"السلام أولاً" العنوان الذي اختارته الإمارات لما تقول إنها مرحلة/خطة جديدة، ستبدأ مع تقليص قواتها في اليمن، على نحو يذكّر بالعنوان الذي اختارته حليفتها السعودية بالانتقال من "عاصفة الحزم" في العام 2015 إلى "إعادة الأمل". غير أن الأخير تحوّل إلى الفصل الجحيمي الأطول في الحرب، في وقت لا تزال الدوافع الإماراتية مثار جدل وشكوك بشأن التوقيت على الأقل. وطالب الحوثيون، أمس الثلاثاء، بالانسحاب الكامل للتحالف. وكتب رئيس ما يُسمى بـ"اللجنة الثورية العليا"، عضو "المجلس السياسي الأعلى" (واجهة سلطة الجماعة في صنعاء)، محمد علي الحوثي، في تغريدة: "ندعو دول العدوان لإعلان الانسحاب من اليمن، فالجمهورية اليمنية ترفض العدوان والحصار والحظر الجوي". وأضاف أن "الانسحاب من اليمن هو القرار المثالي الذي يجب اتخاذه في هذا الوقت بالذات".
ووفقاً لأحدث المعلومات الميدانية من مصادر متطابقة، لـ"العربي الجديد"، واصلت الإمارات تقليص أعداد قواتها المنتشرة في الساحل الغربي، الجبهة الأبرز للحرب في اليمن، منذ أكثر من عامين، بالتنسيق مع القوات السعودية والقوات اليمنية التي كانت تتولى أبوظبي دعمها بشكل أساسي، بما في ذلك في جبهة المخا غربي تعز، والأطراف الجنوبية لمحافظة الحديدة، والتي سبق وانتزعت فيها السيطرة من جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، خلال الحملة العسكرية في العام 2018. وعلى الرغم من أن وزارة الدفاع الإماراتية، أو المسؤولين، لم يكشفوا بصورة رسمية، حتى اليوم، معلومات بشأن أعداد القوات التي يتم سحبها أو حدود الانسحاب، إلا أن المعلومات الميدانية تتطابق مع التسريبات والتقارير الدولية، والتي تعزز بمجملها أن تحوّلاً غير مسبوق يجري في عمل التحالف السعودي الإماراتي، وأن الإماراتيين يمضون بخطوات أحادية الجانب وفقاً لحسابات خاصة، على حساب السعوديين، بصرف النظر عن التنسيق الذي يقتضيه الموقف الميداني في التنفيذ.
وفي ظل الجدل المثار بشأن الإعلان الإماراتي عن الانسحاب من اليمن، جاء التصريح الذي نقلته وكالة "فرانس برس"، الإثنين الماضي، عن مسؤول إماراتي رفيع المستوى، ليسلط الضوء على خطاب إماراتي جديد، يتحدث عن أن ما يشهده اليمن يأتي ضمن خطة "إعادة انتشار"، وهو المصطلح الذي تردد كثيراً عقب اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة، إذ ينص في أهم بنوده على تنفيذ إعادة انتشار مشترك من قبل قوات الطرفين. ومن غير الواضح ما إذا كانت خطة الإماراتيين تقتضي تفسير الحوثيين للاتفاق (استبدال قوات موالية لهم بأخرى من أتباعهم)، وبالتالي مناورة لا أكثر، أم أن أبوظبي تحاول قدر الإمكان انتشال يدها من المستنقع اليمني الذي كان لسياساتها دور محوري في تفاقم أزماته في الأعوام الأخيرة. وكان لافتاً حديث المسؤول الإماراتي للوكالة الفرنسية عن خطة تعمل على تحقيق "السلام أولاً"، الأمر الذي يُمكن اعتباره شعاراً جديداً للتدخل الإماراتي. لكنه في الشأن اليمني والتدخل الإماراتي، يمثل تعبيراً قابلاً للتفسير بأوجه متعددة، إذ إن أبوظبي، وعلى مدى ما يزيد عن أربع سنوات من تصدرها الحرب إلى جانب السعودية، ظلت تعمل على إطالة أمد الحرب وتقسيم البلاد، وتمد الانفصاليين بكافة الإمكانيات، مثلما عملت في الوقت ذاته، على تقويض إمكانية عودة الحكومة اليمنية وفرض سلطاتها في مناطق البلاد غير الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وفي السياق، تعيد الخطة الإماراتية، أو الشعار الجديد "السلام أولاً"، الأضواء، إلى ما سبق وأعلنت عنه حليفتها في إبريل/نيسان 2015 (بعد 22 يوماً من إطلاق العمليات العسكرية)، عن إيقاف "عاصفة الحزم"، وتدشين "إعادة الأمل". والأخيرة قالت الرياض، حينها، إنها تعني مواصلة العمليات العسكرية مع إتاحة الفرصة للشق السياسي الخاص بالمفاوضات، وكان من المفترض أن تكون بدء العد التدريجي لوقف الحرب، كما تم الترويج آنذاك، إلا أنها في حقيقة الأمر تحولت إلى مرحلة الحرب الحقيقية التي تتواصل منذ أكثر من أربع سنوات، في حين لا يبقى من العناوين غير الكلمات البراقة، التي تخالف الواقع جملة وتفصيلاً. وتأتي التصريحات الإماراتية والخطوات الانفرادية لأبوظبي لتعزز وجود شرخ كبير في التحالف مع السعودية، التي يفترض أنها "قائدة التحالف"، ومنها يأتي الإعلان عن أي توجّه مشترك. غير أنه من غير الواضح الدافع الذي يحرك أبوظبي في الحرص على خرق ذلك، والإعلان عن توجّهات منفردة، وما إذا كانت توجه رسائل لحليفتها الرياض بالأساس، أم أنها تنفذ خطة "تكتيكية"، ربما تسعى من خلالها لصرف الأنظار عن ممارساتها وسياساتها التي واجهت سخطاً يمنياً كبيراً في السنوات الماضية، لكنها في الواقع قد لا ترفع يدها كما يجب.