيه للخبرات والإنجازات السياسية التي تتيح له الحشد لنفسه في مواجهة أردوغان.
وافتتح إنجة حملته الانتخابية في الخطاب الذي ألقاه بعد إعلان ترشيحه بشكل رسمي، بتوجيه انتقادات شديدة لأردوغان إثر موقفه من ترشح رفيق دربه غول، مشدداً على أنه سيعمل على إعادة القضاء إلى حياده. وبدت واضحة قدرة إنجة الخطابية بخطابه الشعبوي والذي يكاد يستنسخ طريقة أردوغان، والقدرة على إثارة الجماهير وتحميسها.
ولا يمتلك كارامولا أوغلو وبيرينجك أي حظوظ في تشكيل أي خطر على أردوغان، ومن المرجح أن تعود أصوات حزب السعادة إلى أردوغان في الجولة الثانية، وتذهب أصوات حزب الوطن إلى مرشح المعارضة الذي سيتم الإجماع عليه. وبينما يبدو التحالف الجمهوري بين كل من حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية صلباً، لا زالت أحزاب المعارضة التركية تعاني في تكوين تحالفها الذي تشير التسريبات إلى أن اسمه يتأرجح بين التحالف الديمقراطي أو تحالف الاستقرار.
وتأجل إعلان كل من الحزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري وحزب السعادة عن تحالفهم، بشكل رسمي، يوم الخميس الماضي، بسبب طلب الأخير مهلة لإجراء المزيد من المشاورات بين قياداته. وتشير التسريبات إلى أن أحد أهم أوجه الاتفاق بين الأحزاب الثلاثة، يتمثل فقط في تصفير العتبة البرلمانية أمام دخول الأحزاب إلى البرلمان (هي حالياً 10 في المائة)، رغم أن تمرير قانون التحالفات الحزبية، سهّل للأحزاب الصغيرة مهمة اجتياز العتبة الانتخابية (10 في المائة)، مع إمكانية حفاظ كل من الأحزاب المتحالفة على قائمتها الخاصة وكذلك شعارها، من دون الحاجة إلى التقدم بلوائح مرشحين مشتركة.
في غضون ذلك، يبدو حزب الشعوب الديمقراطي في أسوأ حالاته بعد الصعود الكبير الذي شهده في عامي 2014 و2015، وذلك بعد أن تم استبعاده من التحالف المعارض، وكذلك هبوط شعبيته بعد المعارك التي خاضها العمال الكردستاني مع الجيش التركي في مدن وبلدات جنوب شرق تركيا، وكذلك في ظل وجود معظم قياداته في السجون. ويواجه الحزب اليوم مهمة صعبة تتعلق بالقدرة على تخطي العتبة البرلمانية والحفاظ على كتلة حزبية في البرلمان، بينما لا يبدو ترشيح دميرتاش سوى محاولة من الحزب لجذب النظر للقضية الكردية في تركيا.