صدقت توقعات المراقبين التي "تنبأت" منذ الكشف عن قانون الانتخابات الذي يعتمد نظام القوائم النسبية المفتوحة. وكان القانون المذكور قد أُدخل الخدمة للمرة الأولى في هذه الانتخابات، التي أكد المراقبون صعوبة حصول أي قائمة انتخابية فيها على أكثر من مقعد نيابي في سياق التنافس. ولم تحصل سوى قائمتين فقط على مقعدين بالتنافس، فيما حصلت العديد من القوائم الفائزة، إضافة لمقعد التنافس، على مقعد عن الكوتا. مع العلم أن عدد مقاعد مجلس النواب يبلغ 130 مقعداً، 15 منها مخصص لكوتا المرأة، و9 لكوتا المسيحيين، و3 لكوتا الشركس والشيشان، وهي المقاعد التي تنافس عليها 1252 مرشحاً ومرشحة توزعوا على 266 قائمة انتخابية.
وفي التفاصيل، فإن العملية الانتخابية أظهرت مفاجآت على صعيد النتائج، التي ستنعكس بالضرورة على التركيبة العامة لمجلس النواب، وإن كان التغيير المتوقع لن يترك أثره سريعاً على تفاعلات المعادلة السياسية في البلاد، والصورة النمطية "القاتمة" التي كوّنها المواطنون عن المجلس قياساً على أداء المجالس المتعاقبة.
أولى المفاجآت تمثلت بخروج نوابٍ بارزين فشلوا بالعودة إلى مقاعدهم التي جلسوا عليها طويلاً تحت القبة. ومن بين هؤلاء نواب محسوبون على القوى العشائرية، وآخرون محسوبون على طبقة "الأغنياء"، كما خرج أقوياء محسوبون على التيار المدني غير المنظّم. وهي المفاجآت التي لا يزال المرشحون وأنصارهم تحت تأثير صدمتها، خصوصاً بعد وقوع أعمال شغب عنيفة في حدود دوائرهم الانتخابية.
وانعكس الخلاف على تبادل الخاسرين من المتحالفين في القوائم ذاتها، اتهامات بالخيانة وحجب الأصوات عن بعضهم البعض، في مؤشر يدل على حالة الإرباك التي أُسّست عليها القوائم الانتخابية، لغياب التجانس السياسي والفكري بين المرشحين، الذي انعكس بالضرورة على البرامج التي طرحتها القوائم.
خريطة الفائزين حسب النتائج الأولية، ضمنت وصول كتلة نيابية برامجية متماسكة تحت القبة ينضوي تحتها الفائزون عن "التحالف الوطني للإصلاح"، البالغ عددهم 15 نائباً. والتحالف ضم 120 مرشحاً توزعوا على 20 قائمة، تشكّل من مرشحين عن حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وشخصيات عشائرية وسياسية مستقلة، وهو التحالف الذي عادت من خلاله الحركة الإسلامية إلى المشهد السياسي بعد مقاطعتها للانتخابات دورتين متتاليتين في عامي 2010 و2013.
في هذا السياق، عبّر المتحدث باسم التحالف علي أبو السكر، عن رضاه عن النتيجة التي وصفها بـ"الإنجاز"، مؤكداً في أحاديث صحافية أن "الفوز بداية لعمل التحالف من خلال انتقاله من تحالف انتخابي إلى كتلة برلمانية تسعى إلى استقطاب آخرين لم يخوضوا الانتخابات معها".
وعلى الرغم من رضا التحالف الوطني عن النتيجة، ووصفها بـ"الإنجاز"، فإنها "لم تخرج عن المعدل العام للمقاعد التي يحصل عليها حزب جبهة العمل الإسلامي، كلما يشارك في الانتخابات". واعتبر أبو السكر أن "الكتلة البرلمانية ستكون ذراع التحالف في البرلمان، فالتحالف يتجاوز الانتخابات إلى تأسيس حالة وطنية".
وأظهرت الانتخابات ضعف ومحدودية أثر القوى السياسية ذات المرجعية الدينية التي تقدّم نفسها بديلاً عن جماعة الإخوان المسلمين التاريخية، التي تعتبرها الدولة منذ مطلع مارس/آذار 2015، جماعة غير قانونية، إذ لم تحصد تلك القوى مجتمعة، أي حزب المؤتمر الوطني (زمزم)، وجمعية جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الوسط الإسلامي، سوى خمسة مقاعد نيابية. وهو فوز يستحيل أن يترك أثراً تحت قبة البرلمان. وكعادتها، كادت أن تخرج الأحزاب القومية واليسارية التي خاضت الانتخابات بـ 12 مرشحاً "بخفي حنين"، لولا حصول حزب البعث العربي التقدمي على مقعد نيابي، وهو المقعد الذي كان أول المهنئين فيه القيادة القطرية لحزب البعث في دمشق، في تهنئة لم يخفها الأمين العام للحزب الأردني فؤاد دبور.
النتائج الأولية لم تحدث جديداً على ثقل المكون العشائري تحت القبة، باستثناء أن رموزاً عشائرية خسرت أمام منافسين من العشيرة نفسها، بعد أن امتلكوا الجرأة على المنافسة، وطرح شعارات تطالب بتجديد ممثلي العشائر وضخ مياه شابة.
كما حملت النتائج الأولية فرصة كبيرة أمام تشكيل كتلة نيابية متماسكة ذات توجهات مدنية، خصوصاً بعد أن استطاعت كتلة "معاً" التي خلقت جدلاً كبيراً خلال فترة الدعاية الانتخابية بفعل شعاراتها وبرامجها وبرنامجها المنحاز لخيار الدولة المدنية، من انتزاع مقعدين أحدهما بالتنافس والثاني عن الكوتا المخصصة للمسيحيين.
ويجري تواصلٌ بين الفائزين عن القائمة ومرشحين فازوا عن قوائم أخرى يحملون نفس التوجهات والأفكار، لتأسيس كتلة برلمانية متماسكة. في هذا الإطار، أكد الفائز عن كتلة "معاً" خالد رمضان، أنه "سننفتح على كامل أعضاء مجلس النواب. لا يوجد مواقف مسبقة من أحد، هدفنا هو الوصول إلى كتلة قوية تحمل على عاتقها تحقيق الدولة المدنية".
وأشار رمضان إلى أن "الوصول إلى البرلمان ما هو إلا خطوة من خطوات العمل على تحقيق الهدف"، مؤكداً أن "قاعدة العمل الرئيسية، هي إنتاج تيار عريض ينتمي لأطروحات الدولة المدنية، بما تتضمنه من مواطنة متساوية وعدالة وأمان".