سلّطت الجلسات العلنية لهيئة "الحقيقة والكرامة"، مساء أمس الجمعة، الأضواء على مرحلة من تاريخ تونس تتعلّق بالانتهاكات التي حصلت قبيل وبعيد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي في 1956 و1957.
وكشفت الجلسات عن أطوار الصراع "اليوسفي البورقيبي"؛ وهو الصراع الذي اندلع بين الأمين العام للحزب "الحر الدستوري" التونسي، صالح بن يوسف، ومدير الديوان السياسي الحبيب بورقيبة، بسبب توقيع اتفاقيات الاستقلال الداخلي في 3 يونيو/حزيران 1955، والتي وصفتها المعارضة اليوسفية بالمنقوصة، وكانت سبباً في اندلاع عدد من المعارك، وولادة أول معارضة سياسية في تونس.
وبدل الإعلان عن المصالحة السياسية في 1956، تم عقد عدد من المحاكمات، وخصصت مراكز اعتقال وتعذيب للمعارضين كـ"ضباط الظلام"، فضلاً عن ارتكاب جرائم سياسية، بينما قدّم بعض المقاومين ممن ناضلوا ضدّ الاستعمار الفرنسي، شهاداتهم خلال جلسة علنية حول ما حصل من انتهاكات في تونس.
وقال الأمين العام لحزب "التحالف الديمقراطي" محمد الحامدي، لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّ "توثيق الذاكرة الوطنية، وعرض وثائق نادرة عن الاستقلال أمر مهم لتصبح جزءاً من الذاكرة الشعبية، ولتدرك الأجيال معاني الاستقلال، والتضحيات التي قدّمها الأجداد لتحرير الأرض، وحقيقة المعاناة والانتهاكات التي حصلت في الخمسينيات، لا سيما أنّ نيل الاستقلال لم يكن سهلاً وكان مترافقاً مع صراعات وتجاذبات سياسية".
من جهته، قال الأمين العام للحزب "الجمهوري" عصام الشابي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحركة الوطنية انقسمت في فترة الخمسينيات إلى جبهتين، والعديد من التونسيين عانوا في تلك الفترة، ومن المهم كشف الحقيقة لبناء مصالحة وطنية".
واعتبر الشابي أنّ "كشف ما حصل في فترة الخمسينيات سيساهم في مزيد من بناء مسار العدالة الانتقالية الذي يجب أن يكون مبنياً على المصارحة، لإعادة كتابة التاريخ دون تشفٍّ أو انتقام، لا سيما أنّ معرفة الحقيقة مسألة ضرورية".
بدوره، أوضح عضو هيئة "الحقيقة والكرامة" صلاح الدين راشد، لـ"العربي الجديد"، أنّ الهيئة ارتأت تخصيص جلسة بمناسبة عيد الاستقلال، "للعودة إلى فترة هامة في تاريخ تونس"، مضيفاً أنّ "الاحتلال الفرنسي لم يغادر تونس بسهولة، وبقي جاثماً على أراضينا في 1955 وبعد الاستقلال الجزئي، ولم يغادرها إلا بعد الحصول على الاستقلال التام".
وقال راشد إنّ "المناضلين في تلك الفترة قاتلوا وقاوموا بهدف المطالبة بالاستقلال، ولم يُعتَرف لهم بالجميل، الأمر الذي دفعهم إلى اللجوء للهيئة حالياً، والتي سلّطت الضوء على الشهادات المغمورة، لكشف معاناتهم وما تعرّضوا له من انتهاكات"، معتبراً أنّ "شهادة هؤلاء المقاومين من شأنها أن تساعد في كتابة التاريخ ومداواة الجراح".
وتحدّث أحمد بن عمران السعداوي، أحد المقاومين للاحتلال الفرنسي، وهو من مواليد 1927، عن الأسر والتعذيب وتعرّضه لانتهاكات.
وقال السعداوي إنّ عمّه المقاوم أشركه في النضال ضد الاستعمار الفرنسي منذ أن كان عمره 17 عاماً، وبيّن كيف التحق بشعبة الحزب "الحر الدستوري" التونسي بتطاوين، واستقرّ في 1950 بالعاصمة، وكيف كلّف بتوزيع المنشورات، ونشر توجهات الحزب، وإقناع الشباب بضرورة الانضمام للحزب لمقاومة الاستعمار.
وكشف أنّه بعد توقيع اتفاقيات الاستقلال الداخلي في 3 يونيو/حزيران 1955، بدأ الخلاف بين بن يوسف وبورقيبة، وتصاعدت حدة الخلافات التي دفعت الكثيرين إلى الانسلاخ عن الديوان السياسي وإعلان العصيان.
وتحدّث عن وقوعه في الأسر، واحتجازه بثكنة تطاوين في ظروف سيئة، وتعرّضه للتعذيب مع عدد من المعتقلين، إلى حين زيارة بورقيبة لتطاوين وأمرِه بالإفراج عنهم.
وشكّلت جلسة هيئة "الحقيقة والكرامة"، أمس الجمعة، منطلقاً لإعادة كتابة فترة من تاريخ تونس، كشفت حلقات منها ما حصل في بداية تأسيس الدولة التونسية، التي قامت بعد سلسلة من المظالم والانقسامات السياسية، فضلاً عن ملاحقات وتصفيات، تُكشف فصولها مع فتح هذا الملف الذي بقي مغلقاً على مدى عقود.