جاء ذلك خلال إحاطة قدّمها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لعملية السلام والشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، من القدس عبر الفيديو، أمام مجلس الأمن، قائلاً: "القدس واحدة من أكثر المدن المعقدة في نواحٍ عدة، منها أهميتها وتركيبتها الجغرافية والتاريخية. القدس وضعها يتقرّر بالمفاوضات النهائية وهذا هو موقف الأمم المتحدة".
وحول قرار ترامب، قال: "لقد تم الترحيب بقرار الرئيس الأميركي في إسرائيل. كما أغضب الفلسطينيين". وأشار ملادينوف إلى كلمة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وتحدث عن أن الأخير حذر من تبعات هذا القرار، وأن الولايات المتحدة تخسر دورها كجهة محايدة. وأعرب ملادينوف عن قلقه كذلك بسبب المظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها فلسطين والمنطقة، وقال إنها أدت إلى مقتل فلسطيني وجرح 140.
وبدت أميركا معزولة خلال الجلسة، كما ظهر في المواقف العامة لمعظم أعضاء المجلس، ومنهم مندوبو بريطانيا وفرنسا والسويد ومصر وبوليفيا وأوروغواي وإيطاليا والسنغال، الذين أجمعوا على التزامهم بالقرارات الدولية السابقة التي تعتبر أن الأراضي التي تمت السيطرة عليها عام 1967، ومنها "القدس الشرقية"، هي أراضٍ محتلة، وتؤكد على أن تسوية وضعية القدس القانونية ينبغي أن تحال إلى الاتفاق النهائي بين الطرفين.
بيان أوروبي مشترك
وشددت خمس دول أوروبية، في بيان صدر إثر الاجتماع الطارئ، على أن القدس "يجب أن تكون عاصمة لدولتي إسرائيل وفلسطين. وفي غياب اتفاق، لا نعترف بأية سيادة على القدس"، وفق ما أوردت "فرانس برس".
وأكدت الدول الخمس، ومنها أربع أعضاء في مجلس الأمن، هي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد، فضلاً عن ألمانيا، في البيان المشترك، أنها "على استعداد للمشاركة في كل الجهود ذات المصداقية لإعادة إطلاق عملية السلام على أساس المعايير المتفق عليها دولياً، بما يؤدي لتحقيق حل الدولتين... نحثّ الإدارة الأميركية الآن على طرح مقترحات تفصيلية للتوصل إلى تسوية إسرائيلية فلسطينية".
وحذّر السفير البوليفي للأمم المتحدة، سيرفيو لورينتي سوليف، من أن يصبح مجلس الأمن نفسه "مكاناً محتلاً"، إن لم يتم الرد على الخطوة الأميركية، بنقل سفارتها إلى القدس المحتلة والاعتراف بها عاصمة، التي تخرق قرار مجلس الأمن.
وجاءت أقوال لورينتي سوليف قبل دخوله إلى قاعة الاجتماعات في نيويورك رداً على أسئلة الصحافيين. وأشار في هذا السياق إلى أن "مجلس الأمن مستمر بالحديث عن حفظ السلام والأمن الدوليين، وهذه مهمته الرئيسية، ولكنه لا يتصرف بما يفرضه عليه دوره المتمثل بحفظ السلام والأمن الدوليين، وإذا استمر الوضع، فقد يصبح المجلس منطقة محتلة أخرى.. القرار الأميركي لا يخالف القانون الدولي فحسب، بل كذلك يهدد الأمن والسلام الدوليين". يذكر أن بوليفيا عضو غير دائم لمجلس الأمن لهذه الدورة.
ومن جهته، قال السفير الفرنسي، فرانسوا دولاتر، في حديث للصحافيين، قبل دخوله إلى قاعة الاجتماعات: "إن وضع القدس متعلق كذلك بالأمن والسلم الدوليين، ويهم المجتمع الدولي، كما أن وضع القدس محكوم بالقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، خاصة القرارين 478 و1980. فرنسا تذكر بموقفها المعروف منذ 70 عاماً، إذ نعتبر شرقي القدس جزءاً من الأراضي المحتلة، ولن نعترف بأي سيادة على أجزاء أخرى من المدينة إلى أن يتم التوصل لحل بين الأطراف".
ومن جانب آخر، قال السفير البريطاني للأمم المتحدة، ماثيو رايكروفت: "يجب أن تكون القدس العاصمة المشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة الخاصة بالموضوع. ولذلك نعارض قرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها ونعترض على خطوتها. بريطانيا لن تقوم بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس". ثم تحدث عن المستوطنات في القدس، ووصفها بأنها تمثل عائقاً أمام تحقيق السلام. ثم أشار إلى وجود أكثر من 300 ألف فلسطيني يعيشون في أوضاع صعبة جداً بالقدس ومهددون دائماً بسحب إقاماتهم، مطالباً المجتمع الدولي بعدم نسيانهم.
وفي المقابل، زعمت السفيرة الأميركية، نيكي هيلي، أن الولايات المتحدة ما زالت تتمتع بالمصداقية كوسيط لدى الإسرائيليين والفلسطينيين. وأضافت في كلمتها أن الأمم المتحدة قوضت بدلاً من أن تدعم فرص السلام في الشرق الأوسط، ودافعت عن دولة الاحتلال قائلة: "لن ولا ينبغي إجبار إسرائيل أبداً على اتفاق، سواء من الأمم المتحدة أو أي تجمع لدول أثبتت تجاهلها أمن إسرائيل".
وخلال المداخلات، قال السفير المصري، عمر أبو العطا، إن قرار ترامب "انتهاك للشرعية الدولية"، وله "تأثيراته السلبية للغاية على مستقبل عملية السلام"، مؤكداً أن القدس تبقى "مدينة محتلة". وأكد السفير الروسي، فاسيلي نيبينزيا، أن "لا بديل عن حل الدولتين"، فيما استحضر سفير الأوروغواي، ألبيو روسيلي، حلم جون لينون في "عالم يعمه السلام"، آملاً تحقيقه في الشرق الأوسط.
وقال مراقب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير رياض منصور، إن "السلطة الفلسطينية طالبت مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار، للتأكيد على رفض قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل".
وفي كلمته خلال الجلسة، قال منصور: "أشكر جميع أعضاء مجلس الأمن باستثناء دولة واحدة (الولايات المتحدة الأميركية)، على كلماتهم القوية خلال الجلسة". وتابع: "لقد شهدنا دعماً قوياً وهائلاً بشأن القدس، وأريد أن أؤكد لكم أنه لن يكون هناك سلام بدون أن تكون القدس عاصمة لدولتنا الفلسطينية".
واجتمع مجلس الأمن الدولي، اليوم، بناء على طلب ثمانية من أعضائه الخمسة عشر، لبحث قرار الرئيس الأميركي. وبحسب ما صرّح به دبلوماسيون، فإن الطلب المقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، لتقديم إفادة علنية أمام مجلس الأمن، جاء من فرنسا وبوليفيا ومصر وإيطاليا والسنغال والسويد وبريطانيا وأوروغواي.وأمس الخميس، قدّمت دولة فلسطين شكوى رسميّة إلى مجلس الأمن، عبر بعثتها الدائمة إلى الأمم المتّحدة، ضدّ القرار الأميركي. ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا" عن المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، السفير رياض منصور، أن "القائمة بالأعمال بالإنابة السفيرة، فداء عبد الهادي ناصر، بعثت رسائل متطابقة إلى رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر (اليابان)، وللأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس الجمعية العامة".
(العربي الجديد)