في تجمّع شعبي في مدينة وهران شمال غربي الجزائر، في 23 فبراير/ شباط الماضي، كان معاذ بوشارب مزهوّاً بعد إعلان الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة ترشّحه لولاية خامسة. وخلال التجمّع ذاته، أطلق بوشارب تصريحات مستفزة ضدّ قوى المعارضة، قال فيها: "أحلام سعيدة وصحّ النوم". لكنه استفاق على حقيقة سياسية مغايرة، بفعل تمدّد الحراك الشعبي الذي يتجه إلى إبعاده من الحياة السياسية، التي طفى إلى سطحها بشكل مفاجئ في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي فقط، إذ لم يكن معروفاً قبل ذلك. ويدفع هذا الحراك عدداً من قيادات حزب "الجبهة الوطنية" إلى أزمة داخلية عميقة، بفعل حالة انقسام وصدام سياسي بين كتلة من أعضاء المركزية والقيادة الحالية برئاسة بوشارب، الذي كان عيّنه بوتفليقة على رأس الحزب في نوفمبر الماضي، فيما تسعى اللجنة المركزية اليوم للتخلّص منه.
ونشرت كتلة أعضاء اللجنة المركزية أخيراً، بياناً قبل أيام أعلنت فيه عدم اعترافها بالهيئة القيادية التي يتزعمها بوشارب، داعية إلى عدم الاعتراف وتنفيذ أي قرارات تصدر عن الهيئة القيادية، وخصوصاً في ما يتعلّق بترتيبات عقد المؤتمر الوطني العام، الذي كان يفترض عقده نهاية الشهر الماضي. واعتبر البيان أنّ "كل ما جاء في تعليمة بوشارب هي قرارات مزوّرة وغير شرعية"، وأنّ "اللجنة المركزية المنبثقة عن المؤتمر العاشر هي وحدها المسؤولة عن تقرير متى يمكن عقد المؤتمر أو عدم عقده، طبقاً لما ينصّ عليه القانون الأساسي والنظام الداخلي للحزب". وعلّق في حينه العضو القيادي في كتلة اللجنة المركزية، رشيد عساس في حديث مع "العربي الجديد" على هذه التطورات، قائلاً إنّ "اللجنة المركزية لن تسمح لمعاذ بوشارب بعقد المؤتمر، لأنه يترأس قيادة غير شرعية جاءت في ظروف غير طبيعية في الحزب"، مؤكداً أنّ "اللجنة دعت كوادر الحزب كلها لعدم التعامل مع بوشارب وهيئته، حتى إعادة انتخاب قيادة شرعية من قبل اللجنة المركزية، وفقاً لما ينصّ عليه القانون الداخلي للحزب".
وفي سياق الأزمة الداخلية، اعتصم أخيراً عدد من كوادر "الجبهة الوطنية للتحرير" أمام المقرّ المركزي للأخير في العاصمة الجزائرية، للمطالبة برحيل بوشارب، رافعين شعارات تطالب بتحرير الحزب مما وصفوها بـ"الهيئة غير الشرعية التي تسعى إلى استغلال الحزب لأغراض سياسية".
ويعرف حزب "جبهة التحرير الوطني" أزمة داخلية مزمنة منذ نهاية عام 2003، بعد تمرّد حركة تصحيحية وكتلة من قياداته، على الأمين العام الأسبق علي بن فليس. ولا تزال تداعيات هذه الأزمة مستمرة إلى الآن، على الرغم من توالي عدد من الأمناء العامين على قيادة "جبهة التحرير".
وانتقلت أزمة الحزب الحاكم إلى توأمه السياسي "التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي يقوده رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى. فالأخير يعيش أسوأ أيامه، ويواجه ضغوطاً غير مسبوقة، أكثر قسوة من أزمة حزبه عام 2013، التي أدّت يومها إلى طرده من التجمع.
ويواجه أويحيى حالة تمرّد، إذ تطالبه كوادر "التجمّع الوطني الديمقراطي" بالاستقالة والخروج من المشهد السياسي، وخصوصاً أنه كان أحد ركائز نظام بوتفليقة، وتقلّد مهمة رئيس الحكومة لثماني مرات منذ اعتلاء الأول السلطة عام 1999.
رئيس حزب تجمع "أمل الجزائر" عمار غول، هو ثالث شخصية سياسية تقود حزباً يعدّ أحد الأحزاب الأربعة، العضو في التحالف الرئاسي الذي كان يوفر حزاماً سياسياً لترشيح بوتفليقة إلى ولاية رئاسية خامسة، ويدفع بالبلد إلى كارثة سياسية. ويعيش غول أسوأ فترة في مساره السياسي، إذ اختفى نهائياً عن المشهد السياسي منذ إعلان بوتفليقة إلغاء الانتخابات في 11 مارس الماضي، فيما كان قبل ذلك يملأ الفضاءات السياسية العامة.
وفي السياق، تطالب مجموعة من كوادر "أمل الجزائر" غول بالاستقالة من الحزب، الذي يعرف كذلك انسحاباً لافتاً لأعضائه وانضمامهم إلى الحراك الشعبي.
وغول قيادي سابق في حزب "إخوان الجزائر" (حركة مجتمع السلم)، التي انشق عنها في يونيو/ حزيران 2012، بعد رفضها المشاركة في الحكومة. كان قد شغل سابقاً منصب وزير الأشغال العمومية، قبل أن يفلت عام 2012 بشكل غامض من قضية فساد تتعلّق بإنجاز الطريق السيار شرق غرب (مشروع طريق يربط بين غربي الجزائر وشرقها)، التي تورط فيها عدد من إطارات الوزارة ومسؤولون وأمنيون.
ولعلّ أكثر الصامتين من قيادات أحزاب التحالف الرئاسي، هو عمارة بن يونس، رئيس "الحركة الشعبية الجزائرية" ووزير التجارة السابق، الذي لم يصدر مواقف كثيرة في الفترة التي تلت إعلان بوتفليقة ترشحه لولاية رئاسية خامسة، في العاشر من فبراير الماضي. ومقرّ الحزب مغلق منذ أسابيع، بفعل تواري قيادة "الحركة الشعبية" عن الأنظار وانزوائها. ويرفض بن يونس مخاطبة الرأي العام والمشاركة في النقاشات في القنوات المحلية.
لكن تحليلات لمراقبين، ترى أنّ محاولات كوادر "جبهة التحرير" و"التجمّع الديمقراطي" و"تجمّع أمل الجزائر" و"الحركة الشعبية"، التخلّص من الشخصيات الأربع التي تمثّل رؤوسها السياسية، لكونها أصبحت عبئاً سياسياً على الأحزاب الأربع بفعل مواقفها المتماهية والداعمة لبوتفليقة، والمتحمسة لترشحه لولاية خامسة في الانتخابات، التي كانت مقررة في 18 إبريل الحالي قبل إلغائها، ليست سوى محاولة لإعادة التموقع السياسي.
وفي هذا الإطار، قال الناشط والمحامي طارق مراح في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "القيادات التي تحاول في الوقت الحالي أن تلقي عبء الأزمة على كاهل رؤساء أحزاب التحالف الرئاسي، تحاول في الوقت نفسه التهرّب من مسؤولياتها السياسية، في دفع البلاد إلى الأزمة، عبر دعم سياسات بوتفليقة، والهرب من المطالب المركزية للحراك الشعبي بحلّ أحزاب السلطة، وخصوصاً جبهة التحرير، واستعادة رمزه التاريخي، كملك مشترك لكل الجزائريين، باعتبار الجبهة كانت الإطار النضالي الجامع للجزائريين في ثورة التحرير". وأضاف أنه يتوقّع أن تتعرّض هذه الأحزاب لفشل انتخابي في أول استحقاق مقبل من هذا النوع، بعد تحرّر الإدارات والقضاء والهيئات الرسمية للدولة من الهيمنة السياسية التي كانت تخدم أحزاب بوتفليقة الأربعة.