النزاع بين الاتحاد المسيحي والاشتراكي الديمقراطي، شريكَي الائتلاف الحاكم في ألمانيا، بشأن تمديد حظر تصدير الأسلحة إلى البلدان المشاركة في الحروب اتخذ منحى شديد التعقيد، حيث بات مطلوبا التوافق حول آلية تسمح بوقف تعليق إمدادات الأسلحة إلى دول مثل السعودية، بما في ذلك ما تمت الموافقة عليه، بعد أن أثر هذا الاختلاف على مصالح الشركاء الأوروبيين في كل من بريطانيا وفرنسا، وبات الأمر يهدد بشكل خطير بخروج الأمور عن السيطرة، وغضب الشريكين، بما يهدد بتعريض التعاون الدفاعي المشترك لانتكاسة.
الحزب الاشتراكي الديمقراطي يطالب بتمديد الحظر مدة ستة أشهر إضافية، في حين يطالب الاتحاد المسيحي، المكون من المسيحي الديمقراطي والشقيق الأصغر المسيحي الاجتماعي، بقيادة زعيميهما الجديدين، انغريت كرامب كارنباور وماركوس سودر، بتخفيف التشدد حيال عمليات تصدير الأسلحة باسم التعاون الأوروبي، لأن أوروبا تحتاج إلى تعاون عسكري أوثق، فـ"الشركاء لا يمكنهم بكل بساطة الانصياع للإرشادات الألمانية، كما أن الأمر سيؤثر على المشاريع المشتركة"، فيما الاشتراكي مصمم على أن "لا شحنات أسلحة إلى مناطق الأزمات والديكتاتوريات في العالم، وبضرورة الالتزام بالمبادئ التوجيهية الواضحة في اتفاق الائتلاف حول تصدير الأسلحة".
وعن إمكانية التوصل إلى حلول وسط، اعتبر خبراء في الشؤون الاستراتيجية الأوروبية أن الوضع هذه المرة أكثر تعقيدا، مع ما سيخلفه من ارتدادات سلبية، مع الاستمرار في حظر توريد المتممات الجزئية لإنجاز العتاد والآليات في المصانع الفرنسية والبريطانية.
ويبدو أن الاشتراكي يريد استثمار الوضع في الحملة الانتخابية للبرلمان الأوروبي المقررة نهاية مايو/ أيار المقبل، وإلقاء اللوم على الاتحاد المسيحي، إلا أن الأمر ينطوي على الكثير من المخاطر؛ ففي نهاية المطاف، إن التمسك بحظر التصدير قد يعني فقدان الآلاف من الموظفين في شركات تصنيع الأسلحة لوظائفهم، ما سيؤثر على الحزب في صناديق الاقتراع. وفي السياق، ذكرت صحيفة "فرانكفورتر الغايمنه تسايتونغ" أنه في حوض بناء السفن، والذي يشتهر ببناء قوارب عسكرية سريعة، والتابع لشركة "لارسن فرفت" في ولاية مكلنبورغ فوربومرن، تتأثر 300 وظيفة، إذ تتوجه شركات متعددة لاتخاذ إجراءات قانونية بوجه الحكومة الاتحادية.
إلى ذلك، فإن لا أحد يتوقع حكومة اتحادية من دون أحزاب مثل الاشتراكي أو الخضر في المستقبل، كما أن الحزبين يرفضان منح تراخيص جديدة وتصدير أسلحة إلى بلدان مشاركة في الحروب. وإن ما يعطي الأزمة الحالية أهمية أكبر أن ألمانيا تصطدم مع أكبر دولتين في الاتحاد الأوروبي، وهما تعيشان أياما عصيبة، فرنسا مع احتجاجات أصحاب السترات الصفراء، وبريطانيا مع أزمة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وما لهذا من تبعات على اقتصاداتها، كما وعلى العلاقات المستقبلية بين الدول الثلاث.
كل ذلك تزامن مع ما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية، اليوم الخميس، عن أن الحكومة الاتحادية وافقت، خلال العام الأول من الائتلاف الجديد، على شحنات أسلحة بقيمة 400 مليون يورو للدول المتحالفة والمشاركة في حرب اليمن، على الرغم من توقف التصدير الجزئي الذي اتفقت عليه أحزاب الائتلاف الحاكم.
وبيّنت الوكالة أنه تم إصدار 208 تراخيص فردية للبلدان المشاركة في حرب اليمن خلال 12 شهرا، منذ أدائها اليمين الدستورية يوم 14 مارس/ آذار 2018.
وجاء ذلك في رد على طلب من نائب حزب الخضر أوميد نوريبور، وهو من قال أخيرا، في حديث صحافي، إن استئناف الصادرات إلى الدول المشاركة في النزاعات سيكون "إشارة قاتلة للسياسة الخارجية وإسهاما في زيادة زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. نحن بحاجة إلى سياسة تصدير أوروبية واحدة تستثني الصادرات إلى مناطق الحرب".
أما يورغن هاردت، المتحدث باسم السياسة الخارجية في الاتحاد المسيحي، فاعتبر، وفق ما ذكرته "ستوتغارتر تسايتونغ"، أنه "علينا التعامل مع شركائنا الأوروبيين".
إلى ذلك، يتوقع أن يتخلى الاشتراكي جزئيا عن سياسة الحظر والسماح بتصدير متممات القطع إلى الشركات الفرنسية والبريطانية بنسبة قد لا تتجاوز 30%، بهدف إرضاء الحلفاء في باريس ولندن، في ظل الاستياء العارم الموجود حاليا من قبلهما لما تشهده عمليات التصنيع من تأخير؛ فبحسب ما ذكره موقع "دويتشه فيله"، إن هناك 48 مقاتلة من نوع "يوروفايتر" غالبية أجزائها يتم تصنيعها في المملكة المتحدة، إنما الهيكل الرئيسي يُصنع في ألمانيا، وهذا ما قد يؤخر تسليمها حاليا.
يشار إلى أن شبكة "أي إر دي" الإعلامية ذكرت أنه، وقبل نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، تم إصدار عشرة تراخيص للسعودية بقيمة 255 مليون يورو، و68 تصريحا للإمارات بقيمة 57 مليون يورو، ومصر 35 تصريحا بقيمة 11,8 مليون يورو، أما دولة الكويت فمنحت 65 تصريحا بما مجموعه 47,7 مليون يورو فيما حصل الأدرن على 19 تصريحا بقيمة 11,3 مليون يورو.