وفي هذا السياق، أفاد أحد موظفي إدارة السجلات العقارية بدمشق، والذي رفض ذكر اسمه لدواع أمنية لـ"العربي الجديد"، بقرار أصدره النظام السوري يقضي بمطالبة أبناء أحياء دمشق الشرقية بضرورة تثبيت ملكيتهم للمنازل والعقارات والمحال التجارية شرقي دمشق، خلال مدّة لا تتجاوز الخمسة وأربعين يوماً، تحت تهديد بفقدان المالك الأصلي ملكيته لأيّ من العقارات في تلك المناطق، وتحويلها إلى ملّاك النظام، ما لم يتم تثبيت الملكية.
وأكد أن هذا القرار سيعود بالفائدة، في المرتبة الأولى، على عناصر "حزب الله" ممن أتوا بعائلاتهم إلى سورية للإقامة بها، كما حصل في القصير بريف حمص، كذلك على التجار الإيرانيين الذين يعملون على شراء تلك العقارات، وبعقود رسمية وبأسعار زهيدة، ويسعون في نقل عناصر وعوائل الحرس الثوري الإيراني إليها، كما ستعمّ الفائدة على موالي النظام وعناصر قواته ومليشياته، لتتحول بذلك أحياء دمشق الشرقية من أحياء عرفت بمناهضتها للنظام السوري، منذ بدايات الثورة، إلى أحياء تحوي بداخلها خليطًا لبنانيّاً وإيرانيّاً بغالبية موالية للنظام، ليضمن النظام، بذلك، أن هذه المناطق أصبحت تحت كنفه ورعايته.
والخاسر الوحيد، بحسب الناشط الإعلامي في حي برزة، أبو محمد الدمشقي، هم المعارضون للنظام المهجرون إلى خارج سورية، أو إلى مناطق المعارضة في الداخل السوري، فالملاحق أمنيّاً ليس بإمكانه الذهاب إلى دوائر النظام الحكومية لتثبيت ملكية عقاراته في أحياء دمشق، إذ سيكون مصيره الاعتقال حتماً، وهذا الأمر يسري أيضًا على المطلوبين للخدمتين الاحتياطية والإلزامية، ما يعني أن ذلك القرار استهدفت بنوده، وبشكل مباشر، هاتين الفئتين، والهدف الأساسي هو تجريد المعارضين للنظام والفارّين منه من حقوقهم المدنية، بمحو جميع ملكياتهم، وإنهاء تواجدهم في سورية، وبشكل قانوني.
وأضاف أن أكثر من ألفي مطلوب أمني للنظام وملاحق للخدمة الإلزامية والاحتياطية سيخسرون مليكتهم لعقاراتهم ومنازلهم إثر هذا القرار في حي برزة فقط، وأكثر من ثلاثة آلاف من أحياء دمشق الشرقية الأخرى، علاوةً على المهاجرين خارج البلاد من العوائل الدمشقية إلى تركيا وغيرها، مع اندلاع المعارك في تلك المناطق هرباً من القصف والموت، ممن لا يستطيعون العودة إلى سورية من أجل إثبات ملكيتهم فقط.
ولم يقف الأمر عند ذلك، بل يأتي هذا القرار مع مجموعة قرارات يجرّد بها النظام معارضيه من ملكياتهم وحقوقهم؛ فقد أصدرت القيادات الأمنية في النظام قراراً، منذ شهور، بالحجز على أموال المعارضين له، المنقولة وغير المنقولة، في الكثير من المناطق السورية، وبخاصة الناشطين الإعلاميين الذين يظهرون على شاشات الإعلام للحديث عن انتهاكات النظام، وقادة المجموعات المسلحة، ومسؤولي الجمعيات الإنسانية العاملة في الشأن الإغاثي، ورؤوساء المجالس المحلية.
أبو عبد العزيز، الرجل الخمسيني الذي تم تهجيره قسراً برفقة عائلته من حي برزة الدمشقي إلى محافظة إدلب، قال إنه علم بهذا القرار عبر جيرانه الذين تواصلو معه على "الإنترنت"، ولكن من المستحيل عودته إلى هناك لتثبيت ملكية منزله ودكّانه الصغير، بعد اتهام النظام له بإدخال الأسلحة للمجموعات المسلحة في حي برزة، وملاحقته من قبل فرع الأمن العسكري.
وأبدى حزنه الشديد على خسارة أملاكه البسيطة، بعد أن أفنى عمره من أجل أن يخرج من هذه الدنيا بهذا المنزل الصغير وتلك الدكّان البسيطة، التي لا يملك سواها ليورثها لأولاده، ولمجرد سكنه في منطقة مناهضة للنظام؛ تم اتهامه بتهريب السلاح، وتحويل حياته إلى جحيم بعد سنوات الحصار التي عانوا منها في حي برزة، ومن ثم الهجرة إلى إدلب، والآن خسارة جميع ما يملك، ليعود في هذه الدنيا كما بدأ، عندما كان صبياً يافعاً لا يملك شيئاً.