وانطلاقاً من نتائج الانتخابات الأخيرة، يرى العديد من المراقبين أن على ميركل أن تتخذ العبر لتصويب مسار سياستها في قضية اللاجئين، والتي برهن الناخب الألماني أنه يتحيّن الفرصة للرد وإظهار اللوم والرفض لما آلت إليه الأمور في البلاد. وهو ما أدى إلى تصدّع البنيان الحكومي مع وجود مقاربات مختلفة لسياسة اللجوء.
وكان لافتاً ما أفرزته صناديق الاقتراع الأحد، لجهة تعاطي الهيئات الناخبة، التي شكّلت خُمس عدد الناخبين في ألمانيا، مع أحزابها، والتي عملت على تقليص حضور كل منها، وبالتالي إحداث تغييرات في الخرائط الحزبية. وهو ما يتوقع أن ينتج عنه تحالفات جديدة، من دون اللجوء إلى التعاون مع الحزب اليميني، الذي يصفه البعض بأنه "عار على ألمانيا". ما سيدفع الحزب إلى الوقوف في جهة المعارضة، وهو ما عبّرت عنه زعيمة الحزب فراوكه بيتري في مقابلة تلفزيونية، قائلة إنه "بالنسبة لقوة سياسية ناشئة، من الطبيعي أن نكون بداية في المعارضة، ومن هناك يمكن متابعة الأمور"، معتبرة أنه ما من وجود للمعارضة حالياً.
اقرأ أيضاً: ميركل تتشبث بسياستها حول الهجرة رغم الهزيمة بانتخابات الأقاليم
وعلى الرغم من هذا الواقع المستجدّ، لا تزال ميركل تؤكد رفضها تغيير سياسة اللجوء التي تتبعها، وهو ما عبّر عنه بشكل واضح الأمين العام لحزبها "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" بيتر توبر، في ردّ على سؤال خلال مقابلة تلفزيونية حول هذا الأمر. كما عادت وأكدت عليه وزيرة الدفاع أورسولا فون دير لاين، التي تنتمي للحزب نفسه، قائلة إن "النتائج المخيّبة التي حققها الحزب لا تعني رفض السياسة التي تتبنّاها المستشارة، والتي تدعو إلى حلّ على المستوى الأوروبي، وهي سياسة الأحزاب كافة، ما عدا حزب البديل".
في السياق، يرى مراقبون أنه بات من الواجب الكفّ عن سياسة المناكفة المعتمدة داخل "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، وخلق نوع من الثوابت، وعدم السماح للأحزاب اليمينية الاستفادة من هذا الوضع لزيادة شعبيتها. وهو ما عبّر عنه صراحة نائب المستشارة سيغمار غبريال بعد صدور نتائج الانتخابات، قائلاً "أعتقد أن على حزبي إنهاء هذا الخلاف".
وعلى الرغم من الاعتراف بأن سياسة اللجوء المتبعة من قبل ميركل ليست شعبية، وأدت إلى خسارة الانتخابات في ولايتين، وحلول حزبها ثانياً، ومحافظته على الصدارة في ولاية ثالثة، يرى محللون بأن ميركل تبقى الأقوى بسبب غياب منافس جدي لها.
ولا يغفل المتابعون التأكيد أن الأحزاب الأخرى تلقّت بدورها بعض الاهتزازات، ومنها الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" الذي يتزعمه سيغمار غبريال، تحديداً في ولاية سكسونيا أنهالت، حيث نال 10.6 في المئة، معتبرين أن النسب المرتفعة التي حقّقتها الأحزاب المنافسة، ومنها "الخضر" و"الاشتراكي الديمقراطي"، في راينلند بفالتس، هي أحزاب مؤيدة للكثير من النقاط في سياسة المستشارة. ويُعدّ هذا مؤشراً على أن المسار الرئيسي لسياستها سليم، إنما يجب تغيير الأسلوب المتّبع، وتصويب بعض الأمور، ومنها مثلاً تحديد سقف لعدد اللاجئين الذين سيسمح لهم بدخول البلاد سنوياً.
إلى ذلك، سيُشكّل تنوّع الأحزاب داخل البرلمانات بعض الصعوبة في التحالفات، فلا يُمكن بالتالي الحديث عن توافق، بعد تراجع تمثيل بعض الكتل وظهور أخرى لتؤدي دور المعارضة الشرسة، التي تختلف في العناوين العريضة مع باقي الأحزاب، وعلى رأسها "حزب البديل" الرافض للوحدة الأوروبية والعملة الموحدة والهجرة، والمؤيد لكراهية الأجانب، وهذا ما لا تتفق معه الأحزاب العريقة الأخرى. كما أن التحالف الكبير الذي كان قائماً بين حزبي المستشارة ونائبها، لم يعد كافياً ليحكما وحدهما في بعض من هذه الولايات، وباتا بحاجة إلى شريك آخر.
بالتالي لم يعد بالإمكان تجاهل حضور الأحزاب الصغيرة، أو القول إن حزباً كـ"البديل من أجل ألمانيا" سيختفي في الفترة المقبلة، فقد بات يشكل ثاني أكبر قوة في ولاية سكسونيا أنهالت مثلاً. كما أنه لا بدّ من التنبّه للدور الذي يطمح للقيام به، لتصبّ مهمة الأحزاب التقليدية في إطار توحيد صفوفها لمواجهة "العدائية" التي يمثلها هذا الحزب، والتي من الممكن أن تأخذ منحى تصاعدياً مستخدماً كل وسائل العنف والكراهية.
كما قد يتطلّب الأمر مرونة بين الأحزاب، ربما لإعادة تكوين ائتلاف جديد، يجتمع فيه كل من "الحزب المسيحي الديمقراطي" و"الاشتراكي الديمقراطي" و"الخضر" مثلاً. بالطبع سيكون عاملاً مساعداً في إعادة رسم الخيارات لمواجهة التيارات المناهضة للانفتاح والتي تدعو إلى انغلاق ألمانيا على ذاتها.
وكانت نتائج الانتخابات قد أظهرت حصول حزب "البديل" على أعلى نسبة من الأصوات في ولاية سكسونيا أنهالت، وهي 24.2 في المئة، ليحلّ في المرتبة الثانية بعد حزب ميركل، الذي استحوذ بدوره على 29.8 في المئة من الأصوات. وتراجعت ميركل في ولاية بادن فورتبيرغ وحصلت على ما مجموعه 27 في المئة من الأصوات، خلف حزب "الخضر" الذي كرّس نفسه كأقوى حزب في الولاية بنسبة 30.3 في المئة من الأصوات، فيما حلّ "البديل" ثالثاً بنسبة 15.1 في المئة.
وفي ولاية راينلند بفالتس، صبّت الأصوات بأكثريتها لصالح "الاشتراكي" الذي نال 36.2 في المئة من الأصوات، وحلّ "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" ثانيًا بنسبة 31.8 في المئة من الأصوات، و"البديل" ثالثاً بنسبة 12.6 في المئة. مع الإشارة إلى أن نسبة المشاركة جاءت مرتفعة في الولايات الثلاث، وتجاوزت نسبة الـ35 في المئة، علماً أن إجمالي عدد الناخبين يصل إلى 13 مليون ناخب.
اقرأ أيضاً: توظيف المهاجرين.. طريق وعر أمام صناعة السياحة في ألمانيا