تصاعد الغضب والاحتجاج الفلسطيني على طول الشريط الفاصل مع الأراضي المحتلة، شرقي قطاع غزة، للجمعة الثالثة على التوالي، على الرغم من التهديدات الإسرائيلية المتلاحقة باستهداف المتظاهرين، وسط إصرار فلسطيني على مواصلة الفعاليات.
وفي مشهد بدا متكاملاً، أحرقت مجموعة من الشبان الفلسطينيين الغاضبين، في الجمعة الثالثة لمسيرات العودة السلمية، والتي أطلق عليها "جمعة العلم"، أعلاماً إسرائيلية على طول الشريط الحدودي لقطاع غزة من شماله حتى جنوبه، وفي المقابل رفعوا الأعلام الفلسطينية تخليداً لأرواح الشهداء الذين ارتقوا في الأيام السابقة. وجاء حرق الأعلام احتجاجاً على استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي للمتظاهرين السلميين العُزل، واستخدام القوة المفرطة ضدهم، على الرغم من عدم تشكيلهم أي خطر على جنود الاحتلال المنتشرين على طول الشريط الفاصل الذي أقامته إسرائيل شرقي قطاع غزة، بينما يرجع سبب رفع الأعلام الفلسطينية إلى أنه تم استهداف الضحايا وهم يرفعون أعلام فلسطين فقط. التهليل والتكبير كانا سيد الموقف لحظة حرق الأعلام الإسرائيلية، والذي ترافق مع هتافات الحُرية، إذ صدحت حناجر المحتجين، الذين توشحوا بالكوفية الفلسطينية، وأعلام فلسطين بـ "على القدس رايحين شهداء بالملايين"، و"ارحل ارحل يا مُحتل"، و"الموت ولا المذلة"، إلا أن ذلك الهتاف وسلميته لم يحمهم من نيران قوات الاحتلال، فيما كانت الفرق الطبية تهرع لإسعاف وإنقاذ المُصابين.
وتزينت جنبات طرقات ومداخل المخيمات الخمسة، من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، بأعلام فلسطين، بينما وُضع العلم الإسرائيلي على الأرض تحت أقدام المارة، في الجمعة التي تم تخصيصها لرفع العلم الفلسطيني وحرق علم الاحتلال الإسرائيلي. كما تم رفع أعلام فلسطينية ضخمة إلى الشرق من المناطق الحدودية لنقاط التماس الخمس من الشمال حتى الجنوب، على ساريات كبيرة تجاوز طولها 24 متراً، ضمن الأنشطة والأدوات السلمية التي تقام في المخيمات في رفح، وخان يونس، والبريج، وغزة، وجباليا، ضمن فعاليات إحياء مسيرات العودة الكبرى. ولم تهدأ حدة الفعاليات والأنشطة مع دخول الجمعة الثالثة للمسيرات، رغم ارتقاء نحو 32 شهيداً، وآلاف الإصابات. وكان سقط في الجمعة الأولى نحو 17 شهيداً، وفي جمعة "الكوتشوك" الثانية سقط عشرة شهداء، بينما ارتقى نحو خمسة شهداء في باقي الأيام، جراء استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلي بقمع المسيرات الاحتجاجية السلمية. وأُصيب 2850، منهم 1296 بالرصاص الحي والمتفجر، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
وفي الميدان بدا الوضع أكثر حدة، إذ إنه وعلى الرغم من مواصلة إطلاق النار وقنابل غاز الأعصاب والغاز السام والمسيل للدموع وإصابة عدد من المواطنين بشكل مباشر، إلا أن الإصرار ظهر واضحاً على ملامح مئات الشبان الغاضبين، والذين قرروا مواصلة فعالياتهم الاحتجاجية حتى انتهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرضهم وأرض أجدادهم، ولسان حالهم يقول "لن يوقفنا الرصاص الإسرائيلي عن تحقيق هدفنا وحلمنا في العودة".
ومع تزايد أعداد المواطنين، الذين توافدوا إلى المناطق الحدودية الشرقية، كثفت قوات الاحتلال الإسرائيلي المتمترسة خلف الآليات المُصفحة من استخدام القوة تجاه المتظاهرين العُزل، إذ أطلقت العيارات النارية، والمطاطية، وقنابل الغاز، بطرق مختلفة، ومنها استخدام طائرات التصوير الصغيرة لإلقاء القنابل. وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد واصل حالة التأهب على الحدود مع قطاع غزة، وقام بإرسال قوات معززة إلى منطقة الشريط الحدودي، ونشر عشرات القناصة، منذ ساعات الصباح الباكر، بحسب ما أورد موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.
وتنوعت الأساليب النضالية التي حاول المتظاهرون من خلالها التعبير عن رفضهم لبقاء الاحتلال، إذ استمر إشعال إطارات السيارات بهدف تشتيت نظر قناصة جنود الاحتلال، وحماية المتظاهرين. كما رُفعت أعلام فلسطينية على ساريات ضخمة. وفي الوقت ذاته، ابتكر المتظاهرون وسائل دفاعية لحمايتهم من مواصلة الاحتلال إطلاق قنابل الغاز، إذ حملوا البصل للتغلب على الاختناق، ووضعوا السواتر الترابية لحماية أنفسهم من إطلاق النار المتواصل، إلا أن الطلقات وصلت إلى حد أبعد من تلك السواتر، وأصابت متظاهرين، كانوا أمام خيامهم القماشية.
وعملت خيام ونقاط الإسعاف الميداني على تقديم الإسعافات الأولية، والعلاجات الفورية للإصابات، وحالات الاختناق، تجهيزاً لنقلها إلى المستشفيات، بينما ساعدت الفرق الشبابية المسعفين على نقل المصابين. وتنوعت إصابات المتظاهرين بين طفيفة ومتوسطة، جراء استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي للرصاص المتفجر المحرم دولياً. وأعلن المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، عن 528 إصابة بجراح جراء الرصاص واستنشاق الغاز، منهم 16 من الطواقم الطبية والصحافيين قبل أن يعلن عن استشهاد متظاهر وارتفاع عدد الإصابات إلى أكثر من 700.
وأُصيب أفراد من الطواقم الطبية، بالاختناق، جراء استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي المباشر، للنقطة الطبية الميدانية شرقي خان يونس بقنابل الغاز. وكعادتها، حاولت قوات الاحتلال تبرير استخدام القوة ضد المحتجين السلميين. وقال الجيش الإسرائيلي، في بيان، "كانت هناك عدة محاولات للمساس بالحاجز الأمني واختراقه، كما كانت هناك محاولات لرمي قنبلة وزجاجات حارقة، والقيام بأعمال الشغب في منطقة الحاجز الأمني". وأكد أن قواته "تستخدم وسائل تفريق التظاهرات وإطلاق النار وفقاً للتعليمات. الجيش لن يسمح بالمساس بالشبكات الأمنية والسياج".
وعلى الرغم من الإطلاق الكثيف للنار، واستخدام شتى أنواع الأسلحة، إلا أن الروح المعنوية للمتظاهرين كانت عالية، وكانت وجوه الشبان مبتسمة، في لوحة تعكس مدى إصرارهم على مواصلة الفعاليات، وابتكار أساليب متنوعة لضمان استمراريتها، حتى تحقيق أهدافها المنشودة، إذ ضجت المخيمات بفرق الدبكة الشعبية التي قدمت استعراضاتها الفنية على أنغام الأغاني الوطنية والفلكلورية الفلسطينية. وشارك آلاف الفلسطينيين، في أداء صلاة الجمعة، أمام خيام المسيرات قبالة الحدود الشرقية للقطاع، والتي تفصلهم عن الأراضي المحتلة عام 1948، في مشهد بات يتكرر كل جمعة. وكانت شرارة الأحداث اندلعت على الحدود الشرقية لقطاع غزة في الثلاثين من مارس/آذار الماضي، والذي صادف ذكرى يوم الأرض، احتجاجاً على مواصلة إسرائيل احتلال أراضي أجدادهم التي هُجروا وطُردوا منها عنوة في العام 1948، ورغبة في العودة إلى أراضيهم المحتلة. ومن المتوقع أن تستمر حركة الاحتجاج، التي أطلق عليها اسم "مسيرة العودة"، ستة أسابيع حتى ذكرى النكبة، للمطالبة بحق العودة إلى الأراضي التي هُجّر الفلسطينيون منها.
في غضون ذلك، دعت منظمة العفو الدولية، سلطات الاحتلال الإسرائيلي، إلى "وضع حد فوري للقوة المفرطة والمميتة"، التي تُستخدم لقمع التظاهرات الفلسطينية في غزة. وجدّدت المنظمة دعوتها إلى "إجراء تحقيقات مستقلة وفعّالة في التقارير التي تفيد بأنّ الجنود الإسرائيليين استخدموا الأسلحة النارية بشكل غير قانوني، وغير ذلك من القوة المفرطة ضد المتظاهرين العزل". وقالت نائبة المدير الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، ماجدالينا مغربي، في بيان إنّه "على مدار الأسبوعين الماضيين، راقب العالم بفزع، كيف أطلقت القوات الإسرائيلية القوة المفرطة والمميتة ضد المتظاهرين، بمن فيهم الأطفال الذين يطالبون فقط بوضع حد لسياسات إسرائيل الوحشية تجاه غزة، وبحياة كريمة". وأضافت "يجب على السلطات الإسرائيلية أن تتراجع عن سياساتها على وجه السرعة، وأن تلتزم بواجباتها القانونية الدولية. يجب التحقيق في استخدامهم المرعب للذخيرة الحية ضد المتظاهرين العزل، والوفيات الناتجة عن ذلك، يجب التحقيق بها على اعتبار أنّها عمليات قتل غير قانونية محتملة". من جهة ثانية، ساد الصمت في العواصم العربية، فيما قمعت السلطات الأردنية تظاهرة خرجت من أمام المسجد الحسيني، وسط العاصمة عمّان، لدعم حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى بلادهم.