ولا تحظى هذه الشخصيات بأي شعبية، وتقع تحت طائلة ضغط شعبي يدفع بها إلى خارج المشهد، لكونها من أبرز رموز النظام الذي أسس له بوتفليقة منذ 20 عاماً، وكذلك بسبب مواقفها الداعمة لمشروع ترشّح الأخير لولاية خامسة في الانتخابات الرئاسية التي كان مقرراً تنظيمها في 18 إبريل الحالي، قبل إلغائها في 11 مارس/ آذار الماضي.
ويحمّل الحراك الشعبي، إلى جانب القوى السياسية المعارضة، رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، مسؤولية "شهادة زور سياسية"، بعد قبوله في الثالث من مارس الماضي ملف ترشّح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، على الرغم من علمه بمرضه وعدم قدرته على إدارة شؤون البلاد، ووجود تلاعب في ملف ترشحه، وإدارة ذلك من قبل السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المستقيل. ولذلك، ترفض القوى المعارضة أن يؤدي بلعيز دوراً في المرحلة المقبلة، وخصوصاً في حال تمّ إجراء انتخابات رئاسية وفقاً لما تنصّ عليه المادة 102 من الدستور، ووفقاً لقانون الانتخابات الحالي.
والطيب بلعيز هو قاض ووزير عدل سابق، كان يشغل قبل شهر منصب مستشار لبوتفليقة، قبل أن يتم تعيينه في منصب رئيس المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية). يعدّ أبرز رجالات بوتفليقة، وينحدر من المنطقة نفسها التي ينحدر منها الأخير، وهي تلمسان غربي الجزائر. كلّف من الرئيس المستقيل عام 2002، بالإشراف على ملف إصلاح العدالة، ومراجعة القوانين المتصلة بالسلطات القضائية، وتحييد القضاء عن تأثيرات جهاز الاستخبارات. وتنسب إليه قضايا تتعلق باستغلال سياسي للقضاء، واستخدامه في ملاحقة خصوم الرئيس خلال فترة توليه منصب وزير للعدل.
ويأتي في المقام الثاني عبد القادر بن صالح، الذي يعدّ من بين أبرز الشخصيات التي يرفض الحراك الشعبي والمعارضة استمرارها في السلطة، على الرغم من أنّ الطرق الدستورية تؤدي بالضرورة إلى تولّيه منصب رئيس الدولة، والإشراف على سير الشأن العام لمدة 90 يوماً. ومردّ هذا الرفض هو العلاقة العضوية والتنظيمية بين بن صالح وحزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يعدّ الحزب الثاني للسلطة.
وشغل بن صالح منصب الأمين العام لحزب "التجمّع الوطني الديمقراطي" لفترة وجيزة عام 2014، وكان من بين أبرز المتحمسين لتولي بوتفليقة الحكم لولاية خامسة، على الرغم من علمه هو أيضاً بالأوضاع الصحية للأخير، وتحكّم شقيقه السعيد بوتفليقة في القرار السياسي. وقد هاجم بشراسة قوى المعارضة لأجل ذلك، وكان يكرر اتهامات لهذه القوى بالعمالة، وبأنها أياد أجنبية. كما كان يتهم النقابات بالسعي لإثارة الفوضى في البلاد. ويعرف عنه أنّه من بين الشخصيات القليلة البارزة في الحكم، التي كانت تزور وتلتقي الرئيس المتنحي في مقرّ إقامته وبيته، لكونهما ينحدران من المنطقة نفسها كذلك تلمسان.
أمّا رئيس الحكومة نور الدين بدوي، فيعدّ الشخصية الثالثة التي يقع عليها ضغط الشارع والحراك الشعبي، وتضعها المعارضة السياسية في دائرة الاستهداف الأولى. وكان بدوي يشغل منصب وزير للداخلية، ويعدّ بحكم منصبه السابق مشرفاً مباشراً على حكّام الولايات، والمهندس الميداني لمهمة تمرير مشروع الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة. وعلى الرغم من القرارات الأخيرة، التي أعلنها بدوي لصالح تحرير الفضاء السياسي والإعلامي، إلا أنّ الحراك الشعبي مصرّ على رحيله وحلّ الحكومة الحالية. وتعتبر المعارضة أنّ قرارات كهذه بلا معنى، وخصوصاً أنّها تأتي من رئيس حكومة كان هو نفسه المعطّل الرئيس لتحرير الفضاء السياسي، ومنع اعتماد الأحزاب والضغط على المؤسسات الإعلامية، ناهيك عن مسؤوليته السياسية في تزوير الانتخابات البلدية والنيابية، التي جرت على التوالي في شهري مايو/ أيار ونوفمبر/ تشرين الثاني عام 2017، فضلاً عن الاعتداء على الأطبّاء ومعطوبي الجيش والمعلمين وقمع التظاهرات.
وازداد الضغط على رئيس الحكومة قبل أيام، بعد تسريب صور وملفات متعلقة به في عدد من المواقع الإلكترونية وعلى شبكات مواقع التواصل الاجتماعي. ويتوقع مراقبون أن يُقدم بدوي وعدد من وزراء حكومته قبله، على التنحي، وخصوصاً بعد جمعة الحراك الشعبي السابعة، ولكون البيانات الأخيرة للجيش تضع الاستجابة للمطالب الشعبية أولوية سياسية لها غير قابلة للنقاش.