وأكد قادة كتائب وتشكيلات في منطقة سبها العسكرية، التابعة لحكومة الوفاق الوطني بقيادة الفريق علي كنة، في بيان ليل أمس الثلاثاء، جاهزيتهم لـ"التصدّي لكل من تسوّل له نفسه زعزعة أمن المنطقة، وقدرتهم على تأمين وحماية الجنوب والأماكن الحيوية بالمنطقة".
وأضاف القادة أنهم "على جاهزية تامة لتنفيذ أوامر آمر المنطقة العسكرية سبها التابعة لحكومة الوفاق الوطني".
وبحسب تصريحات لآمر منطقة سبها العسكرية التابعة لحكومة الوفاق، الفريق على كنة، فإن قواته "موجودة في الأودية الأربعة بالجنوب في سبها ووادي الشاطئ وحوض مرزق وأوباري ووادي البوانيس".
وأوضح كنة، في تصريح لصحيفة ليبية، أن قواته "عبارة عن بعض الكتائب والقوة المساندة وحرس الحدود والمنشآت النفطية التابعة لمنطقة سبها العسكرية"، داعياً المكونات الاجتماعية في الجنوب إلى أن "يتصالحوا وينسوا الخلافات والمشاكل وينتبهوا إلى مستقبل فزان الذي يعتبر هو مستقبل ليبيا".
وعن حقيقة من يسيطر على الجنوب عسكرياً، كشف الخبير العسكري الليبي، محيي الدين زكري، عن أن "التوزيع الطبوغرافي للمواقع العسكرية في الجنوب لا يمكّن أي طرف من السيطرة عسكرياً عليه، وحفتر لا يسيطر على أكثر من مواقع عسكرية وقواعد في سبها وحولها، بالإضافة إلى قاعدة الجفرة التي يعوّل عليها في حربه على طرابلس، لكن ظهرها يبقى مهدداً من أي حملة خلفية".
ويشرح زكري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، حقيقة حملة حفتر للسيطرة على الجنوب، في فبراير/ شباط وإبريل/ نيسان الماضيين، بأنه "اعتمد على تسليح قبائل بالجنوب، وتثوير الخلافات بين القبائل للاستفادة منها للسيطرة على بعض المواقع الحيوية، ولا سيما النفطية".
لكن زكري قلّل من أهمية الاعتماد على الفصائل القبلية في السيطرة على الجنوب، فـ"فضلاً عن امتداد أغلب هذه القبائل إلى دول الجوار، هناك الحدود التي يجب التنسيق والاتصال المباشر مع دول الجوار للسيطرة الفعلية عليها".
ويدلل زكري على استمرار وجود خلايا تنظيم "داعش" في الجنوب بقوله: "بعد شهر من بدء حملة حفتر على طرابلس، باغت التنظيم أحد مقراته في مايو/ أيار الماضي، وقتل تسعة مسلحين لحفتر ذبحاً، وأطلق سراح 200 سجين، من بينهم عناصر للتنظيم نفسه"، معتبراً أن "قوة التنظيم يستمدها من الحدود المفتوحة التي لا تزال تسرّب مقاتلين جدداً له، ما يؤكد عدم سيطرة حفتر فعلياً".
وعن سيطرة حكومة الوفاق ووجود قوات لها في الجنوب، أوضح عبد العزيز الأوجلي، الباحث السياسي والخبير بشؤون الجنوب الليبي، أن "وضعها كوضع حفتر، فهي لا سيطرة حقيقية لها، لكن فصائل قبلية هناك تواليها بناءً على خلافاتها مع القبائل التي توالي حفتر".
وكانت وزارة داخلية حكومة الوفاق قد أعلنت، نهاية يونيو/ حزيران الماضي، تفعيل مديرية أمن سبها، ونشرت صوراً لسيارات المديرية ودوريات مسيرة داخل المدينة.
وبين الأوجلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الفصائل التي ذكرها كنة بالفعل هي موجودة وتوالي حكومة الوفاق، وتؤمن حقولاً ومواقع حيوية، لكنها لا تمتلك القوة العسكرية الكافية لمواجهة قوات قبلية خصم لها يركز حفتر على تسليحها وتقديم الحماية الجوية لها متى تعرضت مواقعها ومناطقها للهجوم.
ويؤكد أن ما حدث في مزرق (180 كم جنوب غرب سبها) ولا يزال، هو صراع مسلح بدوافع قبلية انتقامية، يهدف حفتر من خلالها إلى إخضاع مسلحي قبائل التبو التي تسكن المدينة وتعارض وجوده العسكري، بعكس مع حدث في أوباري وحقل الشرارة النفطي التي جرت فيها تسوية اجتماعية قبل من خلالها حفتر ببقاء مسلحي الطوارق في مناطقهم شرط تبعيتهم الاسمية له من أجل إحداث نوع من الدعاية بأن قواته تسيطر على الجزء الأكبر من الأراضي الليبية.
ويسوق الأوجلي عدة أدلة على عدم قدرة حفتر على السيطرة على المنطقة، من بينها الاستعانة بمرتزقة الجنجويد والعدل والمساواة، وشبكات تهريب المهاجرين السريين، والاعتماد على تسليح قبائل معينة، وإطلاق يدها للثأر من خصومها القبليين الآخرين، كقبائل الزوية والحساونة وغيرها.
ويرى الخبير ذاته أن "حفتر لم يعارض رفض قبائل في الجنوب مده بمقاتلين في حربه على طرابلس، فهو يعي أن خروج الأمور عن سيطرته يعني ثورة في الجنوب ستمتد نتائجها حتى إنهاء مشروعه العسكري في الغرب، وتشجع قبائل أخرى في الشرق، كذلك لا تزال قبائل قوية في الجنوب على ولائها للنظام السابق، وترفض كلاً من حفتر وحكومة الوفاق".
ويتحدث الأوجلي عمّا يشبه "الحياد على مستوى زعامات القبائل بشأن الصراع الدائر حول طرابلس"، مؤكداً أن "موقف الجنوب ينتظر من ينتصر في الحرب الدائرة جنوب طرابلس".
وأكد الباحث في شؤون الجنوب الليبي رأيه بأن "إدارات الجنوب الحكومية تتلقى المساعدات والميزانيات من كلتا الحكومتين في طرابلس وشرق البلاد"، بل يشدد على أن "سبها، أكبر مدن الجنوب، لا يمتلك حفتر سيطرة كاملة عليها"، مشيراً إلى وجود طيف قبلي واسع لا يزال على ولائه للنظام السابق.
لكن الأوجلي، في الوقت ذاته، يرى أن "الشرخ الاجتماعي الذي أحدثه حفتر بتسليح قبائل للسيطرة على مناطق قبائل أخرى، سيكون له رد مضاعف في حال تغيُّر موازين القوى لمصلحة حكومة الوفاق".