تخشى أوساط أمنية في تل أبيب، من أن يفضي التصعيد الأخير الذي تمثل بإسقاط الطائرة الحربية الإسرائيلية، وما سبقه وأعقبه من سلسلة غارات إسرائيلية، طاولت أهدافا إيرانية وسورية في عمق الأراضي السورية، السبت الماضي، إلى دفع كل من إيران و"حزب الله" لاستثمار قدراتهما في مجال "السايبر" للمس بالجهد الحربي لإسرائيل وتقليص قدرة دولة الاحتلال على مواصلة استراتيجيتها الحالية في سورية، والقائمة على تقليص قدرة إيران على تكريس تواجدها هناك، وإحباط أية محاولة لحصول الحزب اللبناني على سلاح كاسر للتوازن.
وذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست"، في تقرير نشره موقعها اليوم الإثنين، أنّ إسرائيل تنطلق من افتراض مفاده أن الحرب الإلكترونية قد تحتل مكاناً مركزياً، في المواجهة الدائرة حالياً بين تل أبيب من جهة وكل من طهران و"حزب الله".
وينقل المعلق العسكري للصحيفة، يوحنان جيرمي بوب، عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين قولهم إنّ "إسرائيل يمكن أن تعاني لفترة طويلة من نتائج الحرب الإلكترونية التي تشنها إيران وحزب الله"، لافتاً إلى أن "التقديرات السائدة في تل أبيب تفيد بأن حزب الله وإيران سيحاولان توظيف كل ما لديهما من وسائل، في مجال الحرب الإلكترونية في مواجهة إسرائيل".
وأوضح بوب أنه "على الرغم من أن قدرات إيران و"حزب الله" في مجال السايبر متواضعة مقارنة بقدرات إسرائيل إلا أنها، مع ذلك، تشكل تهديداً جدياً بسبب قدرتها على المس بالمجالات الحيوية لإسرائيل".
وحسب الصحيفة، فإن القدرات الإلكترونية لكل من "حزب الله" وإيران تمكنهما من تعطيل طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، وضمنها طائرة الشبح "إف 35" الأكثر تطوراً.
وأشارت الصحيفة، في هذا السياق، إلى أن إسرائيل شرعت في تنفيذ مشروع يهدف إلى تقليص قدرة إيران و"حزب الله" على توظيف الفضاء الإلكتروني لتعطيل سلاحها الجوي من خلال العمل على استبدال المحرك "الذكي" في الطائرات النفاثة بمحرك "أبكم" أو "ذي دائرة مغلقة"، بحيث عندما تتعرض الطائرات لهجمات إلكترونية، فإن ما يتضرر هو المعلومات التي تحملها منظوماتها الإلكترونية وليس محركات الطائرة، على اعتبار أن المس بالمحركات يعني تعطيل الطائرة تماماً.
وبيّنت الصحيفة أن "هناك ما يدلل على أن منظومة وسائط الطيران غير المأهولة التي تملكها إسرائيل هي الأكثر عرضة للتعطيل بواسطة الهجمات الإلكترونية"، مشيرة إلى أن "إنجاز هذه المهمة لا يتطلب توفر قدرات دولة".
وأعادت الصحيفة للأذهان حقيقة أن الناشط في حركة "الجهاد الإسلامي"، محمد بن جواد عوده، تمكن في الفترة الفاصلة بين عامي 2011 و2014 من قرصنة طائرات من دون طيار إسرائيلية كانت تحلق في أجواء قطاع غزة، إلى جانب شنه هجمات إلكترونية أدت للمس بفاعلية بعض الوحدات في مطار "بن غوريون" الدولي.
كما أعادت الصحيفة للأذهان حقيقة أن الناشط في "الجهاد الإسلامي" تمكن من تعطيل عمل الطائرات من دون طيار من خلال النفاذ لمعلوماتها، مشيرة إلى أن "إسرائيل تنطلق من افتراض مفاده أن قدرات كل من إيران وحزب الله أكبر بكثير من قدرات عودة، بحيث إنه بإمكانهما ليس الولوج للمعلومات فقط، بل التحكم بالطائرات الإسرائيلية غير المأهولة وتوجيهها لضرب أهداف داخل إسرائيل نفسها".
وأوضحت "جيروزاليم بوست"، أن "مخاوف الجيش الإسرائيلي من إمكانية أن تفضي الهجمات الإلكترونية إلى تعطيل سلاح جوه، تعود إلى حقيقة أن لدى تل أبيب ذاتها قدرات إلكترونية تمكن من تعطيل سلاح الجو لـ"العدو".
ونقلت الصحيفة عن الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، يئير كوهين، أن لدى إسرائيل قدرات إلكترونية تمكنها من تعطيل سرب طائرات مرة واحدة، من خلال استخدام السايبر.
كما نقلت الصحيفة عن القائد السابق لـ"وحدة 8200"، وحدة التجسس الإلكتروني في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، الجنرال بورال بوخريس، الذي أكّد عام 2015 أن لدى إسرائيل قدرات إلكترونية، تمكنها من تعطيل المنظومات الصاروخية لـ"حزب الله"، وإبطال التهديد الذي تمثله.
وأشار بوب إلى "أن أكثر ما يقلق إسرائيل هو أن تتمكن جهات معادية من النفاذ إلى المنظومات المحوسبة للجيش وللمخابرات الداخلية "الشاباك"، أو أن يتمكن "الأعداء" من التحكم بمنظومات النيران في الجيش الإسرائيلي وتشغيلها للمس بأهداف إسرائيلية".
وفي هذا الصدد، ذكر أن وكالة الأمن القومي الأميركي قد تم اختراقها عام 2016، بالإضافة إلى اختراق وكالة الاستخبارات المركزية "سي أي إيه" إلكترونياً عام 2017.
وأكدت الصحيفة أن هناك مخاوف من أن يستخدم "حزب الله" وإيران الهجمات الإلكترونية في تعطيل مرافق حساسة تماماً، كما استخدمت كل من إسرائيل والولايات المتحدة عام 2009 فيروس "ستوكسنت" في مهاجمة منظومات الحوسبة، التي تتحكم في أجهزة الطرد المركزي في المنشآت النووية الإيرانية، مما أدى إلى تعطيل عدد كبير منها.
وأضافت أن "إسرائيل قلقة أيضاً من إمكانية نفاذ "الأعداء" إلى المنظومات المحوسبة التي تتحكم بمنظومات الدفاع الجوي وتلك المرتبطة بمنظومة الإنذار من هجمات نووية".
ولفتت إلى أن إسرائيل ستقوم بدراسة الهجمات الإلكترونية التي شنت في مناطق أخرى، من أجل إعادة تقييم منظوماتها الدفاعية في مجال "السايبر".
ترى إسرائيل في الحرب السرية الصامتة، التي تهدف إلى المس بالقدرات العسكرية لـ"العدو" دون ترك أثر يحمل تل أبيب المسؤولية عنها، وإجباره على الرد؛ إحدى أهم مركبات إستراتيجية "المواجهة بين الحروب"، التي تعتمدها للمس بالجهد الحربي لكل من إيران و"حزب الله" وحركة "المقاومة الإسلامية" (حماس).